قبور في القدس لها حكايات

القدس- 7-ضريح الملك الأردني عبد الله الأول بن حسين في الرواق الغربي للمسجد الأقصى
في الرواق الغربي للمسجد الأقصى يرقد الحسين بن علي الذي توفي في عمّان عام 1931 (الجزيرة نت)
أسيل جندي-القدس

احتضن تراب مدينة القدس على مرّ العصور نحو 153 جثمانا لشخصيات فلسطينية وعربية وعالمية بارزة، ومن بين هؤلاء أمراء وسياسيون واقتصاديون ورجال دين عاشوا في المدينة، وغيرهم دُفنوا بمحيط المسجد الأقصى والبلدة القديمة تكريما لدورهم في العمل من أجل القدس.

انطلاقا من المفاهيم الدينية الروحانية أوصى كثيرون بدفنهم بالقدس، وامتدت أضرحتهم من مقبرة مأمن الله غربي البلدة القديمة إلى حدود المسجد الأقصى، لتنسج هذه القبور مجتمعة قصص حضارات مرّت على المدينة المقدسة.

في المدرسة البلدية التي تحولت لاحقا لمركز ترميم المخطوطات يرقد الشيخ محمد بن محمد بن شرف الدين الخليلي على بعد عشرات الأمتار من مصلى قبة الصخرة، وكان الخليلي إمام الشافعية في فلسطين وإمام المسجد الأقصى وقاضي القدس بعهد الدولة العثمانية وتوفي عام 1147هـ، ودفن في المدرسة التي كانت مقرا للعلم وسكنه أيضا.

أوقف الشيخ الخليلي أرضا له تبلغ مساحتها نحو ألف دونم تمتد من السور الشمالي لمدينة القدس القديمة في منطقة متحف روكفلر وصولا لقصر المفتي بحي الشيخ جراح.

‪الأضرحة الثلاثة التي تعود لأسرة الأمير المملوكي سيف الدين قنقباي الأحمدي وزوجته وابنتيه‬ (الجزيرة)
‪الأضرحة الثلاثة التي تعود لأسرة الأمير المملوكي سيف الدين قنقباي الأحمدي وزوجته وابنتيه‬ (الجزيرة)

قصص الأضرحة
في غرفة مجاورة لضريح الشيخ الخليلي بالمدرسة البلدية يقف الزائر أمام ثلاثة قبور أخرى تعود للفترة المملوكية، وتحديدا لأسرة أحد أمراء المماليك وهو سيف الدين قنقباي الأحمدي، ودفن عام 798هـ، وبجواره ابنتاه سُفرة وزُهرة بقبر واحد وبجانبهما والدتهما في القبر الثالث، حيث توفوا إبان انتشار وباء الطاعون بالقدس، ويُحكى أن منشأ المرض بتلك الفترة هو دس الوباء بعباءة الأمير بهدف اغتياله وبُعيد إصابته انتقلت العدوى لزوجته وبناته وحاشيته لينتشر الطاعون بشكل واسع بمدينة القدس.

بخروج الزائر من المدرسة البلدية متجها نحو الرواق الغربي للمسجد الأقصى يقع ناظره على عدة أضرحة بحجرة واسعة دفن بها في قبر واحد كل من الجد المقدسي موسى الحسيني عام 1934، وابنه الشهيد عبد القادر الحسيني، الذي استشهد في معركة القسطل عام 1948، بينما دفن حفيده فيصل في القبر ذاته عام 2001.

على يمين ضريح آل الحسيني دفن الصحفي والسياسي الهندي محمد علي جوهر، الذي توفي عام 1931 بلندن عندما كان يحضر مؤتمرا سياسيا، ونقل جثمانه للقدس حيث شيّع في موكب مهيب ودفن بجوار المدرسة الخاتونية بناء على وصيته، وتقديرا من مفتي القدس لجهوده في مناصرة فلسطين والذود عن مقدساتها.

‪ضريح عائلة الحسيني خلف الرواق الغربي بالمسجد الأقصى‬ (الجزيرة)
‪ضريح عائلة الحسيني خلف الرواق الغربي بالمسجد الأقصى‬ (الجزيرة)

في الحجرة ذاتها دُفن أحمد حلمي عبد الباقي وهو أحد الزعماء العرب المناصرين للقضية الفلسطينية وتوفي عام 1963.

وبالرواق الغربي أيضا يرقد الحسين بن علي، الذي توفي في عمّان عام 1931، حيث أطلق عليه الخيّاط المقدسي مصطفى شكري عشي ثلاث رصاصات تجاه رأسه وصدره، بينما كان يزور المسجد الأقصى لأداء صلاة الجمعة، ويعتقد بأن سبب ذلك هو التخوف من إمكانية قيام الملك بتوقيع اتفاقية سلام منفصلة مع إسرائيل.

بالانطلاق من المسجد الأقصى نحو زقاق البلدة القديمة يمر الزائر بعدد من الأضرحة ولعلّ ضريح الصوفي محمد بن عثمان الكرماني -الملقب بالقرمي- أشهرها، إذ أسس زاوية للتصوف بعد وصوله للقدس قادما من أفغانستان، ودُفن بها بناء على طلبه، وسمي الحي بأكمله لاحقا بالقرمي نسبة له.

ضريح الصحفي والسياسي الهندي محمد علي جوهر داخل المسجد الأقصى ونقل جثمانه إليه من بريطانيا (الجزيرة)
ضريح الصحفي والسياسي الهندي محمد علي جوهر داخل المسجد الأقصى ونقل جثمانه إليه من بريطانيا (الجزيرة)

أمراء وقبور
في طريق باب السلسلة تقع مقبرة مكونة من غرفتين مقببتين أمرت بإنشائهما الأميرة الأوزباكستانية تركان خاتون بعد وصولها للقدس بثلاث سنوات وأوصت أن تدفن بها، وتحولت إحدى الغرفتين لمنزل، بينما احتضنت الأخرى قبر الأميرة خاتون.

أما الأميرة السلجوقية الست طنشق فوصلت للقدس بعدما عاشت في الشيشان سنوات، وبنت قصرا مملوكيا يعد من أجمل مباني البلدة القديمة بالقدس، وأوصت أن تدفن في قبر يقابل قصرها بعقبة التكية.

توالت عمليات دفن الشخصيات البارزة بمقابر القدس من العهد الأيوبي حتى يومنا هذا، وكان للمجاهدين ممن رافقوا القائد صلاح الدين الأيوبي نصيب من الدفن بجوار الأقصى، بالإضافة لتُرب خاصة ببعض السلاطين الذين رغبوا بدفنهم قربه وأشهر هذه الترب تربة الإخشيديين بجانب باب الأسباط.

وتقع معظم الأضرحة بالبلدة القديمة داخل منازل المقدسيين، وأُهمل بعضها، لكن ما زال كثيرون يهتمون به بوصفها تراثا قيّما يجب حفظه من الاندثار.

المصدر : الجزيرة