خديجة خويص: نزعوا حجابي وأهانوا ديني بزنازين الاحتلال

خديجة خويص في إحدى مرات منعها من دخول الأقصى تصوير أسيل الجندي-الجزيرة نت
خديجة خويص تعرضت للاعتقال 13 مرة خلال السنوات الثلاث الأخيرة (الجزيرة)
حاورتها بالقدس-أسيل جندي

تروي ابنة القدس خديجة خويص تفاصيل الانتهاكات القاسية التي تعرضت لها خلال تجربة اعتقالها
الأخيرة في السجون الإسرائيلية، من بينها نزع حجابها وإجبارها من قبل السجانات في سجن الرملة على خلع جلبابها.

في هذا الحوار مع الجزيرة نت، تحدثت السيدة المقدسية عن مسلسل المعاناة في تجربة الاعتقال الأخيرة التي تمت يوم 9 سبتمبر/أيلول وامتدت 23 يوما، وتطرقت للتهم الموجهة لها، ومن أغربها مواجهتها بصورة لها وهي تحضر لتناول الطعام في المسجد الأقصى واعتبار ذلك تحريضا.

وخديجة خويص معلمة سابقة بالمسجد الأقصى، وهي من أبرز السيدات الملاحقات بالمدينة المقدسة على خلفية دفاعهن عن المسجد الأقصى، إذ اعتقلت 13 مرة منذ سبتمبر/أيلول 2014  كان آخرها يوم التاسع من الشهر الماضي، وهو الاعتقال الذي وصفته بالأقسى والأكثر إهانة لعقيدتها وكرامتها الإنسانية، وكانت نتيجته الإفراج عنها لـ الحبس المنزلي لمدة 14 يوما ومنعها من دخول الضفة الغربية لمدة ستة أشهر.

وفيا يلي نص الحوار:

داهمت قوات الاحتلال منزلي ببلدة الطور وقامت بتفتيشه ومصادرة محتوياته وسلموا ابنتيّ القاصرتين استدعاءين للتحقيق. وفي اليوم الثالث اقتحموا المنزل واعتقلوا زوجي

undefined بداية هل لك أن توضحي الكيفية تم بها اعتقالك الأخير؟

ما حدث أن استدعتني مخابرات الاحتلال للتحقيق بمركز "عوز" في جبل المكبر بالقدس عند تمام الثامنة مساء، وعند وصولي أبلغوني بأنني قيد الاعتقال. وفي اليوم التالي داهمت قوات الاحتلال منزلي ببلدة الطور وقامت بتفتيشه ومصادرة محتوياته وسلموا ابنتيّ القاصرتين استدعاءين للتحقيق. وفي اليوم الثالث، اقتحموا المنزل مجددا واعتقلوا زوجي واقتادوه للتحقيق وسلموه أمرا بالإبعاد عن مدينة القدس بشكل نهائي.

التحقيق والتهم
undefined حدثينا عن مجريات التحقيق والتهم التي وجهت لك؟

تعرضت لضغوطات نفسية كثيرة أثناء جلسات التحقيق الست التي خضعت لها بهدف انتزاع اعترافات مني، ولعل تهديدي بالسجن لفترة طويلة وحرماني من رؤية أطفالي كانت أكثر ما ردده أحد المحققين على مسمعي.

وادّعت المخابرات أنني أنتمي لتنظيم "شباب الأقصى" وزعموا أنني ضربتُ شرطيا في البلدة القديمة أثناء اعتصام الأقصى الأخير رفضا لـ البوابات الإلكترونية، وتنظيم المظاهرات وعرقلة عمل الشرطة والانتماء لتنظيم المرابطات والقيام بنشاطات تحت إطار جمعيات محظورة. واتهموني بتنظيم فعاليات في المسجد الأقصى تهدف لعرقلة اقتحامات المستوطنين وهي إعداد الولائم والأكلات الفلسطينية والمشاركة في تناولها في باحات المسجد، وعرضوا أثناء التحقيق صورا أظهرُ بها أثناء تحضير طبقيْ المقلوبة وورق العنب الفلسطينيين لتناولهما.

undefined تحدثت بمنشور لك على شبكات التواصل عن المعاناة بالتنقل من العزل الانفرادي بسجن الرملة إلى المحاكم بالقدس ومراكز التحقيق، حديثنا أكثر عن هذه المعاناة؟

التنقل بالبوسطة أقسى من الجلوس في الزنزانة الانفرادية، سقطتُ مرتين أثناء محاولتي الصعود إليها لأن الأصفاد المثبتة في قدمي تعيق حركتي

تنقلت في عربة البوسطة الحديدية (حافلة أشبه بشاحنة) تسعة أيام ذهابا وإيابا، أصعدُ إليها في تمام الخامسة صباحا وأعود منها إلى الزنزانة في السابعة مساء، وخلالها نادرا ما كانوا يجلبون لنا الطعام خلال الرحلة ولم يجلبوا لنا الماء نهائيا.

درجة حرارة البوسطة عالية جدا فهي زنازين حديدية متنقلة، كنا نجلسُ بداخلها مكبلي الأيدي والأرجل والشمس الساطعة تزيد من قسوة الرحلة، في أحد الأيام أُغشي علي أثناء نزولي منها لأنني لم أتناول الطعام منذ يومين وجلست بها ساعات طويلة دون شرب الماء.. التنقل بالبوسطة أقسى من الجلوس في الزنزانة الانفرادية، سقطتُ مرتين أثناء محاولتي الصعود إليها لأن الأصفاد المثبتة في قدمي تعيق حركتي وعندما أضغط على أرجلي لأثبتها أصاب بجروح بكلتيهما.

نزع الحجاب
undefined وماذا عن أيام اعتقالك بالزنزانة الانفرادية؟ ولماذا اتخذت قرارا بنشر تفاصيل تلك الأيام على موقع فيسبوك؟

في البداية لم أتوقع حجم التفاعل الكبير مع منشوري على فيسبوك الذي خصصته للحديث عن الانتهاكات التي تعرضتُ لها في الزنزانة، لكنني أقدمتُ على ذلك ليقيني بأن الكثير من الأسيرات تعرضن لذات المواقف التي تعرضتُ لها لكنهن فضلن عدم الإفصاح عنها وأهملن هذا الجانب، وجئتُ أنا لأقول إن من حق كل أسيرة أمنية أن تعي تماما حقوقها وتطالب بها في السجن.

تجربتي الأخيرة كانت قاسية جدا، ففي يومي الأول بسجن الرملة انتزعوا الدبابيس التي أثبت بها حجابي، وبعد رجوعي من محكمتي الأولى أخبروني أن معاصم يدي ممنوعة في السجن بحجة أنها إضافات على اللباس، أخذتها مني السجانة وألقتها في سلة المهملات القريبة، وذات ليلة بينما كنت عائدة لزنزانتي بعد يوم طويل في البوسطة، لم أكد أغمض أجفاني حتى تم استدعائي للتحقيق، جهزت نفسي وكنت قد غسلت جواربي فلبستها مبتلة، ولما قيدت السجانة قدمي قالت لي عند عودتك سنصادر جواربك، وهذا ما تم.

مع دخولي اليوم العاشر للاعتقال ناداني مسؤول السجن، وأخبرني أنه يُمنع علي ارتداء غطاء الرأس والجلباب داخل القسم وعند مدخله أمر السجّانة بانتزاع حجابي

تمالكت نفسي رغم هذه الإجراءات التعسفية، لكن مع دخولي اليوم العاشر للاعتقال ناداني مسؤول السجن، وأخبرني أنه يُمنع علي ارتداء غطاء الرأس والجلباب داخل القسم وعند مدخله أمر السجّانة بانتزاع حجابي فنزعته، وطلب منّي أن أخلع جلبابي وإلا خلعوه بالقوة، فاضطررت لخلعه أمامهم.

وفي اليوم التالي، اقتادوني للمحكمة، وهناك شرحت للمحامي ما حصل معي بالتفصيل ونجح باستصدار أمر من القاضي بعدم مصادرة غطاء الرأس والجلباب مني، وفور عودتي للسجن انتزعوهما مرة أخرى لكنني قررت استرداد حقي بكل ما أوتيت من قوة، فشرعتُ بالصراخ والتكبير لأربع ساعات متواصلة حتى جاؤوني بمدير السجن، فأشهرت أمامه قرار المحكمة فاضطر للالتزام به.

صلاة بلا حجاب

undefined كيف كان وقع هذه الإجراءات بالتحديد عليك؟

أنا قوية دوما ولا أبكي أمام سجّاني حتى لا يشمت بي ولا ينتشي بقوته، لكنني لم أتمالك نفسي بكيت أمامهم بحرقة، أدخلوني زنزانتي أجر أذيال قهري فانفجرت باكية، بلغتُ سن الأربعين ولم أخلع حجابي منذ كنت في السابعة، كما لم أخلع جلبابي منذ بلغت سن الـ 15.

بكيت كما لم أبكِ من قبل، صرخت، كبّرت، ناديتُ المعتصم وصلاح الدين، قلت وارباه واإسلاماه وامعتصماه، لم تجبني سوى جدران الزنزانة بصدى صوتي.

اضطررت لأداء الصلاة بلا حجاب ودعوت الله أن يلقي علي النوم حتى لا ينفطر قلبي من البكاء، فنمت حتى الفجر، وفي ساعات الظهيرة دخل سجانون لتفتيش الزنزانة، فانفجرت باكية مجددا وحاولت إقناعهم بأن حجابي جزء مني، وانتزاعه كما انتزاع جلدي وسلخه ولا تصح صلاتي ولا يجوز أن يراني الرجال بدونه.

أدركت أن مصادرة الملابس ليس قانونا متبعا في السجن لأن المتدينات اليهوديات في الزنازين المجاورة رأيتهن يلبسن كامل لباسهن التقليدي، دون انتزاع أغطية رؤوسهن وجواربهن منهن، لكن السجانين تعمدوا إهانتي من خلال الاعتداء على عقيدتي وكرامتي الإنسانية.

تمكنت من رؤية كاميرتيْ مراقبة إحداهما مثبتة فوق السرير والأخرى فوق المرحاض ذي الباب الزجاجي الشفاف الذي منعني من قضاء الحاجة والاستحمام على مدار يومين

undefined ما هي الزنزانة الانفرادية التي أمضيت فيها فترة اعتقالك؟ وبم تختلف عن السجن؟

الزنزانة الانفرادية ضيقة جدا تتسع لسرير ومرحاض فقط، تنقلت بين عدة زنازين لكن أسوأهن كانت تلك التي أدخلوني لها بعد مصادرة حجابي، وجدتها مترين بمترين ومياه المرحاض تسيل على أرضيتها، تفقدت الفراش ورفعته فوجدت أسفله الصدأ والماء والحشرات الميتة، اقتربت لأتفقد المرحاض فرأيته ممتلئا بالفضلات والأوساخ، وبقيت مضخة المرحاض مفتوحة طوال الليل وصوتها مزعج جدا، وتمكنت من رؤية كاميرتيْ مراقبة إحداهما مثبتة فوق السرير والأخرى فوق المرحاض ذي الباب الزجاجي الشفاف الذي منعني من قضاء الحاجة والاستحمام على مدار يومين خوفا من مرور أحد السجانين أمام الزنزانة أثناء وجودي فيه لأنه يصف ما خلفه، توضأت رغم كل ذلك وصليت بلا حجابي وجلبابي ورغم أن الأرض كانت بها نجاسة.

تخلو الزنزانة من أية مقتنيات شخصية، فقد مكثت 23 يوما دون أن أتمكن من تقليم أظفاري وتسريح شعري، وتناولت الطعام طيلة الأيام بملعقة بلاستيكية واحدة وكأس كرتونية كنت أشرب فيها الماء رديء الطعم.

وقت الزنزانة
undefined وكيف أمضيت أوقاتك في الزنزانة طوال هذه الفترة؟

مرت الأيام العشرة الأولى وأنا معزولة في زنزانتي، أقضي أوقاتي بين الصلاة وقراءة القرآن ومناجاة الله ليرفع عني هذه المحنة، كنت مثالا للهدوء والاتزان في القسم الذي كان يعج بالصراخ والشتائم والجنون.

كنت أدعو الله على مدار الساعة قائلة "يا رب كما حفظت بيتك ومسجدك الأقصى في أول النهار احم بيتي وعرضي وزوجي وأبنائي وعائلتي آخر النهار، أنا يا رب أقدم لبيتك ومسجدك ولا أطلب منك سوى أن تحميني وتثبتني وتزيد عزمي وإصراري على المضي في هذا الطريق".

وكلما عدت من التحقيق والمحاكم منهكة إلى زنزانتي أجدد عهدي لله بأنني رغم كل التضييقات سأسير حتى مماتي على نفس الدرب لأنني نذرت نفسي للمسجد الأقصى.

عدت من التحقيق والمحاكم منهكة إلى زنزانتي أجدد عهدي لله بأنني رغم كل التضييقات سأسير حتى مماتي على نفس الدرب لأنني نذرت نفسي للمسجد الأقصى

 undefined ماذا أضافت لك تجربة الاعتقال الأخيرة؟

لم تغير في ثوابتي ومبادئي شيئا، لكنها كشفت لي مدى همجية الاحتلال وعدم تورعه من الضغط على المعتقل الأمني (وهو وصف يطلق على رافضي الاحتلال وسياسته) لانتزاع الاعتراف منه وزعزعة نفسيته واللعب بأعصابه، ودفعتني الإجراءات التعسفية التي تعرضت لها مؤخرا على يد السجانين للحديث عنها لكل العالم، بعدما تأكدت بأن هذه الإجراءات غير قانونية ولا بد أن أحث كل من خاض وسيخوض التجربة -خاصة من النساء- على ضرورة الحفاظ على حقها في ارتداء الحجاب وأداء الصلاة، رغم أنني اضطررت لأداء بعض الصلوات بهدوء تام لخشيتي من إقدام السجانين على منعي منها، فمن صادر حجابي وجلبابي ووضعني في زنزانة نجسة ليس بعيدا عليه أن يحرمني من صلاتي أيضا.

المصدر : الجزيرة