مقهى القدس ملاذ عشاق القهوة والقراءة
أسيل جندي-القدس
لاحظ صاحب المكتبة العلمية في القدس عماد منى تراجع المقدسيين عن شراء الكتب وقراءتها، ونظرا لشعوره بأهمية التغيير لتشجيع الناس على ارتياد المكتبات، قام باستنساخ فكرة أوروبية مفتتحا مقهى القدس الثقافي في مكتبته. وصُنّف المقهى قبل سنوات في المرتبة الأولى على مستوى فلسطين والثالثة على صعيد الشرق الأوسط.
وتأسس مقهى القدس عام 2009 ليمزج أصحابه بين الكتاب والقهوة فانتعشت القراءة من جديد. وبهذا يعد المقهى الثقافي في شارع صلاح الدين الأيوبي ملجأ عشاق الكتاب ممن يعيشون في المدينة أو زوارها.
اليوم تعد مكتبة المقهى العنوان الأمثل للصحفيين والسياسيين ونشطاء حقوق الإنسان والأكاديميين والطلبة والباحثين، نتيجة لشموليتها وغنى كتبها التي تتضمن مختلف مناحي الحياة السياسية والتاريخية والاجتماعية والاقتصادية بالشرق الأوسط، كما تعنى بالصراع العربي الإسرائيلي بأدق تفاصيله.
المقهى البديل
ورغم ضعف الحراك الثقافي في القدس فإنّ ما تقوم به المؤسسات الثقافية المقدسية يعد بقعة ضوء في ظلمات بحر تقتل فيه الحريات في المدينة المحتلة.
يضيف عماد منى -في حديثه للجزيرة نت- أن اختيار الصراع العربي الإسرائيلي عنوانا لكتب المقهى يحمل رسالة كبيرة، لأن الشركتين الإسرائيليتين اللتين تستوردان الكتب من الخارج -ولكل منها حوالي سبعين فرعا- تتحكمان بنوعية المعلومات التي تصل للقارئ، فلا يجلبون الكتب التي تتحدث عن فلسطين بشكل معتدل.
ويقول أيضا "نحن نشكل البديل لهذا التوجه، فالكتاب الذي يدعم وجهة نظر الاحتلال لا نستورده، ونسعى لجلب النقيض حتى لو كان الكاتب إسرائيليا، وبالتالي لدينا الكثير من الكتب لإيلان بابيه وعميرة هاس وتوم سيغيف وغيرهم من الكتاب الإسرائيليين ممن يقولون الحقيقة".
ولا يقتصر دور المقهى على بيع الكتب وتقديم القهوة والكعك لرواده، إنما تسعى إداراته لاستضافة مؤلفي الكتب من إسرائيليين وعرب وأجانب لإقامة حفل إطلاق وتوقيع لمؤلفاتهم في القدس، مما يشجع الحضور على شراء الكتب بعد تفاعلهم ونقاشهم مع المؤلف.
أحدث الاستضافات كانت زيارة المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه الخاطفة لمدينة القدس، إذ أقام المقهى له حفلا لتوقيع كتابه الأخير "التطهير العرقي في فلسطين" وحضر الحفل نحو 150 شخصية من مثقفين عرب وأجانب.
المؤرخ بابيه غادر بعد تأليف الكتاب خوفا على حياته وحياة أبنائه، وترك وظيفته كمحاضر في جامعة حيفا، وانتقل لجامعة إكستر البريطانية ويقيم هناك منذ ثلاث سنوات، ويتحدث في كتابه عن التطهير العرقي في كل من فلسطين وجنوب أفريقيا ويقارن بينهم.
تُرجم كتاب بابيه لثلاثين لغة باستثناء العبرية، حيث رجّحت دور النشر الإسرائيلية عدم إقبال القراء عليه في حال ترجمته لأنه يسرد حقيقة الصراع بطريقة لا تعجب الإسرائيليين.
اجتهاد فردي
إضافة لفعاليات إطلاق الكتب وتوقيعها، يعرض مقهى القدس أفلاما وثائقية تتحدث عن القضية الفلسطينية وقضايا أخرى بشكل مستمر، ويحاولون استضافة مخرجيها ليتناقشوا مع الجمهور في حيثيات أفلامهم.
ولأن معظم كتب المقهى تتوفر بالإنجليزية، كان لا بد من استهداف الجمهور المقدسي بفعاليات خاصة، فاستحدث صاحب المقهى نشاط "صالون الأربعاء الثقافي" بحيث يستضيف شخصيات سياسية أو اجتماعية أو ثقافية فلسطينية، لتشكيل حلقة نقاش جماعي لكتاب أو قصة نجاح أو إثارة قضية تطفو على السطح كل أربعاء، ويُقبل على هذا النشاط طلبة الجامعات والمثقفون المقدسيون، وأحيانا كبار السن عندما يتعلق موضوع الحلقة بقضية اجتماعية تهمهم.
مع قرب إطفاء مقهى القدس الثقافي لشمعته السابعة، يُجمع المقدسيون على أهمية دوره في إثراء المشهد الثقافي بالمدينة، انطلاقا من إيمان القائمين عليه بأن الثقافة حجر الأساس في نيل حرية الشعوب واستقلالها.