بيت صفافا.. قرية مقدسية سُرقت أراضيها ومزقت

القدس-بيت صفافا-خارطة جويّة توضح الشوارع التي شقها الاحتلال داخل قرية بيت صفافا والأراضي المصادرة داخلها-تصوير جمان أبوعرفة-الجزيرة نت-26-3-هذه الخارطة من تصميم عبد الكريم لافي وصوّرت من حاسوبه
خريطة توضح الشوارع التي شقها الاحتلال داخل قرية بيت صفافا والأراضي المصادرة داخلها (الجزيرة)

جمان أبوعرفة-القدس

يتماثل محمود داود محمد (أبو الرائد) من قرية بيت صفافا جنوب غرب القدس للشفاء وذلك بعد إصابته بشلل نصفي وفقدان مؤقت للذاكرة بسبب حزنه الشديد على أرضه التي استولى عليها الاحتلال بالقوة لصالح شق شارع رقم 4.

والتهم شارع الاحتلال 1.5 دونم (1500 متر مربع) من الأرض التي ورثها أبو الرائد (81 عاما) عن والده منذ عام 1940. لكن جرح قلبه لم يشف بعد، فمشاهد الاستيلاء على أرضه وجرفها لم تفارق مخيلته، حيث يقول "كنت أزرع أرضي بكل الطيّبات لكنهم جرفوها بلمح البصر، الأرض تعتبر قيمة الإنسان ووطنه، فكيف أنساها؟!".

بنى أبو الرائد بيتا من ثلاثة طوابق على أرضه عام 2002 واستقر فيها منذ ذلك الحين، لكن الحال تغيّرت عام 2013 حيث داهمته قوة كبيرة من شرطة الاحتلال والجيش أثناء جلوسه أمام بيته، وقال له أحدهم "أنت تعطّل علينا بأرضك هذه".

يقول الثمانيني للجزيرة نت إن جنود الاحتلال قيّدوه بالأغلال الحديدية عندما اعترض على قرار مصادرة أرضه، ومن شدة انفعاله حاول الفكاك منها فانغرزت في يديه وتسببت في كسر في إحداها، ثم اقتادوه واثنين من أبنائه إلى مركز الشرطة.

شارع رقم 4 يقسم بيت صفافا ويلتهم ما يقارب 200 دونم من أراضيها (الجزيرة)
شارع رقم 4 يقسم بيت صفافا ويلتهم ما يقارب 200 دونم من أراضيها (الجزيرة)

تمزيق وتقسيم
وفي صورة تعيد للأذهان هبة يوم الأرض التي توافق اليوم ذكراها الـ41، انطلق أهالي قرية بيت صفافا في مظاهرات عارمة احتجاجا على شق الشارع الذي التهم نحو 200 دونم من أراضي قريتهم، لكن المظاهرات تلك قوبلت بالتصدي والاعتقالات، واستمر المخطط رغم ذلك.

من جهته يوضح مدير مكتب مسك الهندسي عبد الكريم لافي للجزيرة نت أن شارع رقم 4 يقسم قرية بيت صفافا إلى أربعة أقسام، الأمر الذي ترتب عليه الكثير من الأضرار على أهالي القرية، أبرزها مصادرة الأراضي التي أقيم عليها، واستحالة الحصول على تراخيص بناء للأراضي الفارغة على جانبي الشارع.

ويؤكد لافي أن بيت صفافا أكثر قرية مقدسية تعرضت أراضيها للمصادرة وأكثر قرية تلوح بالخاطر حينما يُذكر يوم الأرض، حيث تقلصت مساحتها من 5288 دونم إلى 1212 بفعل الاستيلاء الممنهج على أراضيها منذ عام 1948.

محمد داود أصيب بالشلل النصفي وفقدان مؤقت لذاكرته بعد استيلاء الاحتلال على أرضه (الجزيرة)
محمد داود أصيب بالشلل النصفي وفقدان مؤقت لذاكرته بعد استيلاء الاحتلال على أرضه (الجزيرة)

وقسّمت القرية إلى قسمين وفق معاهدة رودوس عام 1949 بين إسرائيل المستحدثة والأردن، ومنذ ذلك الحين بدأ الاحتلال بسرقة أراضي القرية في القسم الخاضع لسيطرته، حيث بنى جزءا من مستوطنة القطمون وجميع مستوطنة بات على أراضيها، بالإضافة إلى بناء مستوطنة تلبيوت الشرق السكنية والمنطقة الصناعية، مع اقتطاع مساحة من الجانب الأردني في حينه المحاذي للسياج الفاصل واعتباره منطقة هدنة.

خضعت القرية بشقيها للاحتلال بعد حرب 1967. ويؤكد المهندس لافي أن الاحتلال استولى على العديد من الأراضي وحرمها من التراخيص بقانون أملاك الغائبين، كما صادر في سبعينيات القرن الماضي نحو 200 دونم لشق طريق "دوف يوسيف" ليصل بين مستوطنة جيلو جنوبا وبات شمالا، وفصل القرية إلى نصفين: شرقي وغربي.

ويتابع لافي أن الاحتلال صادر أيضا 80 دونما مع بداية الثمانينيات لشق طريق "موشي برعام" الذي فصل القسم الشمالي من القرية عن مركزها، لتصبح بذلك مقسة إلى ثلاثة أقسام. وقام بعدها بشق شارع "يعقوف بات" شمالا وطريق "روز مارين" جنوبا، مما أدى إلى مصادرة المزيد من أراضي القرية.

لافي: بيت صفافا باتت جزيرة عربية إسلامية تحيط بها المستوطنات الإسرائيلية من جهاتها الأربع (الجزيرة)
لافي: بيت صفافا باتت جزيرة عربية إسلامية تحيط بها المستوطنات الإسرائيلية من جهاتها الأربع (الجزيرة)

نهب ما تبقى
لم يكتف الاحتلال الإسرائيلي بأراضي قرية بيت صفافا التي سرقها سابقا، بل يخطط للسيطرة على ما تبقى من أراضيها من خلال مخطط منطقة طباليا التي أطلق عليها الاحتلال اسم "جفعات متوس" نسبة لطيار إسرائيلي سقط فيها عام 1967، حسب المهندس لافي.

وذكر أن الاحتلال قسمها إلى أربعة أقسام، أحدها لإقامة مستوطنة، والآخر لإقامة فنادق إسرائيلية محاذية لشارع الخليل، وثالث مسيطر عليه تحت قانون أملاك الغائبين، ورابع لم يصادق على مخططاته لإمكانية الحصول على تراخيص بناء.

وأضاف أنه بالإضافة إلى مخططات منطقة طباليا، فإن الاحتلال يخطط لشق شارع رقم 10 و "القصايل" اللذين يخترقان أراضي القرية، مما جعل البلدة جزيرة عربية إسلامية تحيط بها المستوطنات الإسرائيلية من جهاتها الأربع، ولا يتجاوز تعداد سكانها 12 ألف نسمة.

المصدر : الجزيرة