مسلمون ومسيحيون معا في الصيام والإفطار بالقدس

صورة أخرى للإفطار الرمضاني
اختارت بطريركية اللاتين هذا العام دير سيدنا إبراهيم في حي رأس العامود مكانا للإفطار (الجزيرة نت)
أسيل جندي-القدس

تتداخل أجراس الكنائس في القدس مع الأذان على مدار العام، وخلال شهر رمضان المبارك يقترب المسلمون والمسيحيون أكثر من بعضهم بعضا، حيث تنظم بالقدس مائدة إفطار يدعو المسلمين إليها رجال دين مسيحيون وتلبي الدعوة شخصيات دينية ووطنية، بالإضافة إلى عدد من المقدسيين، في مشهد يعكس الارتباط التاريخي بين أبناء الديانتين في المدينة المقدسة.

وبات اجتماع المطارنة والمشايخ على مأدبة الإفطار أحد الطقوس السنوية المميزة، التي تحرص كل بطريركية في القدس على تنظيمها في شهر رمضان، بهدف تعزيز الأخوة وشد أزر المسلمين في صيامهم.

واختارت بطريركية اللاتين هذا العام دير سيدنا إبراهيم في حي رأس العامود بالقدس مكانا للالتقاء مع المسلمين على مائدة الإفطار، وعدّت إياه "واجبا تجاه الأحباء والأصدقاء من المسلمين، ونوعا من التضامن وشد الأزر والأخوة" كما يقول النائب البطريركي للاتين في القدس المطران ويليام شوملي.

مطارنة وأئمة مسلمون ومقدسيون من كافة فئات المجتمع في إفطار بطريركية اللاتين بالقدس أمس (الجزيرة نت)
مطارنة وأئمة مسلمون ومقدسيون من كافة فئات المجتمع في إفطار بطريركية اللاتين بالقدس أمس (الجزيرة نت)

مشاركة روحانية
ونظرا لأن شهر رمضان فيه الكثير من التضحيات، فليس من السهل الانقطاع عن الطعام والشراب لمدة 16 ساعة يوميا، بالإضافة إلى كونه شهر الرجوع إلى الله والشعور بالفقراء -يضيف شوملي- كان لا بد من إبداء الإعجاب بهذه الأعمال وتكريم المسلمين بدعوتهم على مائدة الإفطار.

وبلغ عدد المدعوين هذا العام 72 شخصا، من بينهم خمسة مطارنة وأئمة مسلمون ومقدسيون من كافة فئات المجتمع، تأكدا من البطريركية أنه لا فرق بين الجميع، وأن المقصود إكرام واحترام المسلمين في صيامهم.

وأشار شوملي إلى أن رجال الدين المسيحيين يزورون الأقصى عدة مرات على مدار العام، وذلك مع حلول الأعياد الدينية أو عندما يتعرض المسجد الأقصى لاعتداءات متتالية، بالإضافة إلى تبادل الزيارات بين أبناء الديانتين خلال الأعياد المسيحية والإسلامية، بحكم لُحمة أبنائهما وتلاصق أحيائهم السكنية خاصة تلك الواقعة في البلدة القديمة بالقدس.

ولا يقتصر تقدير المسيحيين للمسلمين خلال شهر رمضان على الدعوة لموائد الإفطار فقط، بل يمتد احترامهم للشهر الفضيل إلى أبعد من ذلك، إذ يمتنع معظم المسيحيين عن تناول الطعام والشراب أمام المسلمين في أماكن العمل والجامعات وغيرهما.

وقالت المقدسية كارمن سحّار إنها تحرص على تأجيل موعد طعام أسرتها في شهر رمضان لحين إطلاق المدفع إيذانا بإعلان موعد الإفطار.

وأردفت "نحن العائلة المسيحية الوحيدة في حيّنا وجميع من حولنا مسلمون، لذا نتجنب الشواء خلال شهر رمضان حتى لا تصل رائحته لجيراننا ويشتهونه أثناء صيامهم، واعتاد طفلاي على ذلك ولا يتذمران لأننا زرعنا فيهما أهمية احترام شهر رمضان والجيران الصائمين".

كارمن سحّار تتجنب الشواء خلال رمضان احتراما لجيرانها الصائمين من المسلمين (الجزيرة نت)
كارمن سحّار تتجنب الشواء خلال رمضان احتراما لجيرانها الصائمين من المسلمين (الجزيرة نت)

صيام تضامني
أما نهيل خوري فقالت إنها تشعر بالصائمين خلال شهر رمضان، وانطلاقا من ذلك تحترم أجواءه وتتجنب تناول الطعام أمامهم، مشيرة إلى أن صيام المسيحيين قبل عيد الفصح المجيد لا يقل صعوبة عن صيام رمضان، وبالتالي لا بد من التعاطف والشعور بالآخرين.

وتلفت المديرة التنفيذية لجمعية الشابات المسيحية بالقدس ساندرين عامر إلى أن المقدسيين مسلمين ومسيحيين نشؤوا كأسرة واحدة منذ القدم، وأبواب منازلهم مفتوحة لبعضهم البعض على مدار الساعة رغم محاولات الاحتلال اتباع سياسة "فرق تسد" في المدينة من أجل تفكيك لُحمة أبنائها.

وأضافت في حديثها للجزيرة نت أن هذه المحاولات قد تصل للنفوس الضعيفة، ولكن هناك شريحة مقدسية واعية تعلم تماما أن الوطن هو المظلة التي تجمع أبناء المدينة بالإضافة إلى العادات والتقاليد، وانطلاقا من ذلك يبادر شباب حارة النصارى سنويا بتنظيم أمسية تتضمن إفطارا جماعيا تجمع المسلمين والمسيحيين من أبناء البلدة القديمة.

وتابعت "نحن كموظفين في جمعية الشابات المسيحية نجتمع سنويا للاحتفال على مائدة الطعام في عيد الميلاد المجيد وعلى الإفطار في شهر رمضان لأننا نريد تعزيز ذهنية منفتحة تتقبل الآخر بعيدا عن العنصرية والجفاء".

المصدر : الجزيرة