"الخدمة المدنية" خطة إسرائيلية لغزو ذاكرة المقدسيين

2-صورة من باب العامود رغم مظاهر القوة العسكرية الدائمة في القدس إلا أن الاحتلال يخفي هذه المظاهر عند إغراء الفلسطينيين للالتحاق بالخدمة المدنية
خطورة هذه الخدمة لا تقل عن الخدمة العسكرية نظرا للعبث بوعي الملتحقين بها (الجزيرة نت)
أسيل جندي-القدس

تُروّج أذرع الاحتلال الإسرائيلي لمشروع "الخدمة المدنية" في مختلف القرى والمدن الفلسطينية المحتلة عام 1948، إضافة إلى القدس والجولان المحتلين عام 1967. وتُعرّف بأنها خدمة تطوعية لمصلحة الجمهور مفتوحة أمام كل من حصل على إعفاء من الخدمة العسكرية أو من لا يُستدعى إليها.

ويعود تاريخ الخدمة المدنية لعام 1953 عندما اقتُرحت بديلا من الخدمة العسكرية لحل مشكلة المتدينات اليهوديات اللاتي لا يلتحقن بالجيش، لكن بدأ تحويل هذه الخدمة لمشروع وتطبيقها على الفلسطينيين ممن يحملون الجنسية الإسرائيلية والبطاقة الزرقاء المؤقتة على حد سواء عام 2000، ويحق لكل من يبلغ من العمر 23 عاما أو أقل الانخراط فيها.

وتُغري مديرية الخدمة المدنية المنتسبين إليها بمنحهم الامتيازات ذاتها التي يحظى بها الجنود المسرحون من جيش الاحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك المنح والقروض التعليمية ودفع مستحقات التأمين الوطني خلال سنوات الخدمة، بالإضافة لتقديم تسهيلات لقبول المجندين في الخدمة بالوظائف الحكومية والشركات الأمنية.

غزو الوعي
ولا تقل هذه الخدمة خطورة عن الخدمة العسكرية، حيث أظهرت دراسة نشرتها جامعة حيفا في شهر ديسمبر/كانون الأول 2010 وحملت عنوان "الخدمة المدنية للعرب في إسرائيل"، أن 85% من العرب الذين التحقوا بالخدمة المدنية يقبلون بيهودية الدولة، وهذا يعكس مدى خطورة غزو الوعي والثقافة الفلسطينية الذي تسببه هذه الخدمة، من خلال غسل الأدمغة الذي يتعرض له الفلسطينيون المنتسبون لها.

دراسة أجريت قبل سنوات أظهرت أن أغلب المشاركين في الخدمة المدنية يؤيدون يهودية الدولة (رويترز)
دراسة أجريت قبل سنوات أظهرت أن أغلب المشاركين في الخدمة المدنية يؤيدون يهودية الدولة (رويترز)

ويعمل من يلتحق بالخدمة في المستشفيات ومراكز صناديق المرضى وجهاز الإطفاء ومكافحة المخدرات وبعض المكتبات والمدارس والمجالس البلدية ومراكز الشرطة الجماهيرية، ويسعى الاحتلال جاهدا لنشر مشروع الخدمة المدنية في أوساط الشباب المقدسي.

ومقابل الإغراءات للقبول بالخدمة، ما زال الرفض هو الأغلب. ويقول الشاب المقدسي علي أبو غوش إنه يرفض الخدمة لأنها "مشروع أسرلة للعقول وتجنيد مستقبلي، ولأن هويتي الوطنية فلسطينية، فأنا لا أقبل أن أكون جزءا من دولة إسرائيل لأنها دولة احتلال".

وأكد  في حديثه للجزيرة نت أنه لا بد من رفع وعي المقدسيين بخطورة الخدمة المدنية، إلى جانب العمل على إيجاد بديل لها. وأضاف أن القائمين على هذا المشروع يلعبون على وتر التسهيلات المقدمة للمنتسبين له وإن كانت أحيانا وهمية، داعيا لعمل شبابي ومؤسساتي فلسطيني "لمجابهة هذا الكابوس".

ويعتمد التجنيد في الخدمة المدنية بالقدس بشكل أساسي على الدعاية البشرية، فمثلا تقوم كل فتاة تنخرط في الخدمة بإخبار من حولها، وهكذا تتسع دائرة المنتسبين لها دون وعي الكثيرين بخطورتها.

وتنشط بعض الفتيات في القدس بالترويج للخدمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لكن المتورطين في هذه الخدمة يرفضون الإفصاح عن أنفسهم أو الحديث لوسائل الإعلام.

وتدّعي معطيات مديرية الخدمة المدنية الإسرائيلية تضاعف أعداد الفلسطينيين المجندين في الخدمة المدنية بما يقارب 14 ضعفا خلال ثمانية أعوام، حتى بلغ عددهم عام 2013 قرابة 3450 فردا.

ووفق المحاضر في علم الاجتماع بجامعة حيفا نهاد علي، فإن المعطيات الوحيدة المتاحة هي تلك التي تملكها مديرية الخدمة المدنية، مشككا في مصداقيتها "لأن مصدرها واحد ولديه هدف خفي في رفع نسبة المتجندين بالخدمة المدنية".

الأوضاع الاقتصادية الصعبة في القدس تدفع البعض للقبول بالخدمة المدنية في مؤسسات الاحتلال (الجزيرة)
الأوضاع الاقتصادية الصعبة في القدس تدفع البعض للقبول بالخدمة المدنية في مؤسسات الاحتلال (الجزيرة)

دوافع الخدمة
وبحسب استطلاعات للرأي أجراها مجموعة من الباحثين في الداخل المحتل وشارك في إعدادها نهاد علي، فقد اتضح أن 87% من المقبلين على الخدمة المدنية إناث مقابل 13% من الذكور.

ويُرجع الباحث الفلسطيني ذلك لأسباب عدة أبرزها: استغلال الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية في أوساط الفتيات العربيات، اللاتي ينهين دراستهن الثانوية ويعجزن عن دخول الجامعات وسوق العمل بسهولة، فيجدن في الخدمة المدنية ملجأ لهن للخروج من إطار الرقابة الاجتماعية إلى المجتمع الواسع.

وأضاف أن خطورة الخدمة المدنية تكمن في عدم فرض إسرائيل هذه الخدمة كقانون، ولكنها تربطها بإعطاء الحقوق مقابل تقديم الفلسطينيين واجباتهم عبرها. وقال: إذا قبلنا فكرة الخدمة المدنية فقد قبلنا عمليا بمعادلة الحقوق مقابل الواجبات، ولا يوجد أي نظام ديمقراطي في العالم يربط بين الحقوق والواجبات.

المصدر : الجزيرة