سوق الباشورة بالقدس.. إرث روماني قسا عليه الاحتلال

القدس - سوق الباشورة يعود للعهد الرواني
تحول تجار سوق الباشورة إلى بيع المنتجات السياحية لكن إجراءات الاحتلال تحاصرهم (الجزيرة نت)


محمد أبو الفيلات-القدس

إلى الجنوب من سوق العطارين في بلدة القدس القديمة يقع سوق ضارب في القدس يرجع تاريخه إلى عهد الرومان الذين حكموا المدينة المقدسة منذ عام 63 قبل الميلاد حتى عام 636 ميلادية، يسمى سوق الباشورة وهو سوق صغير يبلغ عدد متاجره 25 متجرا. 

برز سوق الباشورة في العهد الإسلامي عندما حكم المماليك القدس، إذ اتخذوه مقرا للحكومة. ويرجع ذلك إلى موقعه الإستراتيجي حيث تقع بمنطقة بعيدة عن أسوار مدينة القدس مما يصعب على العدو الوصول إليها، كما أنه يقع منتصف الطريق الواقع بين المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، ويشكل نقطة وصل بين جنوب البلدة القديمة "باب المغاربة" وشمالها "باب العامود". 

وفي عصرنا هذا شكل سوق الباشورة وجهة رئيسية لأهالي مدينة القدس بين عامي 1948 و 1985، حيث كان سوقا رئيسيا للبالة (الملابس المستعملة) حيث لم تكن الملابس الجاهزة واسعة الانتشار، فكان معظم أهالي مدينة القدس يقومون بتفصيل ملابسهم عند الخياطين، بينما أًصبح سوق الباشورة وجهة لسكان المدينة الذين لا يطيقون انتظار الأشهر حتى تجهز ملابسهم عند الخياط. 

يزين السوق أعمدة رخامية رومانية، وأقدم الاحتلال على تهويد جزء منه بعد احتلال ما تبقى من القدس عام 1967، وغير اسم هذا الجزء إلى "سوق الكاردو".

الاحتلال الإسرائيلي يغلق الباب الجنوبي لسوق الباشورة أيام السبت مما يضطر تجار القدس لإغلاق محلاتهم (الجزيرة نت)
الاحتلال الإسرائيلي يغلق الباب الجنوبي لسوق الباشورة أيام السبت مما يضطر تجار القدس لإغلاق محلاتهم (الجزيرة نت)

ملابس مستعملة
ويقول المواطن المقدسي عبد الجواد اشتي إن سوق الباشورة كان يعج بالمتاجر التي تبيع كل ما يحتاجه الإنسان لكسوة نفسه، فهو كان مليئا بالملابس والأحذية والبطانيات وغيرها الكثير، وبأسعار زهيدة كون البضائع لم تكن حديثة وإنما مستعملة لكنها محتفظة بشكلها الجميل وجودتها. 

ويضيف أن بعض السلع كانت التي تباع جديدة في السوق لكنها إصدارات قديمة لشركات ملابس عالمية، لم يعد عليها طلب في الدول الأوروبية والولايات المتحدة فتورد للشرق الأوسط وتباع بأسعار متدنية. 

من جهته يملك المسن المقدسي ياسر الكركي (84 عاما) محلا صغيرا في هذا السوق منذ 58 عاما، وعمل فيه خياطا. اليوم يستذكر الكركي في حديثه مع الجزيرة نت كيف كان السوق عندما كان تباع فيه البضاعة المستعملة ويقول "كانت محلات السوق جميعها تعمل في مجال بيع السلع المستعملة حيث كنا نحن تجار السوق نسافر إلى الأردن كل عشرة أيام لشراء الملابس والعودة بها إلى القدس لبيعها". 

ويتابع "بعد نكبة عام 1948 أصبح الأردن يتلقى معونات من الدول الغربية لدعم اللاجئين، ومن هذه المعونات كانت ملابس بعضها مستعمل، وبعضها الآخر انتهى موديله، فكنا نشتريها ثم نبيعها هنا ونصلح ما أصابه التلف من بعضها". 

مؤخرا وبعد أن اكتسحت الأسواق المنتجات الصينية، تمكن الجميع من شراء ملابس جديدة كونها رخيصة الثمن مما دفع كثيرا من تجار السوق إلى تغيير مهنتهم والاتجاه إلى السياحة، فحول أصحاب المحلات متاجرهم إلى متاجر لبيع التحف والسلع السياحية. 

يملك الكركي ماكينة خياطة في محل صغير يملكه بسوق الباشورة منذ 58 عاما (الجزيرة نت)
يملك الكركي ماكينة خياطة في محل صغير يملكه بسوق الباشورة منذ 58 عاما (الجزيرة نت)

ترويج سيئ
لم يتحسن وضع السوق كثيرا بعد تحويله إلى سوق سياحي، فقد ارتبط مصيره بالحركة السياحية في المدينة المقدسة والتي تتأرجح وتتذبذب في ظل إجراءات الاحتلال خاصة بعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، وما تبعها من هبات شعبية. 

ويصف الكركي وضع السوق السياحي في البلدة القديمة بالسيئ جدا بسبب إجراءات الاحتلال، والإساءات التي تروجها الشركات السياحية الإسرائيلية ضد المتاجر العربية ووصفها العرب بالإرهابيين. 

يؤثر على السوق أيضا ما تقوم به بلدية الاحتلال أيام السبت من كل أسبوع، حيث تغلق بوابة السوق الجنوبية التي تصل السوق بحارة الشرف، بذريعة أنه يوم عطلة عند اليهود، وبهذا لا يمر أحد من السوق لأن الطريق منه إلى جنوب البلدة يكون مقفلا، مما يستدعي غالبية التجار إلى إغلاق محلاتهم يوم السبت حتى يوفروا على أنفسهم الكهرباء التي سيدفعونها في ذلك اليوم.

المصدر : الجزيرة