هآرتس: سياسة إسرائيلية ممنهجة لترحيل النشطاء المناصرين لفلسطين

قوات إسرائيلية تعتقل ناشطين أجانب خلال احتجاجات على هدم منازل فلسطينية في يطا قرب الخليل (رويترز)

نشرت صحيفة هآرتس تقريرا موسعا وموثقا بالشهادات، يكشف عن تصاعد حاد في عمليات ترحيل الناشطين الأجانب المؤيدين للفلسطينيين من قِبل السلطات الإسرائيلية، حيث تعكس هذه الممارسات سياسة جديدة وواضحة، يقودها وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير.

ووفقا للتقرير الذي أعدته الصحفية هاجر شيزاف، تتعاون 3 جهات إسرائيلية كبرى بشكل مباشر في تنفيذ هذه السياسة، وهي الجيش والشرطة والإدارة المدنية، مما يعزز من تنسيق الجهود لطرد النشطاء ومنعهم من المشاركة في النشاطات الداعمة للفلسطينيين.

توجيهات واضحة

أظهرت الشهادات -التي جمعتها شيزاف- أن بن غفير أصدر تعليمات جديدة تقضي بضرورة التحقيق مع النشطاء الأجانب في وحدة الجرائم الخطيرة، وهي وحدة تابعة للشرطة مسؤولة عن منطقة الضفة الغربية.

وجاءت هذه التعليمات الجديدة مع دعوات من عضو الكنيست المتطرف تسفي سوكوت، الذي يرأس لجنة برلمانية فرعية تُعنى بشؤون الضفة الغربية، وعقدت اللجنة سلسلة من الاجتماعات المكثفة مع ممثلين عن الجيش والشرطة، لدراسة سبل منع دخول النشطاء الأجانب، وتوثيق أي نشاطات يقومون بها.

وأكد قائد المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي، اللواء أفي بلوت، في رسالة للمنظمات الإسرائيلية اليسارية، أن الجيش سيمنع دخول النشطاء الأجانب إلى المناطق التي تجري فيها عمليات قطاف الزيتون، وسيطبق إجراءات صارمة لمنع أي نشاطات تثير التوتر في المنطقة.

إعلان

 

استجواب وتعذيب وترحيل

من بين أبرز القصص التي أوردها التقرير قصة جاكسون شور، قصة ناشط أميركي يبلغ من العمر (22 عاما)، وصل إلى الضفة الغربية في أغسطس/آب الماضي بهدف حماية الفلسطينيين ومساعدتهم خلال موسم قطاف الزيتون.

وفي أحد أيام الشهر الماضي، بينما كان شور يساعد الفلسطينيين بالقرب من قرية قصرة في منطقة نابلس، اقترب منه جنود إسرائيليون وطلبوا منه تسليم جواز سفره، ويصف شور اللحظة قائلا "كان الأمر سرياليا، لم أكن أعلم ما الذي يحدث"، وبعد ساعات من الاستجواب المهين، وُجهت له اتهامات بدعم حركة "حماس"، وتم إلغاء تأشيرة إقامته، ليجد نفسه في نهاية المطاف مرحّلا من البلاد.

وتحدث شور عن التجربة قائلا "خلال التحقيق، أصروا على أنني أتيت إلى هنا لأحارب اليهود، وأنني أدعم الإرهاب". وأشار إلى أن المترجمين الذين كانوا حاضرين في التحقيق قاموا بعمل سيئ، بل صاحوا عليه في بعض الأحيان.

ضغوط متزايدة

لا يقتصر الأمر على شور فقط، إذ أفادت مصادر هآرتس أن السلطات الإسرائيلية اعتقلت خلال العام الأخير 30 ناشطا أجنبيا على الأقل، معظمهم تم استجوابهم بتهم بسيطة مثل "إعاقة عمل الجنود" أو "انتهاك أوامر الإغلاق العسكري".

ورغم بساطة هذه التهم، فإن تلك الاعتقالات كانت مقدمة لترحيلهم أو إجبارهم على المغادرة، حيث تصادر الشرطة جوازات سفرهم وتطلب منهم تقديم تذاكر سفر للرحيل الفوري. وقد لجأت السلطات في بعض الحالات إلى أسلوب الضغط المباشر، من خلال منح الناشطين خيارين: إما الاحتجاز الطويل أو المغادرة الفورية.

ويورد التقرير أيضا شهادة لناشط بريطاني يدعى ليو فرانكس، تم إلغاء تأشيرته بعد اعتقاله خلال نشاط داعم للفلسطينيين في منطقة مسافر يطا. ففي جلسة الاستجواب، وجهت إليه الشرطة أسئلة توحي باتهامه بنشاطات معادية لإسرائيل، مثل "لماذا تأتي إلى إسرائيل إذا كنت تعتقد أنها تهاجم الفلسطينيين؟" و"ما السبب في قيامك بتصوير الجنود؟".

إعلان

وتظهر في التقرير أدوار مهمة للجيش والشرطة في تنفيذ هذه السياسة، حيث يوثق الجنود وُجود الناشطين ويصورون جوازات سفرهم لإحالتها إلى الشرطة، كما يتم التحقيق معهم في وحدة الجرائم الخطيرة. ووفقا للصحيفة، يعتبر التعاون الوثيق بين الجيش والشرطة حجر الزاوية في نجاح هذه السياسة، إذ يتم إعداد ملفات دقيقة عن الناشطين الأجانب الذين يُشتبه في تورطهم بنشاطات مؤيدة للفلسطينيين، ومن ثم يتم تصنيفهم كـ"داعمين للإرهاب".

عواقب وخيمة

وترى المحامية ميخال بوميرنتز، التي مثلت عددا من الناشطين المرحّلين، أن هناك ارتفاعا غير مسبوق في الاعتقالات والترحيلات للنشطاء الأجانب، مشيرة إلى أن التهم الموجهة لهم غالبا ما تكون مبنية على شبهات واهية أو تهم ملفقة. وتقول بوميرنتز: "الوضع مقلق جدا، فهو يعكس سياسات خطيرة ومبنية على اعتبارات خارجية تهدف لتقييد حقوق الإنسان وتضييق الخناق على العمل الحقوقي في المناطق الفلسطينية".

وتعكس قصص النشطاء في التقرير أن هذه السياسات الجديدة لا تستهدف فقط منع النشاطات المؤيدة للفلسطينيين، بل تهدف أيضا إلى ترسيخ الخوف في صفوف هؤلاء النشطاء وترويعهم من العودة إلى المنطقة. وتؤكد بوميرنتز أن استمرار هذه السياسات سيؤدي إلى إضعاف التضامن الدولي مع الفلسطينيين، وتضيف "تعمل الحكومة الإسرائيلية على طرد كل من يقف إلى جانب الفلسطينيين، وهم يستهدفون بذلك دعم الحقوق الإنسانية".

يُظهر تقرير هآرتس بوضوح أن سياسة ترحيل النشطاء الأجانب في إسرائيل ليست مجرد أحداث متفرقة، بل هي نتاج لتوجه سياسي متعمد تقوده الحكومة الحالية بقيادة بن غفير، وتطبقه أجهزة الدولة بشكل منظم ومنسق. ويشكل هذا التوجه تحديا كبيرا للجهود الحقوقية الداعمة للفلسطينيين، وينذر بانكماش مساحة العمل الحقوقي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

إعلان
المصدر : هآرتس

إعلان