إبعاد المقدسيين والقانون الدولي.. النواب المقدسيون "دراسة حالة"

نواب القدس المبعدون
لا يخفى على أحد الأهمية الكبيرة لمدينة القدس وما تمثله من مكانة في وجدان كل حر سواء كان عربيا أو مسلما أو مسيحيا؛ فللمدينة المحتلة مكانة كبيرة في قلوب الجميع، والهجمة التي يشنها الاحتلال واضحة للجميع من اغتصاب للأرض ومحاولة تغير ملامح المدينة وسرقة التراث والمعالم وكل شيء.

جزء كبير من الحرب التي شنت على القدس تتمثل في محاولات منع نوابها من ترشيح أنفسهم للانتخابات، ووضع العراقيل أمام حملاتهم الانتخابية، ومن ثم احتجازهم وبعد ذلك اعتقالهم، وصدور قرارات بإبعادهم عن المدينة المقدسة ومن ثم اعتصامهم لأشهر أمام مقر الصليب الأحمر، واعتقالهم لاحقا من هذه المقرات وإبعادهم خارج المدينة وسحب هوياتهم المقدسية.

وكان لإعلان النواب المقدسيين بدء الدعاية الانتخابية من المسجد الأقصى ومن داخل أسواره وقع كبير على جميع الصعد والمستويات. وخلال فترة الانتخابات والدعاية الانتخابية تم استدعاؤهم واحتجازهم واعتقالهم سبع عشرة مرة، وفي كل مرة كان يتم احتجازهم لمدة يوم أو يومين بحجة خرق قواعد الانتخابات وتعليق صورهم داخل مدينة القدس.

استمر النواب المقدسيون في حملتهم الانتخابية رغم كل المعيقات والعقبات والاحتجاز، واستطاعوا انتزاع فوز كبير في قلب المدينة المحاصرة فاختارتهم الجماهير المقدسية، وهم: النائب محمد أبو طير والنائب أحمد عطون والنائب محمد طوطح.

جرت الانتخابات التشريعية الفلسطينية في يناير/كانون الثاني 2006 بتوافق كافّة الأطراف وإشرافٍ دوليّ وحضور شخصيات عالميّة، وشارك المقدسيون في الانتخابات وأدلوا بأصواتهم في مقرات البريد داخل المدينة وشهد المراقبون بنزاهة العملية الانتخابية

وصف موجز
وهنا سأتطرق للأمر من خلال موجز سريع يصف الأحداث، ومن ثم سنتحدث عن الموقف القانوني وما صاحب ذلك من إجراءات على الأرض ومحاكم وقضاء

.

1- جرت الانتخابات التشريعية الفلسطينية في يناير/كانون الثاني 2006 بتوافق كافّة الأطراف وإشرافٍ دوليّ وحضور شخصيات عالميّة، وشارك المقدسيون في الانتخابات وأدلوا بأصواتهم في مقرات البريد داخل المدينة، وشهد المراقبون بنزاهة العملية الانتخابية.

2- في أعقاب نتائج الانتخابات، قام وزير الداخلية الإسرائيلي بتهديد ثلاثة من النوّاب المقدسيين ووزير بحرمانهم من إقاماتهم في مدينة القدس ما لم يستقيلوا من عضوية المجلس التشريعي والحكومة الفلسطينية وهم: النوّاب: محمد محمود أبو طير، أحمد محمد عطون، محمد عمران طوطح، ووزير شؤون القدس في الحكومة العاشرة خالد إبراهيم أبو عرفة.

3- اعتقلت سلطات الاحتلال عددا كبيرا من نوّاب المجلس التشريعي ووزراء الحكومة العاشرة بتاريخ 29 يونيو/حزيران 2006 ومنهم النوّاب المذكورون ووزير شؤون القدس، بحجة عضويتهم في المجلس التشريعي والحكومة التي شكلتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الفائزة في الانتخابات، وتمت مقاضاتهم أمام محاكم عسكريةٍ إسرائيلية، وحكم عليهم بفترات سجن ما بين عامين وأربعة أعوام، وقضوا محكوميّاتهم كاملة.

4- بعد الإفراج عنهم، قامت الشرطة باستدعائهم، وصادرت وثائقهم الثبوتية، وسلمتهم إشعاراتٍ بمغادرة القدس خلال شهر، وانتهت فترة إشعار النائب محمد أبو طير بتاريخ 19 يونيو/حزيران 2010، بينما انتهت فترة إمهال الآخرين يوم 2 يوليو/تموز 2010.

5- اعتقلت سلطات الاحتلال عصر يوم 30 يونيو/حزيران 2010 النائب محمد أبو طير قرب منزله، وعلى إثر ذلك لجأ النائبان أحمد عطون ومحمد طوطح والوزير السابق خالد أبوعرفة صباح اليوم التالي 1 يوليو/تموز 2010 لمقر البعثة الدولية للصليب الأحمر بالقدس تفاديا لاحتمال اعتقالهم وللتمكن من إيصال قضيتهم للرأي العام.

6- ضغطت سلطات الاحتلال على النائب أبو طير للتوقيع على أمر إبعاده أو البقاء في السجن، فرفض التوقيع على أمر الإبعاد، وبتاريخ 8 ديسمبر/كانون الأول 2010 أبعد قسرا إلى مدينة رام الله ثم اعتقل منها في 6 سبتمبر/أيلول 2011 وحول إلى الاعتقال الإداري وبقي لمدة عام أفراج عنه بعدها لمدينة رام الله.

7- النواب والوزير هم أبناء مدينة القدس، وهي مسقط رأسهم ومركز حياتهم وإقامتهم، هم وعائلاتهم، أبعدوا عنها هم وبقيت عائلاتهم وزوجاتهم وأطفالهم داخل حدود المدينة.

8- تعتبر القدس حسب القانون الدولي (مدينةَ تحت الاحتلال) لا يجوز للسلطات المحتلة إبعاد سكانها الأصليين عن مكان سكنهم، ولا يجوز فصلهم عن أسرهم وأبنائهم تحت أيّ ظرف من الظروف، ويسري عليهم ما نصت عليه اتفاقيّة جنيف الرابعة الخاصّة بحقوق المدنيين تحت الاحتلال العسكري.

9- إنّ قرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي إبعاد النوّاب ووزير القدس انتهاكٌ فاضحٌ للقانون الدوليّ والأعراف الإنسانية، وعقابٌ جماعيّ وعنصريّ بامتياز.

10- في تطور خطير واعتداء سافر وتحدٍ لـ المجتمع الدولي اقتحمت قوات الاحتلال مقر الصليب الأحمر بالقدس بتاريخ 26 سبتمبر/أيلول 2011، واختطفت النائب أحمد عطون من داخله واعتقل لمدة 70 يوما تم خلالها الضغط عليه للتوقيع على قرار الإبعاد عن القدس، لكنه رفض فأبعدته قسرا بتاريخ 6 ديسمبر/كانون الأول 2011 إلى مدينة رام الله. وبتاريخ 23 يناير/كانون الثاني 2011 اقتحمت قوات الاحتلال مرة أخرى مقر الصليب واعتقلت النائب محمد طوطح ووزير القدس السابق خالد أبو عرفة، وفتشت مقر الصليب الأحمر وصادرت أجهزة ووثائق خاصة بالنواب.

أصدر الاحتلال قراره بالإبعاد الفوري عن مدينة القدس للمقدسيين الأربعة، وجميعهم "مقيمون دائمون" في شرقي القدس، وهو وضع فرض على السكان الفلسطينيين في شرق القدس بعد احتلاله عام 1967. وينتهك وهذا القرار المادة 49 من وثيقة جنيف الرابعة

الوضع القانوني للنواب والسكان
أصدر الاحتلال قراره بالإبعاد الفوري عن مدينة القدس للمقدسيين الأربعة، وجميعهم "مقيمون دائمون" في شرقي القدس، وهو وضع فرض على السكان الفلسطينيين في شرق القدس بعد احتلاله عام 1967. وينتهك هذا القرار المادة 49 من وثيقة جنيف الرابعة التي تحظر الإبعاد للأشخاص المحميين من الأراضي المحتلة. كما أنه ينتهك الحقوق الدستورية "للبرلمانيين" للاستمرار في العيش في مكان إقامتهم ووطنهم وحقهم في الحياة الأسرية.

بعد حرب 1967، احتلت إسرائيل الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية. ومع أن القانون الدولي يحظر على الدولة المحتلة ضم الأرض التي احتلتها أو نقل مواطنيها إليها، إلا أن إسرائيل تجاهلت كل هذه المحظورات وضمت ليس فقط ستة كيلومترات مربعة من القدس الشرقية، ولكن أيضا قامت بضم 64 كيلومترا مربعا من الأرض التابعة لـ 28 قرية من الضفة الغربية بما فيها أراض تابعة لبلديات بيت لحم وبيت جالا.

بعد الضم، أجرت إسرائيل إحصاء ومنحت "الإقامة الدائمة" للفلسطينيين الذين يقطنون الأراضي التي قامت بضمها فقط في حالة كانوا موجودين وقت عملية الإحصاء. وبهذا أصبح الفلسطينيون الذين ولدوا في القدس الشرقية والذين عاشت عائلاتهم أجيالا فيها لهم نفس وضع الأجانب المهاجرين من "غير اليهود " والذين حصلوا على "إقامة دائمة " والذين قدموا من خارج إسرائيل.

إسرائيل -التي أعلنت عن سياستها الهادفة إلى خلق أغلبية يهودية في القدس الشرقية- استخدمت ذرائع إدارية متنوعة لتجريد المقدسيين من "إقاماتهم الدائمة" في القدس. التكتيك الرئيسي هو سحب حقوق الإقامة من المقدسيين والذين انتقلوا إلى السكن في ضواحي القدس في الضفة الغربية أو في حالة الذهاب إلى الخارج للدراسة أو العمل حتى ولو رجعوا بشكل دوري إلى القدس الشرقية.

إسرائيل تدعي بأن سلطتها بسحب الإقامة مستمدة من "قانون الدخول إلى إسرائيل لعام 1952" الذي يطبق على المهاجرين من غير اليهود والفلسطينيين في القدس الشرقية، مع أن الفلسطينيين ليسوا مهاجرين؛ فهم السكان الأصليون للمناطق المحتلة من قبل إسرائيل عام 1967.

ووفقا للبيانات التي جمعتها منظمة "بيتسيلم" الحقوقية الإسرائيلية، سحبت إسرائيل منذ عام 1967 حقوق الإقامة من أكثر من 13000 فلسطيني ولدوا في القدس الشرقية؛ 4577 منهم عام 2008 فقط.

في حالة النواب الثلاثة ووزير القدس السابق، ادعى وزير الداخلية الإسرائيلي أنهم مقيمون في إسرائيل ولذلك هم مجبرون على إعطاء الولاء لها، وعضويتهم في المجلس التشريعي الفلسطيني (البرلمان الأجنبي) تثبت بأن ولاءهم للسلطة الفلسطينية، مع أن سلام فياض (رئيس الوزراء الفلسطيني السابق) مقيم في القدس الشرقية ولم يتم تهديده بسحب حقوق الإقامة.

ووفقا للمادة 45 لعام 1907 من اتفاقية لاهاي الرابعة، فإن القوة المحتلة لا يمكن لها طلب الولاء من السكان الذين تحتلهم. والفلسطينيون في القدس "أناس محميون" بالقانون ولا يمكن إبعادهم.

من الواضح أن النواب الثلاثة والوزير تمت معاقبتهم بشدة من إسرائيل بذريعة انتمائهم السياسي. فقد ردت الحكومة الإسرائيلية على التماس قدمه مركز عدالة ضد قرار الإبعاد "بسبب أن الملتمسين انتخبوا للمجلس التشريعي الفلسطيني باسم حركة حماس الإرهابية والمعادية لإسرائيل، فقد انتهكوا وبشكل خطير الحد الأدنى من الالتزام لدولة إسرائيل".

ردت الحكومة الإسرائيلية على التماس قدمه مركز "عدالة" ضد قرار الإبعاد بأن الملتمسين انتخبوا للمجلس التشريعي الفلسطيني باسم حركة حماس الإرهابية والمعادية لإسرائيل

الاعتراضات القانونية

مركز عدالة وجمعية حقوق المواطن الإسرائيليان ردتا بأن قانون الدخول إلى إسرائيل لا يمكن تطبيقه على الأفراد الذين ولدوا في إسرائيل، يعني أن طلب الدولة المحتلة من المحتلين "الولاء" غير قانوني، فالمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة تحظر الإبعاد للأشخاص المحميين من الأراضي المحتلة، وأن هذا الإبعاد ينتهك الحق في الحياة الأسرية. وتقول عدالة أيضا إن المادة 49 من "اتفاقية لاهاي الرابعة 1907" تحظر على الدولة المحتلة طلب الولاء من السكان المحتلين.

في عام 2007، قال محامو النواب والوزير الفلسطيني (أسامة السعدي وفادي القواسمي ومركز عدالة وجمعية حقوق المواطن) وقبل جلسة محكمة العدل الإسرائيلية إن قرار وزير الداخلية الإسرائيلي بسحب الإقامة من أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني "ينتهك حقوقهم بشكل خطير، والقانون لا يمنح وزير الداخلية السلطة لإلغاء الإقامة الدائمة بسبب خيانة الثقة أو من أجل العضوية في برلمان أجنبي".

بتاريخ 15 يونيو/حزيران 2010، قدم محامو النواب والوزير طلب أمر احترازي لمحكمة العدل الإسرائيلية بتجميد قرار الإبعاد إلى حين المحاكمة. المحكمة رفضت الالتماس يوم 20 من نفس الشهر. وعقّب المحامي حسن جبارين مدير مركز عدالة على رفض قرار الالتماس بقوله: إحدى الركائز الأساسية للقانون "عدم الإبعاد قبل السماع" هذه هي المرة الأولى التي ترفض المحكمة الأمر الاحترازي قبل السماع من الملتمسين.

ووفقا لقناة الجزيرة بتاريخ 30 يونيو/حزيران 2010، قال ريتشارد فولك المقرر الخاص للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية: التهديد بالإبعاد هو جزء من نمط أكبر مقلق للغاية في الجهود الإسرائيلية لطرد الفلسطينيين من القدس الشرقية، وهي جميعها غير قانونية بموجب القانون الدولي.

إذن كافة الإجراءات التي اتخذتها السلطات الإسرائيلية لتغيير المكانة القانونية للمدينة ولمواطنيها الفلسطينيين باطلة بحكم مخالفتها لأسس ومبادئ القانون الدولي. فقد تسببت هذه الممارسات بمعاناة جميع الفلسطينيين، وطالت النساء والأطفال بصورة خاصة، ووضعت عشرات آلاف الأسر الفلسطينية في ظروف حياتية مأساوية للغاية.

وحق الإنسان في بلده متأصل وأساسي، وهو معترف به قانونيا وموثق في المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948، والتي أكدت على أن "لكل فرد حق حرية التنقل، وفي اختيار محل إقامته داخل حدود دولته". كذلك الحال بالنسبة للعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1966، فقد أكدت المادة 12 منه على هذا الحق بالنص على أن "لكل فرد يوجد على نحو قانوني داخل إقليم دولة ما حرية التنقل فيه، وحرية اختيار مكان إقامته".

قيام سلطات الاحتلال بسحب الإقامة الدائمة من البرلمانيين المقدسيين والوزير السابق، ومنعهم من حقوقهم الأساسية المدنية والسياسية في مدينتهم يشكل انتهاكا صارخا لالتزاماتها بموجب حقوق الإنسان الدولية

النقل القسري
يعتبر "النقل القسري" للبرلمانيين الفلسطينيين ولوزير شؤون القدس السابق أحد أشكال "العقوبات الجماعية" ويمثل انتهاكا خطيرا لأحكام اتفاقية جنيف الرابعة وتحديداً المادة 33 من الاتفاقية التي تنص على حظر معاقبة أي شخص محمي على مخالفة لم يقترفها هو شخصيا.

ويمثل "النقل القسري" انتهاكا خطيرا لأحكام نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ويدخل ضمن نطاق جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. فإلغاء الإقامة الدائمة للبرلمانيين الفلسطينيين وللوزير السابق، وبالتالي نقلهم القسري إلى خارج القدس يعتبر "جريمة ضد الإنسانية" وفقا لأحكام المادة 7/2 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والذي ينص على اعتبار إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان هو جريمة ضد الإنسانية.

وبالنظر إلى أن وزير الداخلية الإسرائيلي ذكر بصراحة أنه يمكن للبرلمانيين استعادة إقامتهم الدائمة في حالة استقالتهم من مناصبهم التي تم انتخابهم لها بشكل ديمقراطي، فليس هنالك أدنى شك بأن سحب إقامتهم والنقل القسري أو الإبعاد يكون غير قانوني، وذلك لأن سبب الإبعاد سياسي بحت، وليس نتيجة لضرورة عسكرية أو لأمن السكان المدنيين.

إن قيام سلطات الاحتلال بسحب الإقامة الدائمة من البرلمانيين المقدسيين والوزير السابق، ومنعهم من حقوقهم الأساسية المدنية والسياسية في مدينتهم يشكل انتهاكا صارخا لالتزاماتها بموجب حقوق الإنسان الدولية. وحرمانهم من حقوقهم ما هي إلا خطوة أخرى بعيدة المدى اتخذتها إسرائيل لتؤكد بأن الفلسطينيين لن يتمكنوا من حقهم في تقرير مصيرهم، ولن يتم إنهاء الاحتلال لأراضيهم.

وإذا كان الوضع الحالي هو سحب الإقامات من مواطنين تتهمهم إسرائيل بعضويتهم في حماس، فإنه من الواضح أن هذه العملية يمكن أن تنطبق على أي فلسطيني أو فلسطينية بغض النظر عن انتمائه أو انتمائها السياسي.

المصدر : الجزيرة