المخطوطات المقدسية تاريخ يصارع الاندثار

المخطوطات المقدسية
المخطوطات المقدسية تاريخ يصارع الاندثار

هبة أصلان-القدس

يقدم كتاب "تاريخ المكتبات العربية في بيت المقدس" لمؤلفه بشير بركات، تاريخا مفصلا للكتب في المدينة مع التركيز على العهد العثماني، وفيه تناول المؤلف المخطوطات، وخطوات صناعتها من نسخ وتجليد وترميم.

ويطلع القارئ للكتاب على الأدوات الفنية المستخدمة في صناعة المخطوطات، وعن البدايات الأولى للطباعة في القدس، إلى جانب المعلومات عن أشهر المكتبات وخزائن الكتب التي تعود لبعض البيوت والعائلات المقدسية، وقد قدم جميع ما سبق الباحث الفلسطيني وعضو الهيئة الإسلامية العليا عزيز العصا في ندوة خاصة بالمخطوطات المقدسية عقدت قبل أيام ضمن فعاليات أيام القدس الثقافية.

كانت القدس قبلة العلماء والباحثين حيث يقيمون في المباني المحيطة بالمسجد الأقصى، الذي احتوى حينها على 24 مدرسة، إحداها المدرسة "الختنية" التي بنيت في عهد صلاح الدين الأيوبي عام 1191 ميلادية، في حين بنيت المدارس الأخرى في العصر المملوكي ما بين 1329 و1436 ميلادية.

كيف خطت؟
تركت هذه الفترات النيرة، التي مرت على المدينة إلى جانب الآثار العمرانية والحجرية، آثارا قيمة كتبت بخط يد العلماء أو طلبتهم أو من ينسخ لهم أو ينسخ عنهم على الورق، ولهذا أطلقوا عليها اسم مخطوطات.

مخطوطة كتاب المستصفى في علم أصول الفقه (يمين) وأخرى لطبيب هندي يحذر فيها نور الدين الزنكي من السموم (الجزيرة نت) 
مخطوطة كتاب المستصفى في علم أصول الفقه (يمين) وأخرى لطبيب هندي يحذر فيها نور الدين الزنكي من السموم (الجزيرة نت) 

من أصل نحو 17 ألف مخطوطة مقدسية لم يبق اليوم في المدينة إلا نحو خمسة آلاف، تتوزع على ثلاث مجموعات، الأولى في مكتبة المسجد الأقصى بواقع 2300 مخطوطة، أقدمها للإمام الغزالي ويعود تاريخها إلى العام 506 هجرية، وفي المكتبة البديرية حيث يوجد ما يزيد عن 1177 مخطوطة، أقدمها مخطوطة "الرسالة القشيرية" ويعود تاريخ نسخها إلى 562 هجرية.

أما مجموعة المكتبة الخالدية فتضم 1200 مخطوطة، أقدمها مخطوطة تعود للقرن الرابع الهجري، وتعتبر أكبر مجموعة عائلية إسلامية في العالم، وهي وقف لأبناء العائلة.

بعد سقوط الدولة العثمانية وزوال حكمها نهائيا عام 1917، نقلت عشرات المخطوطات إلى الخارج، الأمر الذي دفع المجلس الإسلامي الأعلى إلى تأسيس دار الكتب في المسجد الأقصى، لكنها تعرضت للإهمال والسرقة.

وبعد النكبة الفلسطينية عام 1948، تعرض الشعب لنكبة ثقافية، فتعرضت منازل الفلسطينيين للنهب على أيدي المجموعات الصهيونية، التي سرقت بدورها تحت قوة السلاح جميع ما لدى العائلات الفلسطينية من كتب ومكتبات.

ومن بين المكتبات التي تعرضت للنهب على أيدي هذه الجماعات، مكتبة دار الكتب في المسجد الأقصى، ومكتبة عجاج نويهض، ومكتبة أمانة القدس، ومكتبة عبد الله مخلص، ومكتبة الكلية العربية، ومكتبة إسعاف النشاشيبي التي تقول الروايات إنهم وجدوا أوراق كتبها مع باعة الترمس يلفون فيها بضاعتهم للزبائن. ويضاف إليها مكتبات كل من خليل السكاكيني ومكتبة في سلوان وعشرات المكتبات المنزلية الأخرى.

العصا (يمين): الحفاظ على ما تبقى من مخطوطات يحتاج إستراتيجية وطنية (الجزيرة نت)
العصا (يمين): الحفاظ على ما تبقى من مخطوطات يحتاج إستراتيجية وطنية (الجزيرة نت)

محاولا إنقاذ
يرى العصا في تقديمه أن الحفاظ على ما تبقى من مخطوطات في المكتبات المقدسية يحتاج إلى وضع إستراتيجية وطنية لنقل المكتبات من الإطار العائلي أو الفردي إلى الإطار الوطني، ولتصبح متاحة للباحثين والدارسين، لكن دون المساس بحقوق الملكيات أو شروط الوقفيات، وصولاً إلى تأسيس متحف للمخطوطات الفلسطينية تكون القدس مركزه.

توصية ثانية لحماية المخطوطات تتمثل في الاستمرار في ترميمها، وإضافة قسم الكتب الإلكترونية لكل مكتبة، وتوفير أنظمة التسجيل والترجمة والتصوير الرقمي، بالإضافة إلى فهرسة المخطوطات. 

أما مباني المكتبات المقدسية، التي يعود تاريخ بناء بعضها إلى فترتي الحكم المملوكي والعثماني، فقد أوصى العصا بضرورة ترميمها وتوفير مستودعات خاصة لحفظ المخطوطات فيها وفق المعايير الدولية. 

المصدر : الجزيرة