هجوم حزب الله على صفد.. الرسائل والدلالات وسيناريوهات التصعيد
منذ أكثر من 4 أشهر لم تهدأ علميات القصف المتبادل بين حزب الله اللبناني وقوات الاحتلال الإسرائيلي على طول الحدود في جنوب لبنان، لكن التصعيد شهد تطورا لافتا اليوم قد يشكل منعطفا يخرج العمليات المحسوبة بين الطرفين من الإطار الذي درجت عليه منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وفق مراقبين.
فقد أعلنت مصادر إسرائيلية مقتل مجندة وإصابة 8 عسكريين بعضهم في حالة حرجة في قصف بالصواريخ شنه حزب الله واستهدف قواعد عسكرية في محيط مدينة صفد بالجليل الأعلى شمال إسرائيل، وهو ما اعتبره وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير "حربا فعلية" يشنها الحزب على إسرائيل ودعا "للتخلي عن الفرضية المعمول بها حاليا في الشمال مع لبنان".
ما الجديد في استهداف صفد؟
لعل طبيعة الهدف الذي ضربته صواريخ حزب الله اليوم الثلاثاء والعمق الذي تمكنت تلك الصواريخ من الوصول إليه أهم ما يميز هذا القصف، الذي وصفته وسائل إعلام إسرائيلية بالهجوم "الأخطر منذ اندلاع الحرب على الجبهة الشمالية".
وقد أوضحت مصادر إسرائيلية أن القصف استهدف القيادة الشمالية والقاعدة الجوية في ميرون وقاعدة عسكرية في صفد، وقالت إن عدد الصواريخ بلغ 8، وقالت إن حزب الله اللبناني استخدم صواريخ دقيقة في قصفه على مدينة صفد بالجليل الأعلى، وإن القبة الحديدية فشلت في اعتراض الصاروخ الأخير.
ولم يتأخر الرد الإسرائيلي فبعد ساعات من الضربة الموجعة من قبل حزب الله، شنت المقاتلات الإسرائيلية غارات مكثفة على عدة بلدات في جنوب لبنان، أسفرت حتى الآن عن سقوط 4 قتلى وإصابة 11 آخرين.
ومع هذا التصعيد الخطير والجبهة المشتعلة، تبرز أسئلة عديدة حول توقيته والرسائل التي أراد حزب الله تمريرها من خلاله، وسيناريوهات الرد الإسرائيلي، التي قد يتحدد وفقا لها ما إذا كان القصف المتبادل المحسوب بين الطرفين سيتحول إلى حرب شاملة.
توقيت الهجوم
يأتي قصف صفد بعد يوم واحد من رسائل قوية وجهها الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله لإسرائيل، حيث أعلن استعداد الحزب لتوسيع نطاق المواجهة إذا ما سعت إسرائيل إلى ذلك.
وقال نصر الله "على وزير الحرب الإسرائيلي الذي يتوعد بتوسيع العمليات الإسرائيلية ضد لبنان أن يدرك أنه إذا شن حربا على لبنان فإن عليه تهيئة الملاجئ لمليوني مهجر إسرائيلي من الشمال لا مئة ألف فقط." وأكد إطلاق النار من جنوب لبنان لن يتوقف إلا بانتهاء العدوان على غزة.
كما يأتي التصعيد وسط أنباء عن مقترح فرنسي لوقف القصف المتبادل بين حزب الله وإسرائيل على جانبي الحدود، تطرق إليه نصر الله في خطابه عندما قال إن "المكاسب السياسية التي يتم التلويح بها لنا من هنا وهناك لن تؤثر علينا ولن تجعلنا نوقف الجبهة".
وأكد أن الوفود التي أتت إلى لبنان خلال الأشهر الماضية هدفها أمن إسرائيل وإعادة 100 ألف مستوطن إلى المستوطنات الشمالية.
ويأتي استهداف صفد أيضا بعد أيام من التصعيد الإسرائيلي، حيث استهدفت مسيرة إسرائيلية سيارة تقل قائدا محليا بحزب الله أول أمس الاثنين في بنت جبيل بمحافظة النبطية لكنه نجا من الموت، وأصيب إصابة بليغة.
كما استهدفت إسرائيل السبت الماضي قياديا في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في بلدة جدرا، على بعد حوالي 40 كيلومترا من الحدود الإسرائيلية اللبنانية، في ثاني استهداف خارج منطقة الجنوب الحدودية منذ بدء التصعيد على وقع الحرب في غزة.
رسائل ودلالات
يرى مراقبون أن استهداف حزب الله قاعدة عسكرية في صفد، التي تبعد 15 كيلومترا عن الحدود اللبنانية، يأتي في إطار رده على نقل إسرائيل المواجهة إلى مربع جديد سواء من حيث طبيعة الأهداف التي ضربتها أو مكانها في مناطق بالعمق اللبناني خلال الأيام الماضية، كما يأتي في إطار الرد على التهديدات الإسرائيلية بتوسيع المواجهة مع الحزب.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي فيصل عبد الساتر أن عملية حزب الله تدخل ضمن استعراض القوة، والرد على الهجوم الإسرائيلي الوشيك على مدينة رفح، وتعثر المفاوضات الرامية للتوصل لهدنة طويلة في غزة أو وقف طويل المدى لإطلاق النار في القطاع.
ويقول عبد الساتر في مقابلة مع الجزيرة نت إن الحزب أراد من خلال استهداف القاعدة العسكرية الإسرائيلية في صفد توجيه رسالة سياسية لإسرائيل والتأكيد على أن الحزب لن يقف مكتوف الأيدي أمام ما يجري في غزة، وأن هذه الجبهة ستبقى مشتعلة وفقا للتطورات الميدانية في القطاع.
ويوضح أن الحزب يقود المعركة برؤية وإستراتيجية واضحتين، لكنه يعتمد فيها على التطورات الميدانية لا على خطط موضوعة سلفا، وقد أراد أن يقول من خلال التصعيد الأخير "إذا أراد العدو الإسرائيلي أن يذهب إلى أبعد من ذلك فحزب الله جاهز وصواريخه التي لم يستعملها بعد جاهزة أيضا".
أما الخبير العسكري واللواء المتقاعد محمود إرديسات، فيربط توقيت هجوم حزب الله على صفد بتعثر المحادثات بشأن الهدنة في القاهرة، والضبابية التي تكتنف مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، إضافة إلى القصف المكثف والعمليات العسكرية الإسرائيلية في مناطق عديدة بغزة والتهديد باجتياح وشيك لرفح.
ويقول إن ما حدث رسالة من حزب الله لإسرائيل تؤكد ما كان الحزب يردده من رفض للقضاء على حماس، ويعتقد "أنه بهذه الضربة التي انتقى فيها أن يكون الهدف داخل فلسطين المحتلة في صفد وعلى منطقة عسكرية، وأدى إلى مقتل مجندة وجرح آخرين، وبصاروخ دقيق جدا على المنطقة، يعطي لإسرائيل إشارة أنه لدينا أسلحة نستطيع استخدامها دقيقة جدا وفي العمق الإسرائيلي إذا استمر الاحتلال بهذا الزخم باتجاه رفح".
هل يقود التصعيد لحرب شاملة؟
لم يتضح بعد الحد الذي ستذهب إليه إسرائيل في ردها على هجوم حزب الله، وإن كانت تصريحات بعض وزرائها خلال الساعات التي أعقبت الهجوم تضمنت وعيدا ليس لحزب الله فحسب، بل للبنان، فقد قال الوزير في مجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس إن المسؤول عن إطلاق الصواريخ من لبنان ليس حزب الله فقط، بل دولة لبنان. وتوعد بأن الرد على إطلاق الصواريخ باتجاه الشمال سيأتي قريبا وبقوة.
فيما طالب بن غفير بتغيير التعاطي مع المواجهات مع حزب الله، وقال إن إطلاق صواريخ من جنوب لبنان يعد حربا على إسرائيل.
وبعد وقت قصير من إعلان وسائل إعلام إسرائيلية أن مجلس الحرب الإسرائيلي يبحث كيفية الرد على القصف الذي شنه حزب الله على صفد، كانت المقاتلات الإسرائيلية تصب جام حممها على أهداف عديدة في جنوب لبنان، مما يدفع للسؤال عن المدى الذي ستذهب إليه إسرائيل في ردها على الهجوم.
وفي حين يحذر بعضهم من أن ما يحدث منعطف يشي ببداية مواجهة قد تتحول إلى حرب شاملة، يرجح اللواء المتقاعد محمود إرديسات، أن إسرائيل "ستبقي التصعيد منضبطا في هذه المرحلة".
ويعرب عن اعتقاده أن الرد الإسرائيلي سيكون موجها ضد "أهداف غير محددة ضمن 5 أو 10 كيلومترات من الحدود التي تدور حولها الاشتباكات منذ بداية هذه الحرب، وسيمتد إلى انتقاء أهداف داخل لبنان تخص حزب الله".
لكنه لا يستبعد أن يذهب الرد الإسرائيلي لأبعد من ذلك، في ظل مساعي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإطالة أمد الحرب وخلط الأوراق وجر الولايات المتحدة إلى حرب مباشرة مع إيران ووكلائها في المنطقة.
بدوره لا يستبعد المحلل السياسي فيصل عبد الساتر سيناريو تطور الأوضاع لحرب إسرائيلية شاملة على لبنان، حيث إن "نتنياهو في أزمة كبيرة ولم يستطع أن يحقق أيا من أهدافه في غزة، ويسعى لإطالة أمد الحرب وجر الولايات المتحدة إليها بشكل مباشر، ويطمع في تحقيق ذلك في الجبهة اللبنانية تحديدا".