جرح القدس يؤلم مبعديْن طعنا مستوطنين قبل عقود

كومبو للأسيرين المحررين شعيب أبو سنينة و بسام أبو سنينة
شعيب وبسام أبو اسنينة اعتقلا بتهمة تنفيذ عمليتي طعن ثم أبعدا إلى غزة عام 2011 (الجزيرة نت)

أحمد عبد العال-غزة

قبل نحو ثلاثة عقود هزت مشاهد القمع والمضايقات -التي تتعرض لها القدس وسكانها- مشاعر مقدسي كان في ريعان شبابه، ودفعته إلى رد الاعتبار لنفسه وللقدس والأقصى، وقبل نحو عقدين سار مقدسي آخر على نفس الطريق، فكانت اثنتان من عمليات الطعن انتهت بهما مبعدين في قطاع غزة.

ذكريات القدس وحواريها وأزقتها وعبق التاريخ فيها ما زالت محفورة في ذاكرة المحرريْن والمبعديْن إلى غزة شعيب وبسام أبو سنينة، رغم سنوات الاعتقال الطويلة التي عاشاها بعيدا عن مدينتهما.

ولدت المشاهد التي عاشها الأسرى المحررون خلال الهبة الأخيرة المزيد من الغضب تجاه الاحتلال وزادت من ارتباط شعيب وبسام بالمسجد الأقصى، وإصرارهما على الدفاع عنه بكل ما أتيح لهما من وسائل.

يستذكر الأسير المحرر المبعد لغزة شعيب (48 عاما) -وهو من حي سلوان جنوبي المسجد الأقصى- مشاهد ضربه المبرح الذي تعرض له في صباه من قوات جيش الاحتلال وشرطته، وكذلك التفتيش والاقتياد لمراكز الشرطة، فضلا عن الإرهاب وقمع أبناء مدينته أثناء دخولهم إلى الأقصى للصلاة.

مشاهد التنكيل والمنع من الصلاة دفعت المقدسييْن أبو سنينة لتنفيذ عمليتي طعن عامي 1987 و1998 (الجزيرة)
مشاهد التنكيل والمنع من الصلاة دفعت المقدسييْن أبو سنينة لتنفيذ عمليتي طعن عامي 1987 و1998 (الجزيرة)

مشاهد ومأساة
لم تنل هذه الإجراءات والقمع من عزيمة شعيب، بل زادت من حرصه واصراره على المضي قدما في الدفاع عن المسجد والرباط فيه في كل الأوقات، وفق حديثه للجزيرة نت.

يستذكر شعيب إغلاق الاحتلال الإسرائيلي لباب المغاربة (جنوبي المسجد الأقصى) بشكل مستمر أمام أهالي بلدة سلوان، الأمر الذي كان يشعل الغضب في صدور السكان الذين لا يمكنهم الوصول إلى المسجد.

يضيف أن أقسى اللحظات التي عاشها كانت عندما استشهد أمام عينيه أحد أصدقائه من الشبان المقدسيين، بعد أن أصيب بعيار ناري متفجر في رأسه، ويقول "كان مشهدا صعبا للغاية. لقد تفجر رأسه أمامي بعد أن أصيب بالرصاص".

ولصد أداة القمع الإسرائيلي اليومية للمقدسيين ومحاولات الاعتداء على المسجد الأقصى، كان شعيب يشارك في حماية المرابطين في المسجد، والتصدي لجيش الاحتلال، وتزويد النشطاء بمقاومة الاحتلال بكل ما يحتاجونه.

إضافة لذكرياته القاسية، لا يزال المحرر المقدسي يستذكر لحظات إيمانية خاصة كان يحظى بها في طفولته في رحاب المسجد الأقصى. ويقول "كنا نخرج لصلاة الفجر ونستمع إلى درس إيماني في باحات المسجد. كنا نشعر براحة نفسية عالية".

ورغم سنوات البعد الطويلة وفراقه عن أبنائه وأهله الذين تركهم في القدس، فإن المحرر أبو سنينة ما زال يشعر بجاذبية متواصلة لمدينته، وحنين للصلاة في "الأقصى" والتجول في طرقات وأزقة القدس.

اتهم المبعد المقدسي بالانتماء لحركة حماس خلال انتفاضة عام 1987، والمشاركة في عمليات المقاومة وبينها طعن مستوطن عام 1998، وهو ما قاد إلى اعتقاله ومن ثم إبعاده إلى غزة بصفقة وفاء الأحرار عام 2011.

ويعرب شعيب عن أمله أن يعود للقدس والأقصى ويلتئم شمله بأبنائه وعائلته، معتبرا أن ما تشهده المدينة المقدسة من انتفاضة الشباب الفلسطيني في وجه الاحتلال والقمع الإسرائيلي ستستمر طالما استمر القمع الإسرائيلي.

‪مبعدات عن المسجد الأقصى يعتصمن في باب حطة الذي يشكل ذاكرة خاصة للمبعد بسام أبو سنينة‬ (الجزيرة-أرشيف)
‪مبعدات عن المسجد الأقصى يعتصمن في باب حطة الذي يشكل ذاكرة خاصة للمبعد بسام أبو سنينة‬ (الجزيرة-أرشيف)

ذكريات باب حطة
ذكريات القمع والجرائم الإسرائيلية، التي عايشها شعيب، لا تفارق ذهن المحرر المقدسي، بسام (43 عاما) فهو كان يقطن في حالة باب "حطة" شرقي القدس، التي تبعد خمسين مترا فقط عن المسجد الأقصى.

ويروي بسام ذكرياته في المدينة المقدسة قبل اعتقاله، بالقول "مضايقات الاحتلال كانت مستمرة منذ طفولتنا، عندما ندخل المسجد الأقصى يتم توقيفنا واحتجازنا وتفتيشنا وفي كثير من الأحيان منعنا من الدخول للصلاة".

كل تلك المضايقات كانت تولد حالة من الغضب لدى "أبو سنينة" ما دفعه للمشاركة في عدة أنشطة وفعاليات مقاومة للاحتلال، بدأت برشق مستوطنين بالحجارة وصولا إلى تنفيذ عملية طعن وقتل مستوطن داخل البلدة القديمة، فاعتقل ثم أبعد على إثره إلى قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2011 ضمن صفقة تبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل.

ويضيف بسام "كنا نصعد على سطح قبة الصخرة، ونجلس في شهر رمضان مع جدتي في باحات الأقصى من صلاة العصر. الأقصى كان جزءا من حياتنا".

ورغم الاعتقال والإبعاد، فمازال المبعد المقدسي يشعر بـ "التقصير تجاه حماية الأقصى" ويتمنى لو يستطيع "الرباط فيه للدفاع عنه ضد الاعتداءات الإسرائيلية".

المصدر : الجزيرة