فكرة منع الأذان بين التهويد والتّصعيد

فكرة منع الأذان بين التهويد والتّصعيد

إن مجرد طرح اليمين الصهيوني المتطرف فكرة منع الأذان هو بمثابة فكرة تهويديّة جديدة تضاف إلى خطوات استيطانية سابقة تمت على مرأى ومسمع من العالمين العربي والإسلامي، بدءا بالحفريات تحت المسجد الأقصى المبارك ووصولا إلى مخطط الاقتحامات المستمرة له وانتهاء بفكرة منع الأذان فيه عبر مكبرات الصوت.

وفي كل مرّة ومع كل خطوة استيطانية تهويديّة لا يكون ردّ الفعل لدى الجانب العربي الإسلامي بقدر الفعل الاحتلالي الممعن في صهينة المكان والزّمان بالمدينة المقدسة، ودون أي اعتبار أو تحسب من هبَّة عارمة تنتصر لعروبة القدس وإسلاميتها، ويمكن أن يؤدي هذا الوضع إلى التمادي والإمعان في التهويد، من قبل سلطات الاحتلال المؤيدة والمعززة لـالاستيطان.  

إن مجرد التفكير في تطبيق منع رفع الأذان في مساجد وجوامع فلسطين بكل أنحاء الأرض المحتلة لتشمل المدن والقرى ينم عن رغبة محمومة في الصهينة والتهويد يبديها اليمين الصهيوني المتطرف، الداعم لحكومة نتنياهو الليكوديّة التي لا تقل كثيرا في تطرفها عن حاخامات ودهاقنة الهجمات الاستيطانية المتلاحقة.

إحراق الأخضر واليابس
كما أن هذا التفكير العدواني ما هو إلا محاولة مكشوفة لصب الزيت على نار الاحتلال بهدف إحراق الأخضر واليابس في حقول دعاة السلام العادل، لا بل دق المسمار الأخير في نعش السلام المنشود، وبكل استهانة بالقرارات الدوليّة وردّة الفعل العربيّة والإسلاميّة التي في نظر منظرّي الاستيطان وتوقعهم لن تختلف عن ردات الفعل السابقة التي تقتصر عادة على الشجب والاستنكار والشكوى دون أن تغير من الواقع شيئا.

إن مجرد التفكير في تطبيق منع رفع الأذان في مساجد وجوامع فلسطين بكل أنحاء الأرض المحتلة لتشمل المدن والقرى ينم عن رغبة محمومة في الصهينة والتهويد يبديها اليمين الصهيوني المتطرف

وحدهم أهالي القدس وأهالي فلسطين المحتلة من النهر إلى البحر من يتلقون مخططات الاستلاب والقهر التي تتم على الأرض بصدورهم العارية وجراحهم النازفة، لا يسندهم أو يعينهم في تصديهم إلا إرادتهم الصلبة ومراسهم في مقاومة الاحتلال، وعقيدتهم الإيمانية التي لا تضعف أو تنكسر بفعل الرياح الاستيطانية العاتية.

إن لسان حال شعب فلسطين في القدس وفي سائر مدن وقرى فلسطين يقول: نحن هنا منزرعون كأشجار الزيتون وعلى أرضنا صامدون، وبعتبات بيوتنا متشبثون وعلى مفاتيح منازلنا المهدّدة بأيدينا قابضون.

هاهم يقولون لنتنياهو وجوقة المتطرفين من حوله: سواء مُنِعَ الأذان المرتفع أو رفع، فإنكم في حُلمكم التهويدي لواهمون، وفي تجبركم وتغييركم لمعالم قدسنا لآثمون ومزيفون، فنحن في حلوقكم أشواك، وفي عيونكم غبار خيل وفرسان، وفدائيون مقاومون في الميدان، نتحدى قهركم وحصاركم ومدَّ استيطانكم وأطماع جرافاتكم وبلدوزراتكم مهما طال بنا وبكم الزّمان.

فلا تكونوا لعقيدتنا الجهاديّة مستهينين، وبإمكانية قهرنا ودحرنا ظانين.

نحن منكم ساخرون، وعلى شهوتكم الاستيطانية العمياء مشفقون، ففي كل مرَّة فيها تتمادون، والمسجد الأقصى المبارك تقتحمون، وصلاتنا تمنعون، يغيب عنكم أن حُبنا لفلسطين بفعل جوركم وظلمكم وأطماعكم قد بلغ حدّ الجنون، ألا خاب ما تمكرون وتخططون.

الأذان سيبقى
إن مآذن بيت المقدس وأكناف بيت المقدس ستبقي مؤذِّنة مكبرة غير معنية بقرار منع أو ردع، فهي أعلى من المحتل وأطماعه وحواجزه بكثير، فإن كان لديه تهويد طامع فهي لها الفضاء الواسع الذي لا يطاله على الأرض أي قرار أو إجراء، سواء راح أو جاء ما دام لها السماء ورب السّماء الذي شاء أن يقدّس هذه الأرض المباركة بالمعراج والإسراء، وبأنفاس وعذابات ورسالات الأنبياء.

هل ستبقى ردة الفعل الحازمة العارمة على كل خطوة تهويدية يمكن أن تطال القدس وفلسطين مقصورة على أهلنا الصامدين الصابرين في الأرض المحتلة

وكما رفعت القدس الأذان عاليا من قبل سترفعه من بعد، وستصدح به مآذنها فجرا وظهرا وعصرا دون خوف أو وجل لا يُضيرها حقد لحاقد أو جمرٌ بعين حاسد، أو مجرّد تفكير مبيّت بمنع مؤذن أو متوضئ أو راكع وساجد.

لن تفزع القدس وتجزع ما دامت هي مع الله سبحانه، تكبر وتهلل باسمِهِ وتصلي له ساجدَةً راكعة، مسبّحة خاشعة، فهي ما زالت على الرغم من إجراءات تهويدها التي لا تقف عند حَد تصون تاريخها وحياتها، وبين حصار وأسرٍ تقيم صلاتها.

وهل تعني إرادة الاحتلال البغيض شيئا أمام إرادة الله القدير إذا ما أراد للقدس وأهلها ثباتا وصمودا وانتفاضة تلو انتفاضة، وإذا ما أراد لها نصرا وخلاصا ممن حرمها أمنها وسلب منها استقرارها وحريتها، وانتزع منها هويتها بهدف طمس تاريخها والالتفاف على حضارتها ورسالتها السماويّة؟

ويبقى على طاولة البحث سؤال جارح للسمع لاذع الوقع يطرح نفسه وهو: هل ستبقى ردة الفعل الحازمة العارمة على كل خطوة تهويدية يمكن أن تطال القدس وفلسطين مقصورة على أهلنا الصامدين الصابرين في الأرض المحتلة بينما الجهات العربيّة الإسلاميّة والدوليّة لا تحرك ساكنا، وإن قدّر لها أن تحركه يأتي كما هو في السابق مقتصرا على الشجب والاستنكار والتعبير عن القلق، وتخوف القلوب والألسنة من إقدام الغاصب المحتل على هدم المسجد الأقصى المبارك؟!

أما يكفي ليحركنا اقتراب المكر الصهيوني المبيت من صوت الأذان الذي يجمع البلاد والعباد للصلاة والخشوع بين يدي رب العباد والبلاد؟

دعونا نتفاءل هذه المرة، فنتوقع أن يكون لأي إجراء تهويدي جديد في القدس وما حولها صدى قوي وملموس يوقظ العالميْن العربي والإسلامي من غفلةٍ أو غفوة، ليدرك الجميع حجم الأخطار المحدقة والمحيطة بالمقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة السماء على الأرض.. ألا وهي القدس المباركة لكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى في قاموس السماء.

ألا يشكل ما يجري في القدس وغيرها من تهويد واستيطان يجر معه الهدم للبيوت العربية والتشريد لأصحابها استهانة كبيرة للعرب والمسلمين كافة، بالإضافة إلى كونه اعتداء على المقدسات والحرمات؟

ويكفينا في هذا الصدد التفاؤلي كي نصحو أن نتذكر قول نبينا ورسولنا الصادق الأمين محمد عليه الصلاة والسلام مخاطبا المؤمنين في كل زمان ومكان "من أراد منكم أن ينظر إلى بقعةٍ من بقع الجنة فلينظر إلى بيت المقدس".

استهانة كبيرة
ألا يشكل ما يجري في القدس وغيرها من تهويد واستيطان يجر معه الهدم للبيوت العربية والتشريد لأصحابها استهانة كبيرة للعرب والمسلمين كافة، بالإضافة إلى كونه اعتداء على المقدسات والحرمات؟

وحتى تكون الصحوة القومية والإسلامية معقولة ومجدية، وحتى تكون المواجهة مثمرة للقدس ومرضية: علينا أن نفتح القرآن الكريم على سورة البقرة لنقرأ بصوت جهوري مسموع قوله تعالى "ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم" صدق الله العظيم.

لنتذكر دون أن ننسى أن من يحاول إسكات صوت السماء على الأرض هو عدوٌ لرب السماء والخلق جميعا، وهو بالطبع عدوٌ لأمة الايمان في الأرض.

ولكن قبل أن نقول للظالم المعتدي كفاك ظلمًا وعدوانا وتعرضا مريبا لمئذنة أو محراب، علينا أن نقول لأنفسنا عربا مسلمين كنا أو مسيحيين: كفانا سكوتا على ظلم الاحتلال وتعسفه واستهانته بنا كأمةٍ عديدة العدة والعدد لها تاريخها الممتد الجذور ورسالتها السامية، وحضارتها العريقة المتوهجة بين حضارات الأمم.

المصدر : الجزيرة