دراسة ترصد أوضاع سجون القدس في القرن الـ16

دراسة ترصد أوضاع سجون القدس في القرن السادس عشر
وثائق من أرشيف محاكم القدس استنبط منها الباحث بعضا من أحوال سجون المدينة في القرن الـ 16 (الجزيرة نت)

محمود الفطافطة-رام الله

شكل السجن في أراضي الدولة العثمانية مؤسسة مستقلة بذاتها، وكان باب التعزير واسعا جدا، إذ يبدأ من أبسطها وهو الكلام القاسي، وصولا إلى الجلد والسجن، في حين تفاوتت عقوبة التعزير بين شخص لآخر، وذلك حسب الموقع الاجتماعي للفرد، فكان الجلد والتشهير شائعا بالنسبة للطبقات الدنيا بينما كان السجن هو السائد لأفراد الطبقة الوسطى، وفق دراسة حديثة.

ففي خضم ذلك الواقع الذي امتد زهاء أربعة قرون، تسلط دراسة للباحث في مكتبة العائلة الخالدية بالقدس خضر سلامة -استند فيها إلى وثائق تاريخية- الضوء على حالة سجون القدس في القرن الـ16 الميلادي، التي كانت تحت الحكم العثماني وقتذاك.

تفيد الدراسة بأنه شُيد في مدينة القدس أكثر من سجن، وكانت تلك السجون من أملاك الدولة التي التزمت بالصرف عليها فيما يخص الطعام والكساء والعناية الصحية، لكن اختلف الوضع بين المساجين الأثرياء والفقراء، فالأثرياء كان بإمكانهم التمتع بالراحة وطلب الخدمات، ولكن الفقراء كان عليهم الاعتماد على الصدقات سواء من الأوقاف أو الدولة.

خضر سلامة يستند في دراسته إلى وثائق تاريخية لتسليط الضوء على حالة سجون القدس في العهد العثماني (الجزيرة نت)
خضر سلامة يستند في دراسته إلى وثائق تاريخية لتسليط الضوء على حالة سجون القدس في العهد العثماني (الجزيرة نت)

سجن القلعة
تتطرق الدراسة إلى أبرز تلك السجون، وفي مقدمتها سجن القلعة، وهو بناء سبق العثمانيين ويقع في قلعة باب الخليل، وكان يُسجن فيه الرهائن، وهدفه منع البدو من مهاجمة الحجاج القادمين لزيارة القدس والخليل بمعاقبتهم عن طريق أخذ رهائن من عائلات مشايخ البدو وسجنهم، إضافة إلى سجن الضامنين لأهل القرية أو الحي لدفع الضرائب، بحيث إذا تأخرت القرية في تسديد المطلوب منها، سواء كان للدولة أو الوقف أو الملتزم، فإن مشايخ القرية يوضعون رهائن إلى حين تسديد ما على القرية.

تبين الوثائق التي استند إليها الباحث في دراسته المنشورة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أن العادة جرت باستبدال الرهائن في السجون بآخرين مساوين لهم في المكانة والموقع الاجتماعي، وذلك إذا ما ثبت وجود خطر على حياتهم نتيجة مرض أو غير ذلك، مع الإشارة إلى أنه صدر فرمان بذلك في وقت تقدم فيه أهالي الرهائن بطلب الموافقة على تغيير الرهائن كل ستة أشهر.

تظهر الدراسة أنه كان يُسمح لبعض السجناء بالخروج لأداء صلاة الجمعة في شهر رمضان، مشيرة إلى أن الفرار من السجون كان أمرا شائعا، في حين أن الرجال والنساء كانوا يُسجنون في سجن واحد، يعزلهم فاصل عن بعضهم.

وتطرقت الدراسة إلى وثائق تفيد بأن السجناء كانوا يقيدون بالسلاسل في الليل، إضافة إلى وضع الخطرين منهم في مناطق كان يُطلق عليها الغور أو المطامير (وهي حفرة تحت الأرض تُخزن فيها الحبوب).

وثيقة فرار سجناء من سجن الشرع في القدس في القرن الـ16 (الجزيرة نت)
وثيقة فرار سجناء من سجن الشرع في القدس في القرن الـ16 (الجزيرة نت)

الأشراف والعامة
أما السجن الآخر فهو سجن البيمارستان الذي كان من الأبنية الموقوفة على البيمارستان أي "المستشفى"، حيث أنه كان داخل المستشفى نفسه، ويقع مقابل مدخل كنيسة القيامة بجانب المسجد العمري من الشرق، وكان يُسجن فيه الرجال والنساء المدينين من أصحاب الديانات الثلاث. وقد وجد في السجن قسمان، واحد للرجال وآخر للنساء.

ومن السجون الأخرى التي كانت في القدس في ذلك القرن سجن النيابة، أو سجن الصوباشي نسبة إلى قائد شرطة المدينة والممثل للوالي، وأشارت وثيقة إلى فرار سجناء من هذا السجن، وبعد التحقيق تبين أن السجان قصر في عمله، فلم يضع السجناء في الغور (الحفرة أو الطابق الأرضي)، ولكنه ثبتهم في الساحة المفتوحة.

كذلك تذكر الدراسة سجن الأشراف الذي أشارت إليه وثيقة واحدة فقط، وهي رفع شكوى للقاضي من نقيب الأشراف، تحتج على أن الأشراف يُسجنون مع الناس العاديين، موضحة أنه يوجد فرمان ينص على سجن الشريف عند الضابط المسؤول عنه، وليس في السجن العادي.

وأما السجن الأخير الذي تذكره الوثائق فهو سجن "السياسة"، إذ ورد ذكره مرة واحدة، وذلك بمناسبة إطلاق سراح سبعة سجناء، ويبين الباحث أنه لم يستطيع تحديد هل هو سجن خاص بالسياسة، أم هو اسم لأحد السجون السابقة؟

المصدر : الجزيرة