ألم سنوي يتجدد بمنازل شهداء مجزرة الأقصى

1-صور لبعض شهداء مجزرة الأقصى كما أوردتها إحدى ملاحق الصحف عام والتي تحتفظ بها عائلة كاشور حتى اليوم(الجزيرة نت)
21 مصليا ارتقوا داخل المسجد الأقصى في مجررة ارتكبها الاحتلال خلال محاولة التصدي لاقتحامات المستوطنين (الجزيرة)
أسيل جندي-القدس

في صبيحة الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 1990 استيقظ الشهيد المقدسي برهان كاشور من نومه، استحم وشذّب ذقنه ثم وقف أمام المرآة في فسحة منزله الكائن في حارة السعدية بالقدس القديمة وبدأ يسرح شعره، فسألته والدته حينها عن وجهته فقال إنه ذاهب للمسجد الأقصى، حيث سيصاب برصاصة في رأسه سترديه شهيدا، قبّلها ومضى.

زُفّ برهان (19 عاما) شهيدا ومعه عشرون آخرون بعد ارتكاب الاحتلال الإسرائيلي مجزرة الأقصى التي وصفها المقدسيون بالأبشع، ففي ذلك العام وقبيل احتفال الإسرائيليين بعيد العرش اليهودي، قررت ما تسمى جماعة أمناء الهيكل تنظيم مسيرة باتجاه المسجد بنيّة وضع حجر الأساس لما يزعمون أنه "الهيكل الثالث"، وتوجه مؤسس الجماعة حينها غرشون سلمون برسائل عبر وسائل الإعلام لحث اليهود على الانضمام للمسيرة.

واعتكف آلاف المصلين داخل مصليات المسجد الأقصى للتصدي للاعتداء، الأمر الذي لم يرق لقوات الاحتلال الإسرائيلية التي أطلقت العنان لأسلحتها، واستخدمت قنابل الغاز السام والأسلحة الأوتوماتيكية والطائرات العسكرية، كما شارك المستوطنون في إطلاق الرصاص الحي تجاه المصلين مما أدى لسقوط مئات الجرحى أيضا.

صور بعض شهداء مجزرة الأقصى في ملاحق الصحف وتحتفظ عائلة كاشور بها في القدس (الجزيرة)
صور بعض شهداء مجزرة الأقصى في ملاحق الصحف وتحتفظ عائلة كاشور بها في القدس (الجزيرة)

غصّة.. ففقدان
عبد السلام كاشور شقيق الشهيد برهان استقبل الجزيرة نت في منزله بحي واد الجوز في القدس بالتزامن مع حلول الذكرى السابعة والعشرين للمجزرة، وخلال استرجاعه تفاصيل ذلك اليوم قال إنه شعر بمجرد الوصول لعمله في ذلك الصباح بغصة، فقرر العودة للمنزل، لكن عددا من أصدقائه أوقفوه في الطريق وأخبروه أن شقيقه أُصيب خلال مواجهات في المسجد الأقصى.

أكمل عبد السلام سيره من بلدة بيت حنينا شمال القدس باتجاه البلدة القديمة، لكنه لم ينجح بالدخول إليها لتطويقها العسكري بشكل كامل، فتوجه لمستشفى المقاصد وهناك وجد المئات من المقدسيين ينتظرون مصير أبنائهم أمام قسم الطوارئ، تسلل عبد السلام ليجد القسم قد تحول لمستنقع من الدماء، وأخبره أحدهم أن برهان استشهد.

عبد السلام كاشور: لاحقنا الاحتلال واختبأنا بجثة شقيقي برهان بالقدس القديمة قبل أن نتمكن من دفنه (الجزيرة)
عبد السلام كاشور: لاحقنا الاحتلال واختبأنا بجثة شقيقي برهان بالقدس القديمة قبل أن نتمكن من دفنه (الجزيرة)

لاحقت قوات الاحتلال جنازة الشهيد وأطلقت تجاه المشيعين الرصاص المطاطي، وبعد تفريقهم وجد عبد السلام نفسه وحيدا، وقال "ركضتُ به في أزقة البلدة القديمة إلى أن أدخلني أحد أصحاب الفنادق لأختبئ بأخي الشهيد في فندقه حتى تنسحب قوات الاحتلال.. سنحت لي الفرصة لوداعه فوضعت يدي على رأسه الذي وجدته مهشما بشكل كامل، دفناه لكننا لم نتمكن من دفن ألمنا حتى اليوم".

كان الأسير المقدسي المحرر المبعد إلى قطاع غزة زكريا نجيب أحد الشهود على إعدام قوات الاحتلال للشهيد كاشور بدم بارد، وعن ذلك اليوم قال "فجّرت الرصاصة رأس برهان وخرج دماغه منه أمامي، رفعتُ دماغه عن الأرض بشكل هستيري، وخلعتُ قميصي وربطتُ ما تبقى من رأسه به.. نقلتُ العديد من الشهداء والجرحى حينها وشاهدتُ الاستهداف المباشر للأجزاء العلوية من الجسم".

المقدسية سعاد الحرباوي شاهدة عيان على قساوة المجزة وإصابة أحد المسنين (الجزيرة)
المقدسية سعاد الحرباوي شاهدة عيان على قساوة المجزة وإصابة أحد المسنين (الجزيرة)

شهادة مسنّة
أما المسنة المقدسية سعاد الحرباوي فتروي أنها كانت تجلس مقابل قبة الصخرة المشرفة، وكعادتها تقدم الحجاب (أغطية الرأس) للفتيات اللاتي نسين جلب ملابس الصلاة معهن. مرّ مسن أثناء اندلاع المواجهات وحثّها على الدخول للمصلى للاحتماء من الرصاص الكثيف، رفضت ذلك وأخبرته أنها تتمنى الاستشهاد مع المجاهدين فوق ثرى الأقصى، وبعد لحظات أُصيب المسن برصاصة في رجله وهرولت سعاد تجاهه وأعطته غطاء رأس يلفه على الجرح حتى يتسنى للشبان نقله بالإسعاف للمستشفى
.

وكان مفتي القدس والديار الفلسطينية محمد حسين يشغل حينها منصب مدير المسجد الأقصى، وفي تعليقه على المجزرة قال "الرصاص أطلق تجاه الرأس والقلب بشكل مباشر وارتقى شهداء من كافة المناطق والفئات العمرية واختلطت دماؤهم وبقيت لفترة شاهدة على بشاعة تلك المجزرة".

وأضاف في حديثه للجزيرة نت أن مجزرة الأقصى كانت ولا تزال عارا يدمغ جبين الاحتلال الإسرائيلي والإنسانية في المؤسسات الأممية التي تصمت عن الجرائم المتكررة ضد أبناء الشعب الفلسطيني، مؤكدا أن الاعتداءات مستمرة ولم تتوقف يوما بحق المسجد الأقصى المبارك.

المصدر : الجزيرة