أجنبيات تزوجن بمقدسيين ويتعلقن بالقدس

أسيل جندي-القدس

"كلما مررت بمكان وسمعت نشيد (موطني) الفلسطيني يختلجني شعور جميل أعجز عن وصفه، فأنا أعتبر نفسي مقدسية تماما كمن ولدن في فلسطين". هكذا انهمرت الكلمات المتلحفة بالانتماء إلى القدس على المولدوفية فيليتسيا تيرزيلا التي انتقلت للعيش مع زوجها بالقدس عام 2005. وتقول إنها تعلقت بالقدس تدريجيا حتى باتت تعتبر الأناشيد الوطنية الفلسطينية جزءا من كيانها، وتتجول بها أينما حلّت بصوتها وعزفها.

وُلدت فيليتسيا في مولدوفا بين أوكرانيا ورومانيا، وتلقت تعليمها الجامعي برومانيا والتقت هناك الطبيب المقدسي وليد أبو رميلة وتزوجا عام 2000، وزارت في العام ذاته القدس للمرة الأولى لكنها رفضت بشكل قاطع الانتقال للعيش بها بسبب الأوضاع الأمنية المتردية بالمدينة خاصة مع اندلاع الانتفاضة الثانية آنذاك.

بعد خمس سنوات قرر زوجها بشكل حازم ضرورة انتقالهما للعيش بالقدس. وعن بداية حياتها بالمدينة قالت "عشتُ الشهور الستة الأولى في وضع نفسي رديء جدا، لم أحصل على وظيفة في تخصصي بالموسيقى ولم يعثر زوجي في البداية على فرصة عمل أيضا، وفكرتُ مرارا بترك القدس والعودة لبلادي".

الخوف.. فالانتماء
"كنتُ أشعر بالخوف والخطر دائما لأنني جئتُ من بلاد يعم فيها السلام، لكنني بدأتُ بالانخراط بالمجتمع المقدسي تدريجيا بعد حصولي على وظيفة، واكتشفت أن الكثير من المسيحيين يعيشون في القدس بمحبة وانسجام مع المسلمين بعدما اعتقدتُ لسنوات طويلة أن المسلمين يعيشون وحدهم بالمدينة" تضيف المقدسية المولدوفية.

وُلدت فيليتسيا في مولدوفا والتقت هناك الطبيب المقدسي وليد أبو رميلة وتزوجا عام 2000 
وُلدت فيليتسيا في مولدوفا والتقت هناك الطبيب المقدسي وليد أبو رميلة وتزوجا عام 2000 

ورغم تنظيم الأجنبيات المتزوجات بمقدسيين لقاءات أسبوعية لهن فإن فيليتسيا تحاشت الانضمام لها، واتخذت قرارا بتوسيع دائرة علاقاتها مع المقدسيين بهدف اكتساب اللغة العربية وتشبع عادات وتقاليد المجتمع الفلسطيني.

ولعلّ أكثر ما لفت وما زال يلفت انتباهها هو إقبال الفلسطينيين على مساعدة المحليين والغرباء في كل الظروف "لا أذكر أنني تعرضتُ يوما لموقف صعب كعطل في مركبتي أو سقوط مفاجئ بالشارع، إلّا والتف حولي عشرة أشخاص على الأقل، وهذا مفقود في بلاد الغرب".

وتعمل فيليتسيا على حث من حولها على عدم التوجه لمراكز التسوق الإسرائيلية. وعن أهمية ذلك قالت: لابد من تشجيع الصناعات الوطنية، يكفيني أن يبتسم التاجر الفلسطيني بوجهي ويتكلم معي بالعربية لأكون سعيدة بقية اليوم، أنا أتسوق من القدس ورام الله واعتاد طفلاي على هذا النمط المعيشي.

وتدخل الأجنبيات ممن يتزوجن بمقدسيين إلى فلسطين من خلال تأشيرة زيارة إسرائيلية تجدد كل ثلاثة أشهر، ثم يتقدم أزواجهن للداخلية الإسرائيلية بطلب لم الشمل يحصلن بعد الموافقة عليه على إقامة مؤقتة تُجدد سنويا ثم على إقامة دائمة ويُعاملن كالمقدسيين تماما.

وليس بعيدا عن فيليتسيا شكّلت مدينة القدس هاجسا لليابانية شيهو توما منذ طفولتها، وزارتها سائحة للمرة الأولى عام 1990 وتعرفت على زوجها المقدسي سعيد الفاخوري أثناء تجولها بالبلدة القديمة، وبعد عام واحد تزوجا في اليابان لكنهما عادا بعد إتمام دراستهما الجامعية للعيش بالقدس عام 2000.

لم تواجه توما صعوبات في بداية مشوار حياتها بالمدينة لأن أحد أكبر أحلامها تحقق بمجرد الوصول لها وفق قولها. وعن أمنياتها قالت "أسعى للحصول على إقامة دائمة بالقدس وأتمنى ألّا أُحرم منها ما حييت لأنني تعلقت بها وبعائلتي الثانية كثيرا ولا أشعر بالرغبة في السفر لأي مكان بالعالم".

اليابانية المقدسية شيهو توما مع طفلتها منى التي باتت تتحدث خمس لغات
اليابانية المقدسية شيهو توما مع طفلتها منى التي باتت تتحدث خمس لغات

طفلة وخمس لغات
رُزقت توما بطفلتها الوحيدة منى (ثمانية أعوام) بعد 17 عاما من زواجها، واعتبرتها "الطفلة المعجزة" التي تشكر الخالق يوميا على منحه إياها، وتحدثت بعاطفة الأمومة قائلة "رزقت بطفلة نصفها مقدسي والنصف الآخر ياباني، ملامحها تشبهني لكنها فلسطينية الانتماء والثقافة
".

وحول أهمية نضوج طفلتها في مدينة القدس بالتحديد، أضافت توما "التنوع البيئي والثقافي بالقدس والناجم عن تعدد الجنسيات نفتقده في اليابان، فابنتي منى اختلطت بمقدسيين وأجانب وتتقن حتى الآن خمس لغات، وهذا ما لا يمكنني توفيره لها خارج القدس التي احتضنت حضارات مختلفة عبر العصور".

تثبت كل من قصة فيليتسيا وشيهو، بالإضافة للعديد من الأجنبيات اللاتي يعشن بالقدس وجئن من المكسيك وتركيا وروسيا وبريطانيا وأميركا وغيرها من الدول، أن الوطن الحقيقي للإنسان ليس بالضرورة أن يكون مسقط رأسه بل ربما هو مهوى القلب والذي يتجدد بسببه يوميا شعور الإنسان بالحب والسعادة والدهشة.

المصدر : الجزيرة