"طفولة مع وقف التنفيذ" في القدس

فلسطين - اعتقال الأطفال
أطفال مقدسيون عاشوا، أو ما زالوا يعيشون، تجربة الاعتقال في السجون الإسرائيلية يروون تجربتهم بفيلم لمنظمة حقوقية محلية (الجزيرة نت)
ميرفت صادق-رام الله

بينما لم ينه الفتى نديم الصفدي من مدينة القدس عامه الـ17، يروي تجربته مع الاعتقال في سجون الاحتلال الإسرائيلي لثلاث مرات، وتعريضه للتحقيق والضرب اليومي منذ الصباح وحتى ساعات متأخرة ليلا. 

يقول الصفدي إنه تعرض لضرب شديد، "اجتمع عليّ ثلاثة محققين، كانوا يلقون بي أرضا ويدوسون بأقدامهم على وجهي ويركلون ظهري، وطيلة التحقيق كنت مقيدا، ولم يقدم لي الطعام من الصباح وحتى الليل".

وفي المرات الثلاث لم يستطع المحققون إدانة الصفدي، وكان يتم تحويله للحبس المنزلي عدة شهور مع غرامات مالية، وبعد اعتقالاته المتكررة، يقول إنه لا يستطيع التخلص من آثار السجن، وفي كل ليلة ينام خائفا من الاعتقال.

وعُرضت شهادة الصفدي بمركز خليل السكاكيني في رام الله مساء أمس في فيلم "طفولة مع وقف التنفيذ" الذي أطلقته مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وهو من إخراج الفلسطينية مي عودة.

شهادات حية
ويقدم الفيلم شهادات عن أربعة أطفال عاشوا أو ما زالوا يعيشون تجربة الاعتقال في السجون الإسرائيلية، وكذلك تجربة "الحبس المنزلي" وهي العقوبة البديلة عن الاعتقال في سجن إسرائيلي وتسمى "عقوبة مع وقف التنفيذ".

‪نديم الصفدي اعتقل ثلاث مرات قبل أن يكمل الـ17 وتعرض للتعذيب‬ (الجزيرة نت)
‪نديم الصفدي اعتقل ثلاث مرات قبل أن يكمل الـ17 وتعرض للتعذيب‬ (الجزيرة نت)

وفي الفيلم يروي الفتى فادي العيساوي (16 عاما) الذي اعتقل في مطلع مايو/أيار الماضي تجربة اعتقاله من قبل قوة إسرائيلية خاصة بلباس مدني (مستعربون).

يقول "اعترضتني سيارة بيضاء خرج منها مسلحون مقنعون وهاجموني فوقعت من مكان مرتفع وكسرت يدي، وقاموا بتجبيرها وتركت ليلة كاملة في جيب عسكري وكنت أعاني من البرد الشديد".

وبعد الإفراج عنه قرر الاحتلال حبسه في منزل بمنطقة بيت حنينا عشرة أيام بعيدا عن عائلته التي تسكن في بلدة العيسوية (شمال شرق القدس).

أما الفتاة القاصر سندس عبيد (16 عاما) فاعتقلت خمسة شهور في سجون الاحتلال، وقالت "لم أضحك طيلة فترة اعتقالي، وكنت في حالة حزن واشتياق لاحتضان أمي وأبي، كنت أفكر في ما هو خارج السجن وكيف ستمضي حياتي بعده". 

وأسوأ ما تذكره سندس ضربات المحققين على الطاولة بعنف عندما كانت ترد على أسئلتهم بأنها لا تعرف شيئا، وتقول إنهم كانوا يتعمدون التحقيق والضغط عليها حتى الساعة العاشرة ليلا.

سندس عبيد طفلة مقدسية اعتقلت خمسة شهور في سجون الاحتلال (الجزيرة نت)
سندس عبيد طفلة مقدسية اعتقلت خمسة شهور في سجون الاحتلال (الجزيرة نت)

وحسب معطيات مؤسسة الضمير، يعتقل الاحتلال الإسرائيلي حاليا نحو أربعمئة طفل فلسطيني، بينهم 120 طفلا من القدس، موزعين على عدة سجون، وبين هؤلاء أربع فتيات، وعشرة أطفال محتجزين في دور للأحداث.

 وفي الفيلم تقدم فريهان فراح شهادتها عن طفلها شادي فراح (12 عاما) وهو أصغر الأسرى الفلسطينيين، واعتقل نهاية عام 2015 بتهمة حيازة سكين، وطلبت نيابة الاحتلال سجنه عامين.

 تقول فريهان إن ابنها اعتقل من القدس مع زميله الأسير أحمد الزعتري (14 عاما) واتهما بحيازة سكين ومحاولة تنفيذ عملية طعن، وتضيف "لم يكن معه سكين، ولم يحاول طعن أحد، ولم يكن هناك شهود ضده أيضا، وأثناء التحقيق معه ترك في غرفة باردة تحت مكيف الهواء البارد".

محمد درباس شقيق الطفل الأسير حكيم درباس (16 عاما) قال إن المحققين يضغطون على الأطفال بالتهديد باعتقال شقيقاتهم أو بإيهامهم بأنهن أدلين بشهادات تدينهم، مما يدفعهم لتقديم اعترافات غير صحيحة ويعرضهم لضغط نفسي كبير.

ويعرض الفيلم مشاهد من عمليات اعتقال الأطفال في القدس والتنكيل بهم من شرطة الاحتلال، كما يستعين بمشاهد كرتونية لأساليب التعذيب والضرب.

وينظر الباحث في مؤسسة الضمير والأسير السابق صلاح الحموري إلى اعتقال الأطفال كأحد أهم آليات ترهيب المقدسيين، ويذكر أن الاعتقالات طالت أحيانا أطفالا تقل أعمارهم عن عشرة أعوام.

الطفل فادي العيساوي اعتقل ثم خضع للحبس المنزلي بعيدا عن عائلته (الجزيرة نت)
الطفل فادي العيساوي اعتقل ثم خضع للحبس المنزلي بعيدا عن عائلته (الجزيرة نت)

أعداد متزايدة
وترصد الضمير ارتفاعا متصاعدا في أعداد الأطفال المقدسيين مقارنة مع اعتقالات أقرانهم في الضفة الغربية وغزة والداخل المحتل عام 1948، وتسجل معظم حالات الاعتقال على خلفية اتهامهم برشق الاحتلال بالحجارة.

وتذكر أن 97% من الأطفال المعتقلين جرى التحقيق معهم دون حضور محامين أو ممثلين عن عائلاتهم خلافا للقانون الإسرائيلي نفسه، وأن معظمهم خضعوا للتحقيق فترة تصل إلى عشرين يوما قبل توجيه اتهامات لهم.

يقول حموري إن هؤلاء الأطفال عاشوا لحظات صعبة ليس من السهل معالجة آثارها، خاصة أنهم تعرضوا لنفس معاملة الأسرى البالغين، سواء عند اعتقالهم أو التحقيق معهم أو خلال نقلهم من سجن لآخر.

ويذكر أن الأطفال الأسرى الذين تعرضوا للحبس المنزلي لا يلاقون الدعم النفسي والتأهيل الجماعي المطلوب خلال اعتقالهم أو بعد ذلك.

المصدر : الجزيرة