صحفيو أفريقيا.. دوامة الانتهاكات وإستراتيجية المواجهة
أديس أبابا– تعتبر القارة الأفريقية إحدى أخطر المناطق في العالم على الصحفيين، وهو واقع طال واستدام، بل تصاعد خلال السنوات الأخيرة مع تفجر بؤر صراع جديدة زادت الطين بلة على العمل الصحفي، وجعلت رسالة نقل الحقيقة مهمة شاقة ومحفوفة بالمخاطر والتحديات.
لكن هذا الوضع، رغم تفاوته من بلد أفريقي لآخر، لم يكسر عزيمة الصحفيين المؤتمنين على قدسية المعلومة والخبر، بل زادهم إصرارا على انتزاع حقهم المسلوب في الحرية والتعبير أمام سيل لا يكاد ينتهي من الانتهاكات، فتبنوا "إستراتيجية المواجهة" بدل انتظار قدرهم المحتوم، كما كان عليه الأمر بالأمس القريب.
اقرأ أيضا
list of 2 items"الخوذ البيضاء" يطلب تدخلا أمميا لتحديد مواقع سجون الأسد السرية
تلكم كلمات ورسائل من بين أخرى رصدناها من خلال مقابلة أجريناها مع الصحفي الصومالي ورئيس فدرالية الصحفيين الأفارقة عمر فاروق عثمان، على هامش المؤتمر الدولي الذي نظمته مفوضية الاتحاد الأفريقي ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا يومي السادس والسابع من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري تحت شعار "سلامة الصحفيين خلال الأزمات وحالات الطوارئ".
وفي ما يلي أبرز ما دار خلال المقابلة:
-
شكرا لكم بداية على قبول الدعوة.. إذا عقدنا مقارنة بين وضع الصحفيين في القارة الأفريقية قبل نحو 10 سنوات أو يزيد ووضعهم الآن، هل تستطيعون القول إن ظروف اشتغالهم قد تحسنت أم أنها تدهورت وازدادت سوءا؟
حقيقة لا أعتقد أن أوضاعهم المهنية قد تحسنت، بل إن الأزمات التي يعيشون في كنفها تعمقت وازداد نطاق وعدد الهجمات التي يتعرضون لها خلال أداء رسالتهم الإعلامية. كما أن غياب المساءلة استمر أيضا في عموم القارة من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، بل إنه بالإمكان أن نرى الآن أن هذا الاستهداف لا يتم فقط في فترات الأزمات والحروب، بل أيضا في ظل أنظمة سياسية، الأصل أنها ديمقراطية.
الفرق الوحيد برأيي مقارنة بالسنوات الخوالي هو أن الصحفيين الأفارقة نهضوا وقاموا قومة رجل واحد، وأصبحوا يعبرون ويوحدون أصواتهم دفاعا عن حقهم في التعبير ونقل المعلومة بحرية دون انتهاكات أو ملاحقات. والوضع لم يكن كذلك من قبل، كنا فقط نقف موقف المتفرج منتظرين ما قد يحدث.
أنا في الواقع سعيد لأن هذه الإستراتيجية وهذا التنظيم والإصرار على أداء الرسالة المهنية قد بزغ فجره وأصبح واقعا ملموسا، وهي خطوة أولى مهمة في طريقنا للتصدي لثقافة الإفلات من العقاب على أي جرائم ترتكب بحق الصحفيين في القارة.
-
من خلال عملكم وتفاعلكم المباشر مع الصحفيين الأفارقة وأيضا اطلاعكم على تقارير المنظمات الإقليمية والدولية المختصة، هل هناك دول بالقارة السمراء يمكن أن نصفها بأنها "مناطق حمراء" تشكل تهديدا بالغا على حرية الصحافة والإعلام؟
هناك بالفعل دول شهدنا فيها وتيرة منتظمة ومتصاعدة للانتهاكات والهجمات ضد الصحفيين، فمثلا يعتبر بلدي الصومال للأسف الدولة الأكثر دموية للصحفيين في أفريقيا، هناك أيضا إريتريا التي لها سجل سيئ في انتهاك حرية الصحافة، والآن لدينا الأزمة المستمرة في السودان التي خلفت العدد الأكبر من الصحفيين النازحين إلى خارج البلد في عموم القارة.
من هنا نرى أن أزمة الصحفيين الأفارقة قد تصاعدت بالفعل، ويمكنني أن أقول إن القارة السمراء أصبحت فعليا أحد الأماكن الأكثر صعوبة وخطورة بالنسبة للممارسة الإعلامية في العالم.
-
هل تعتقدون أن تظاهرات مثل مؤتمر "سلامة الصحفيين خلال الأزمات وحالات الطوارئ" الذي حضرتموه بالعاصمة الإثيوبية كفيلة بوقف مسلسل الانتهاكات ضد الصحفيين الأفارقة وفي العالم، أم أنها مناسبات لا تأثير ملموسا لها على واقع الحريات الصحفية؟
بالعكس تماما، هذه التظاهرات تسمح لنا بتنظيم الصفوف وتعميق التفكير في السبل الناجعة الكفيلة بوقف الانتهاكات بحق الصحفيين، ومن ثم التحرك وفق المخرجات التي نصل إليها ونتفق بشأنها.
من هذا المنطلق، فإن مؤتمر أديس أبابا لمناهضة ثقافة الإفلات من العقاب محطة مهمة بالنسبة لنا جميعا لوضع تصورات المواجهة، خاصة في الدول التي وصفتموها بـ"المناطق الحمراء" التي تشكل بالفعل الخطر الأكبر على سلامة وحياة الصحفيين.
-
على ذكر "المناطق الحمراء" عالية الخطورة، بلا شك أنكم تتابعون ما يحدث لرجال ووسائل الإعلام في قطاع غزة المحاصر حيث فقد العشرات من الصحفيين حياتهم جراء الاستهداف الممنهج من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، ما رأيكم بما يحدث هناك؟
ما يحدث في قطاع غزة مجزرة وإبادة جماعية بحق الصحفيين، ما يحدث هناك لم يسبق له مثيل في تاريخنا الحديث، لم نسجل قط هذا العدد المهول من القتلى في صفوف الصحفيين والإعلاميين. والوضع هناك بالغ الخطورة، وهذا ما يزيدنا إصرارا نحن معشر الصحفيين على المضي قدما في طريقنا لوقف الانتهاكات بحق زملائنا وزميلاتنا أينما كانوا.
-
بالعودة لجزء آخر من المنطقة العربية، وأقصد هنا دول شمال أفريقيا، ما تشخيصكم لواقع الممارسات الصحفية وحرية التعبير في هذه الدول؟
دول شمال أفريقيا، مثل المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر، لا تشكل استثناء مقارنة بباقي مناطق القارة، فهي أيضا تعيش وضعا صعبا وحرجا فيما يتعلق بوضع حرية الصحافة والتعبير. والأخطاء والتهديدات بحق الصحفيين هناك هي نفسها بباقي القارة، مثل الترهيب والتخويف والعنف والاعتقال، وكل أشكال المضايقات الأخرى. لكن ما يبعث على التفاؤل برأيي -وكما قلت سابقا- هو أن الاتحادات والنقابات الصحفية هناك وفي دول أفريقية أخرى استشعرت الخطر وهي الآن في خط المواجهة الأول ضد الأنظمة المستبدة وشبكات المصالح، وتبذل كل ما بوسعها لصيانة حرية الصحافة والتعبير والحفاظ عليها. ومقاربتهم الآن أكثر فاعلية من ذي قبل وغايتها تحقيق التغيير الحقيقي المنشود.
-
هل هناك أمل في أن يتغير واقع الحريات الصحفية بالدول الأفريقية خلال السنوات المقبلة ربما، وأن نشهد بالفعل تغييرا حقيقيا ينعكس إيجابا على الممارسات الصحفية وحرية التعبير؟
يجب ألا نفقد الأمل، لأن غياب الأمل لا يمنحنا الحافز والدفعة اللازمة للمواجهة. ولدي إيمان تام بأننا قادرون على المواجهة ولدينا القدرة اللازمة على تأمين حقنا في حرية التعبير والممارسة الحرة للعمل الصحفي، مهما طال الزمن ومهما تطلب ذلك من سنوات. وأقول للذين اقترفوا جرائم بحق زملائنا الصحفيين: انتظرونا.. يوما ما سنحاسبكم وننهي مسلسل هروبكم وإفلاتكم من العقاب.