القدس.. مساجد حارة الشرف بلا أذان

المسجد العمري الكبير بجواره كنيس الخراب أكبر كنيس داخل البلدة القديمة في القدس
المسجد العمري الكبير مغلق بينما كنيس الخراب اليهودي يقام ويتمدد (الجزيرة نت)

محمد أبو الفيلات-القدس

لا يتمثل اليُتم في فقدان الأم والأب فقط، فإذا ما تلفتّ في حواري بلدة القدس القديمة وإذا ما اقتادتك قدماك إلى حارة الشرف -والتي تدعى اليوم حارة اليهود- فستجد أنواعا شتى من اليُتم.

لا نغوص في هذا التقرير عن يُتم هذه الحارة من الفلسطينيين، بل في يتم أعمق هو حرمان الحارة من الأذان منذ ما يقارب 35 عاما، حيث أغلقت بلدية الاحتلال في القدس المسجد الوحيد الذي يُبلغ الناس بموعد الصلاة ومنعت إقامة الصلاة فيه. 

فعند المرور بجانب المسجد العمري الكبير -الذي كان يعد مسجدا مركزيا للحارات الواقعة في غرب بلدة القدس القديمة- يشعر المرء بظلم كبير عندما يرى كيف أغلقت بلدية الاحتلال باب المسجد الداخلي بالطوب مطلع الألفية الثالثة. 

المسجد العمري الصغير بلا مئذنة ويرفع الأذان بداخله فقط (الجزيرة نت)
المسجد العمري الصغير بلا مئذنة ويرفع الأذان بداخله فقط (الجزيرة نت)

إغلاق بالتدريج
بني المسجد العمري الكبير في العهد المملوكي بأمر من السلطان سيف الدين قايتباي الأشرفي على مساحة تقدر بنحو 21 مترا مربعا، وكان يشكل حتى عقود مضت وجهة لسكان الحارات القريبة من حي الشرف وخاصة الصوفيين الذين كانوا يعتبرونها زاوية صوفية تعقد فيه فرقهم حلقات الذكر والابتهال إلى الله. 

بقي المسجد العمري الكبير مفتوحا أمام المصلين من الفترة المملوكية حتى بعد احتلال مدينة القدس بخمس سنوات، وفي عام 1972 بدأت سلطات الاحتلال بالتعدي على حق العبادة في المسجد، فمنعت المسلمين من أداء صلاة الفجر فيه بذريعة أنهم يشكلون إزعاجا للمستوطنين المحيطين بالمسجد. 

وفي عام 1982 تجرأت بلدية الاحتلال مرة أخرى على المسجد، ومنعت المسلمين من أداء صلاتي المغرب والعشاء فضلا عن منعهم من أداء صلاة الفجر، واقتصرت صلاة المسلمين في المسجد على صلاتي الظهر والعصر حتى عام 2000 حيث أغلق المسجد تماما ومنع المسلمون من الصلاة فيه أو رفع الأذان. 

يوضح المرشد السياحي روبين أبو شمسية أن الاحتلال الاسرائيلي سعى لإسكات الصوت الوحيد الذي ينطق بإسلامية وعروبة حارة الشرف بعد إفراغها من الفلسطينيين وإحلال المستوطنين مكانهم، ثم أحاط المسجد بالمراكز التوراتية والتهويدية ككنيس الخراب والمدارس الدينية اليهودية. 

ورغم مركزية المسجد العمري الكبير في حارة الشرف فإنه لم يكن المسجد الوحيد في هذه الحارة، فهناك مسجد عمري آخر على بعد أمتار قليلة منه سمي بالمسجد العمري الصغير لصغر حجمه بالمقارنة مع المسجد الأول، وهو مسجد ممنوع من رفع الأذان فيه ولا توجد فيه مكبرات للصوت. 

ويشير أبو شمسية إلى أن كثيرا من مساجد القدس تحمل اسم "العمري" نسبة إلى عمر بن الخطاب باعتباره "من الشخصيات الملهمة وذات القوة والنفوذ في الإسلام، ولكونه هو فاتح مدينة القدس، فأحب المسلمون نسبة المساجد له". 

يقع المسجد العمري الصغير في حارة الشرف بجانب دير السريان، وهو المسجد الوحيد في الحارة التي تسمح سلطات الاحتلال للمسلمين بأداء صلاتهم فيه، لكنها تمنعهم من رفع الأذان فيه، فيضطر المصلون إلى رفع الأذان داخل جدرانه ودون استخدام مكبرات الصوت. 

سياج: تجار حارة الشرف يؤدون الصلاة في العمري الصغير حفاظا عليه من التهويد (الجزيرة نت)
سياج: تجار حارة الشرف يؤدون الصلاة في العمري الصغير حفاظا عليه من التهويد (الجزيرة نت)

حصن أخير
ويعود بناء هذا المسجد إلى الفترة الأيوبية وتبلغ مساحته الاجمالية ستين مترا. ويلاحظ الزائر للمسجد جمال الزخارف والبناء بما لا يوحي بأنه يعود للفترة الأيوبية، والسبب أن الزلزال الذي ضرب مدينة القدس عام 1927 أدى إلى هدم أجزاء كبيرة منه، مما استدعى الأوقاف الإسلامية إلى ترميمه وإعادة افتتاحه عام 1963.

يقول المواطن المقدسي يوسف سياج -الذي يملك محلا تجاريا في سوق البازار القريب من المسجد- إن أحد القيمين على المسجد العمري الصغير يقوم بفتحه والصلاة فيه بشكل شبه يومي، حفاظا عليه من التهويد كونه يقع في منطقة لا يوجد فيها أي بيت مسلم. 

ويضيف أن غالبية رواد المسجد العمري الصغير من أصحاب المتاجر القريبة منه ولا يتجاوز عددهم عشرة أشخاص، يصلون فيه صلاتي الظهر والعصر بينما لا يصلون فيه بقية الصلوات كونهم يسكنون في مناطق بعيدة عنه، مبينا أن عائلة العجلوني المقدسية قامت بترميم المسجد فكسته بالقيشاني الجميل، وأعادت تهيئة دورة المياه والمتوضأ.

المصدر : الجزيرة