القدس الشرقية: تشخيص الموارد الاقتصادية المحلية

غلاف كتاب / تشخيص الموارد الاقتصادية المحلية - القدس الشرقية
عرض: محمود الفطافطة

يُبين كتاب "القدس الشرقية: تشخيص الموارد الاقتصادية المحلية" أن التحديات التي تواجه الاقتصاد المقدسي تتمثل في ثلاث ظواهر رئيسة: الضم لدولة الاحتلال الذي نتج عنه إلحاق الاقتصاد مباشرة بمؤسسات وقوانين ومصالح الاحتلال وسياسته التمييزية ضد التنمية والوجود الفلسطيني. والعزل عن محيطه الفلسطيني اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، مما يجعل من الصعوبة بمكان مقاومة تأثيرات الضم والاستيطان، ويُبعد المصلحة المقدسية عن المصلحة الفلسطينية الأوسع. والتحدي الثالث هو التفكك، المتمثل في التراجع بجميع المؤشرات الاجتماعية والسكانية، وفي تفتت الاقتصاد ونزع قواه الذاتية المحركة للنمو.

والكتاب من تأليف نور عرفة، ونشره مؤخرا معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)، وهو مركز خاص يتخذ من مدينة رام الله بالضفة الغربية مقرا له.

ويتكون الكتاب من أربعة فصول: الأول جاء بعنوان "الإطار السياساتي"، والثاني "الحالة الاقتصادية الفلسطينية في القدس الشرقية"، والثالث "التوزيع القطاعي لاقتصاد القدس الشرقية"، في حين أن الفصل الرابع جاء بعنوان" المستقبل: إلى أين يتجه اقتصاد القدس الشرقية؟ وما آفاق إنعاشه؟" 

أهمية الكتاب
يُظهر الكتاب أن مخططات الاحتلال للقدس الشرقية أدت إلى فصلها عن الاقتصاد الفلسطيني في قطاع غزة وبقية الضفة الغربية، ودمجها تدريجياً في الاقتصاد الإسرائيلي، بطريقةٍ جزئية ومشوهة؛ وهذا ما أدى باقتصاد القدس الشرقية إلى الاعتماد بشكلٍ متزايد على اقتصاد الاحتلال في التجارة وسوق العمل والمالية وغيرها، ويوضح الكتاب أن عملية فصل القدس الشرقية تسارعت خلال العقد الأخير، في سياق إجراءات إسرائيلية لتغيير الطابع العمراني والسكاني للقدس.

العنوان: القدس الشرقية: تشخيص الموارد الاقتصادية المحليةتأليف: نور عرفةمنشورات: معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) - رام الله.الطبعة الأولى: 2017الصفحات: 59 صفحة
العنوان: القدس الشرقية: تشخيص الموارد الاقتصادية المحليةتأليف: نور عرفةمنشورات: معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) – رام الله.الطبعة الأولى: 2017الصفحات: 59 صفحة

ففي الفصل الأول تؤكد الباحثة أن الاحتلال قام بتطوير نظام للتخطيط الإنمائي والمكاني بالقدس يُنفذ بكفاءة عالية بمشاركة القطاعين العام والخاص، ويشمل خططا إسرائيلية محددة للقدس، تهدف إلى ضمان وتوسيع السيطرة السياسية والاقتصادية والديموغرافية اليهودية، وفي الوقت نفسه طرد الفلسطينيين أو تقليل عددهم.

ويستعرض هذا الفصل خطتين للقدس وضعهما الاحتلال: الخطة الأولى تركز على القدس الشرقية، وتهدف إلى تعزيز الأمن من خلال دعم النمو الاقتصادي، ويوضح كيف تستخدم السلطات خطط التنمية الاقتصادية في القدس الشرقية كأداة سياسية لقمع الطموحات الفلسطينية وتقوية الحالة الأمنية هناك.

أما الخطة الثانية، فهي خطة خماسية تُسلط بلدية القدس من خلالها الضوء على القطاعات المهمة التي ستستهدفها للنهوض باقتصاد القدس، وهنا يبرز دور المؤسسات الإسرائيلية الفاعلة في عملية التنمية مثل "سلطة تطوير القدس" و"شركة موريا لتطوير القدس" وغيرها.

ويتطرق هذا الفصل إلى الإطار السياساتي إقليميا ودوليا بخصوص تخصيص الموارد المحلية للقدس الشرقية، إذ يشير إلى أنه ظهرت على الساحة مؤخرا أطراف تسعى لتعبئة الفراغ في القدس الشرقية، بما فيها منظمات دولية ودول مانحة.  ويورد البحث -على سبيل المثال- تركيا التي تلعب اليوم دوراً أكبر في القدس، كما تنشط الإمارات العربية المتحدة بدورها لتوفير دعم مالي لتجار من البلدة القديمة لترميم محلاتهم أو توسيعها.

برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قام مؤخراً بإطلاق مشروع التجديد الحضري والإنتاجية في القدس الشرقية بهدف تعزيز صمود سكان القدس الشرقية

كما قام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مؤخراً بإطلاق مشروع التجديد الحضري والإنتاجية في القدس الشرقية بهدف تعزيز صمود سكان القدس الشرقية من خلال إحياء شارعي صلاح الدين والسلطان سليمان وتحفيز استثمارات القطاع الخاص، كذلك كشف الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي عن منحة بقيمة خمسين مليون دولار عبر مؤسسة التعاون لدعم أنشطة 35 مؤسسة مقدسية اجتماعية وصحية وتعليمية وثقافية.

تحديات لا تنتهي
وبخصوص الفصل الثاني، المتعلق بالحالة الاقتصادية الفلسطينية في القدس الشرقية، فالكتاب يوضح أن خارطة القدس الشرقية الاقتصادية تتكون من خمسة أحياء رئيسة لكل منها سماتها الغالبة ومشاكلها الخاصة ومواردها المميزة، وهي: البلدة القديمة وأسواقها التجارية، وشارع صلاح الدين والمناطق التجارية المحيطة، وباقي المناطق في مركز القدس الشرقية السكنية والصناعية، وأحياء جنوب القدس المكتظة بالسكان، وأحياء شعفاط وبيت حنينا (شمالي القدس).

هذه الأحياء الفلسطينية (وفق الدراسة) تواجه العديد من التحديات المشتركة، خاصة: الاعتماد الكبير على سوق العمل الإسرائيلي كمصدر رئيسي للدخل، وتدني نسبة مشاركة النساء في سوق العمل، وضعف الإنتاجية الاقتصادية، والتوسع الاستيطاني المتواصل والمكثف.

وتوضح أنه على الرغم من تطور أسواق شمالي القدس، فإن اتجاهات التطور الاقتصادي للمدينة ما تزال بشكلٍ عام منعزلة عن مسار بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة.

الأسواق التجارية في المدينة فقدت عنصريْن أساسيين من قاعدتها الاستهلاكية: المستهلكين الفلسطينيين بسبب عزل المدينة وبناء الجدار، والسياح بسبب تدهور القطاع السياحي الفلسطيني

وتوضح الدراسة أن الأسواق التجارية في المدينة فقدت عنصريْن أساسيين من قاعدتها الاستهلاكية: المستهلكين الفلسطينيين بسبب عزل المدينة وبناء الجدار، والسياح بسبب تدهور القطاع السياحي الفلسطيني.

وتشير الدراسة إلى أن التجار المقدسيين يواجهون صعوبات جمة في دفع الضرائب المفروضة عليهم بسبب ضعف الأعمال التجارية، خاصة بعد الهبة الشعبية الأخيرة.

وتنتقل الباحثة بعد ذلك إلى الفصل الثالث لتناقش التوزيع القطاعي لاقتصاد القدس الشرقية، منطلقة بالحديث عن قطاع المواصلات، إذ توضح الدراسة أن هذا القطاع يواجه تحديات مختلفة، أهمها عدم وفاء وزارة المواصلات الإسرائيلية بالتزامها بتوفير الدعم للهيئة الموحدة، من ناحية تركيب محطات انتظار على طول الشارع وتجهيزها بشاشات إلكترونية، واستخدام البطاقات الذكية بدل التذاكر الورقية، وتطوير البنية التحتية بالشوارع، ومحطات الانتظار… إلخ.

وبشأن قطاع التجارة، فإنه يُعد من القطاعات الأساسية من حيث الإسهام في الناتج والعمالة في القدس الشرقية، رغم السياسات الإسرائيلية التي تعمل على عزل القدس، والتي قطعت أوصال الأسواق الداخلية، بحيث فقدت الأسواق التجارية في القدس الزبائن الفلسطينيين من الضفة الغربية الذين كانوا يشكلون سوقا استهلاكية أساسية، وعرقلت القيود الإسرائيلية المفروضة على الحركة ومتطلبات الحصول على تصاريح التجارة من قدرة القدس على الحصول على بضائع رخيصة نسبيا من الضفة الغربية.

إستراتيجيات ساكنة
تبين الدراسة أن العديد من أصحاب رؤوس المال من القدس يستثمرون في أسواق رام الله لأكثر من دافع: أجرة الأيدي العاملة في الضفة الغربية المتدنية مقارنة بالقدس، وأسعار الأرض الأرخص في الضفة، وتكلفة التوزيع الأعلى في القدس مما هي في الضفة بسبب القيود الإسرائيلية المفروضة على حركة البضائع.

كذلك، فقد شهدت القدس بعض التطور في علاقاتها التجارية مع فلسطينيي الداخل عام 48 خلال السنوات الأخيرة، حيث حددت لكل قرية أو منطقة في الداخل أيام مخصصة للذهاب للقدس للصلاة والتسوق، وتم توفير حافلات نقل بتكلفة رمزية، مما أدى إلى تعزيز الحركة التجارية في القدس في تلك الفترة.

عوامل ذاتية تشكل تحدياً لتنمية قطاع السياحة بالقدس، أهمها: موسمية حج المسيحيين والمسلمين، الذين يُعتبرون المحرك الرئيسي لقطاع الأعمال التجارية في المدينة

وبخصوص قطاع السياحة، فتبين الدراسة أنه عانى من الركود بعد تشديد السياسات الإسرائيلية لعزل القدس وفرض قيود على تطويره، وتذكر أن من أهم التحديات التي تواجه هذا القطاع: صعوبة إصدار تصاريح لبناء فنادق أو تحويل المباني إلى فنادق؛ وصُعوبة إجراءات الترخيص لشركات السياحة الفلسطينية؛ ونقص عدد الأراضي التي يمكن للفلسطينيين البناء عليها والتكلفة العالية الناتجة عن ذلك، وضعف البنية التحتية، وارتفاع الضرائب

كما أن هناك -أيضاً- عوامل ذاتية تشكل تحدياً لتنمية قطاع السياحة بالقدس، أهمها: موسمية حج المسيحيين والمسلمين، الذين يُعتبرون المحرك الرئيسي لقطاع الأعمال التجارية في المدينة، وضعف الاستثمار الفلسطيني والعربي في القطاع السياحي، وعجز التنسيق بين الهيئات الفلسطينية ذات العلاقة بالقطاع السياحي، وغياب رؤية وإستراتيجية موحدة لتنمية القطاع السياحي الفلسطيني في القدس، بالإضافة إلى المنافسة الشديدة مع القطاع السياحي الإسرائيلي الذي يتمتع بدعم مالي كبير من الحكومة الإسرائيلية؛ مما سهل الهيمنة على القطاع السياحي في القدس.

أما القطاع الصناعي والحرفي، فقد اندثرت مهن حرفية عديدة في القدس نتيجة تدهور هذا القطاع من ناحية الإنتاج واستقطاب الأيدي العاملة منذ احتلالها عام1967، فهناك العديد من المهن الحرفية التي أُغلقت متاجرها أو انتقلت إلى مدن فلسطينية خارج القدس أو تخلت العائلات عن إنتاجها بسبب وفاة الأجداد أو بسبب عدم جدواها اقتصادياً.

الأجور والرواتب من سوق العمل الإسرائيلي تشكل أكبر مصدر لدخل سكان القدس الشرقية (54%)، تليها مخصصات التأمين الوطني التي تمثل 21% من مصادر الدخل

وفي ما يتعلق بقطاع العمل، فإنه رغم انخفاض نسبة العاملين من القدس في إسرائيل فلا يزال المقدسيون يعتمدون على الاقتصاد الإسرائيلي بشكل كبير، خاصة سوق العمل، الذي يمثل مصدراً رئيسياً للدخل، حيث تشكل الأجور والرواتب من سوق العمل الإسرائيلي أكبر مصدر للدخل لسكان القدس الشرقية (54%)، تليها مخصصات التأمين الوطني التي تمثل 21% من مصادر الدخل، ثم الأجور والرواتب من القطاع الخاص، وتبلغ نسبتها 13%، والمشاريع الأسرية (غير الزراعية) التي تغطي 6% من دخل الأسر المقدسية.

وبشأن البيئة الاستثمارية، فقد شهدت القدس فترة ازدهار عابرة في مجال الاستثمار المحلي بين 2008 و2012، حيث بادر المستثمرون الفلسطينيون بعدة مشاريع، منها: فنادق ليغاسي والوطني وسانت جورج وإيبيس، ومول الدار، وقاعة الحمراء.

كما أقيمت مشاريع إسكان استثمارية في رأس العامود وحي شرفات في بيت صفافا وبيت حنينا. لكن رغم هذه المشاريع المتواضعة التي لم تنجز جميعها لأسباب عدة، فإن البيئة الاستثمارية في القدس تعد ضعيفة جداً، ويعود ذلك إلى عدة عوامل: عدم وجود أمن اقتصادي بسبب الوضع السياسي، مما يقلل نسبة الاستثمار في القدس، وقلة وعي الفلسطينيين بفرص الاستثمار وقوانين تشجيع الاستثمار الإسرائيلية والقانون الإسرائيلي بشكل عام، وارتفاع الضرائب خاصة لمن يريد الالتزام بالقانون بحذافيره، وهجرة رؤوس الأموال من القدس إلى مناطق فلسطينية أخرى أو إلى أسواق عربية أو دولية.

حلم الإنعاش
الفصل الأخير تخصصه الباحثة للحديث عن المستقبل: إلى أين يتجه اقتصاد القدس الشرقية؟ وما آفاق إنعاشه؟ ففي البحث الميداني تظهر مسارات اقتصادية بديلة من شأنها تحديد مستقبل الاتجاه الاقتصادي للقدس الشرقية ولتخطيط إنمائها، بحسب درجات متفاوتة من الاندماج مع أو الانفصال عن الاقتصاد الفلسطيني أو الإسرائيلي.

استمرار الوضع السياسي والاقتصادي على ما هو عليه حالياً يعني توجه اقتصاد القدس نحو المزيد من الاندماج مع الاقتصاد الإسرائيلي وقطع الاتصال مع بقية الأراضي الفلسطينية

ويكشف هذا الفصل عن أن استمرار الوضع السياسي والاقتصادي على ما هو عليه حالياً يعني توجه اقتصاد القدس نحو المزيد من الاندماج مع الاقتصاد الإسرائيلي وقطع الاتصال مع بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة في قطاعات حيوية مثل سوق العمل، والنظام الصحي، والخدمات التعليمية والاجتماعية، والمواصلات، والسياحة، والتجارة.

وترى الباحثة أنه لمواجهة مستقبل سياسي ومؤسسي مبهم، من المهم وضع رؤية واضحة للقدس يُسترشد بها عند وضع الإستراتيجيات وتنفيذ المشاريع المستقبلية، فليس من المُجدي التفكير في إستراتيجيات للعمل في غياب رؤية واضحة وأهداف محددة وآليات تنسيق متفق عليها وطنياً، لأنها في النهاية ستكون ذات أثر قصير المدى دون أن يكون لها تأثير كبير على أرض الواقع.

ويعرض البحث ثلاث إستراتيجيات ذات أولوية يمكن تبنيها لإنعاش اقتصاد القدس الشرقية، تتمثل في: تطوير القطاع السياحي الفلسطيني في القدس، وتعزيز الإنتاجية، وإنشاء وتفعيل صندوق لإنماء القدس، وذلك مع الإقرار بأنه لا بد لهذه الخارطة الاقتصادية من أن تشمل مجموعة واسعة من شركاء التنمية الفلسطينيين والدوليين حتى تستطيع توفير المعلومات والخطوط التوجيهية العريضة لعملية تخطيط جديدة.

وبهذا، فإن هذه الدراسة تمثل قاعدة معلوماتية جيدة، يُمكن على أساسها الانطلاق نحو خريطة اقتصادية للقدس الشرقية تتضمن الإمكانيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وإبراز الإمكانات المتاحة وآفاق الاستثمار والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، علاوة على تحديد الاحتياجات الأولية لتطوير الاقتصاد المحلي  في القدس الشرقية التي تعاني من عزلة جغرافية وتهميش اجتماعي وإفقار اقتصادي وانتزاع سياسي عن محيطها الفلسطيني.

المصدر : الجزيرة