صحف إسرائيلية عن 7 أكتوبر: كارثة تتطلب عقودا للتعافي
في الذكرى السنوية الأولى لهجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الذي نفذته المقاومة الفلسطينية في غزة ضد إسرائيل، انشغلت الصحف الإسرائيلية بتذكر أحداث ذلك اليوم باعتباره "كارثة وطنية" غير مسبوقة.
كما انشغل كُتابها بمعالجة القضية من منظور سياسي وأمني، تضمن نقدا شديدا للحكومة وافتقادها للإستراتيجية اللازمة للحرب، لكنه أظهر أيضا حالة من التوافق الإسرائيلي على الحرب رغم إخفاقاتها المتعددة.
وفيما يلي آراء أبرز كُتاب هذه الصحف:
إسرائيل خانت مواطنيها
كتب بن كسبيت، المحلل السياسي الأبرز في صحيفة معاريف، مقالا ناريا ينتقد فيه الحكومة الإسرائيلية بشدة، مؤكدا أن إسرائيل خانت مواطنيها.
ويرى كسبيت أن المسؤولية الأولى والأهم لإسرائيل الآن هي إعادة أسراها لدى حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، مهما كان الثمن.
ويصف كسبيت ما حدث منذ 7 أكتوبر بـ"الكارثة"، ويعبر عن خيبة أمله من الحكومة قائلا "لقد خانت إسرائيل مواطنيها، وعلى إسرائيل أن تعيدهم إلى ديارهم وأن تدفع الثمن الكامل للقيام بذلك. أي نتيجة أخرى غير مقبولة وستشكل انتهاكا جوهريا للتحالف الإسرائيلي بيننا وبين بلدنا".
ويوجه الكاتب انتقاداته للحكومة والسياسات التي أدت إلى ما وصفه بـ"العمى الرهيب والغطرسة والسياسة الكارثية"، التي تركت إسرائيل محاصرة بمن وصفهم بـ"الوحوش"، مشيرا إلى الإدمان على السلام المؤقت الذي لم يدم طويلا.
ويشدد بن كسبيت على أن استعادة الأسرى ليست مجرد واجب، بل ضرورة ملحة لإعادة بناء الثقة بين الدولة ومواطنيها، مبينا أنه "حتى يتم إعادة 101 إسرائيلي إلى منازلهم أو قبورهم، سيكون من المستحيل أن نتنفس الصعداء، سيكون من المستحيل الفوز، سيكون من المستحيل العودة إلى الحياة الطبيعية".
كما يُظهر الكاتب وجهة نظر متحفظة بشأن المواقف السابقة حول عدم التفاوض مع حماس، لكنه يعترف بأن الوضع الراهن يفرض موقفا مختلفا، عن صفقة الأسير الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2011 والتي تم فيها تحرير أكثر من أسير فلسطيني من سجون الاحتلال، ويقول إن "الوضع الآن مختلف تماما بعد أن تلقت حماس ضربات قوية"، حسب زعمه.
وفيما يشدد كغيره من الإسرائيليين على أن المهمة الآن هي استكمال هذه العملية الحاسمة بإصرار، فإنه يرى أن الخطر يكمن في تقاعس إسرائيل عن استعادة أسراها، محذرا من أن هذا الوضع سيهدد العلاقة الأساسية بين الدولة ومواطنيها، ويقول "علينا أن نغلق هذا الملف وأن نكون مستعدين لدفع الأثمان حتى ولو كانت عالية".
فقدان الأمن الشخصي
أما المحللة السياسية سيما كدمون، فقد تناولت في مقالها بصحيفة يديعوت أحرونوت العواقب النفسية والمجتمعية للسابع من أكتوبر على الإسرائيليين، مؤكدة أن التأثير العميق تجاوز الحوادث الفردية ليشمل المجتمع بأكمله.
وتوضح كدمون أنها كانت تبحث عن القاسم المشترك بين جميع الإسرائيليين الذين فقدوا الثقة في النظام والدولة، مشيرة إلى أن هذا الشعور بالفقدان يطال الجميع، حتى أولئك الذين لم يتأثروا بشكل مباشر.
وتشير كدمون إلى أن المجتمع الإسرائيلي يعاني من "صدمة وطنية" منذ وقوع الأحداث، مشددة على أن هذا الألم ليس مقصورا على أسر المختطفين أو القتلى، بل يمتد ليشمل أولئك الذين يشعرون بأنهم ضحايا حتى دون أن يكونوا قد فقدوا أحدا من معارفهم.
وتقول "القاسم المشترك هو فقدان الأمن الشخصي، مما أدى إلى فقدان الثقة، لأن النظام والدولة والجيش الذين كان من المفترض أن يحمونا ويحذرونا ويتصرفوا قد فشلوا جميعا".
وتضيف "الشعور الأساسي الذي استندت إليه حياتنا هنا، أن هناك من يحمينا قد تحطم".
كذلك، تُلقي كدمون باللوم على المستوى السياسي، مشيرة إلى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي كان في منصبه على مدى 15 عاما يجب أن يتحمل المسؤولية، وأن القيادة السياسية برمتها تتحمل جزءا من هذا الفشل.
وترى أن هذا اليوم يمثل انهيارا على مستوى الثقة الوطني، مؤكدة أن "الاحتفال الرسمي يهدف إلى وضعنا في النوم، ونسيان من تسبب بكل ما حصل".
وتختتم بالقول إن الذكرى ليست مجرد مناسبة لاستذكار الضحايا، بل هي دعوة لإدراك عواقب الفشل المؤسسي، مشيرة إلى أن هذه الذكرى تظل تذكيرا دائما باليوم الذي انهارت فيه الثقة، ليس فقط في الحكومة ولكن في المنظومة ككل.
اعتماد إسرائيل المزعج على الولايات المتحدة!
ويتناول المحلل العسكري الأبرز في يديعوت أحرونوت ناحوم برنياع الانتقادات والتحفظات على أداء القيادة الإسرائيلية خلال العام الماضي، ويشير إلى أن هذه الحرب مختلفة عن كل الحروب السابقة التي خاضتها إسرائيل.
ويتساءل عما إذا كانت هذه الحرب ستؤدي إلى "نظام جديد في الشرق الأوسط" أو أنها ستكون "عام الفرصة الضائعة".
يقارن برنياع الوضع الحالي بإحدى أشهر عبارات ونتسون تشرشل في الحرب العالمية الثانية التي قال فيها "لم يسبق أن كان الكثير مدينا بالكثير لقلة قليلة"، مشيرا إلى أنه، على العكس من ذلك في إسرائيل، فإنه "لم يسبق أن أعفى عدد قليل جدا أنفسهم من هذا القدر من الديون للكثيرين".
ويعبر عن شكه من خروج إسرائيل من هذه الحرب بأي حكمة أو درس، ويرى أن القليلين في الحكومة تمكنوا من إعفاء أنفسهم من مسؤولية كبيرة تجاه الكثيرين، مشيرا إلى أن الأضرار التي لحقت خلال الساعات الأولى من الهجوم لا يمكن إصلاحها.
وينتقد برنياع حالة الانقسام والاضطراب داخل الحكومة، حيث لم يتخذ رئيس الوزراء إجراءات واضحة، في حين أن وزير الدفاع يبدو غير واثق بقرارات رئيس الوزراء.
ويقول إن نتنياهو يصف الحرب بعبارات منظمة ومنمقة، لكن لا توجد علاقة حقيقية بين وصفه والواقع، ويقول "هذه حرب غريبة: إنها تشن ضد منظمات إرهابية تتحكم في أراض وتعتمد على طهران"، مشيرا إلى أن الطموحات في التخلص من نفوذ إيران تبدو بعيدة المنال طالما أنها تمسك بمفاتيح الصراع.
كما يعبر برنياع عن استغرابه من أن هذه الحرب تكشف عن اعتماد إسرائيل المتزايد على الولايات المتحدة، وهو اعتماد يعيدنا إلى أزمات مضت حيث كانت إسرائيل بحاجة ماسة للدعم الأميركي.
ويشير المحلل العسكري الإسرائيلي إلى توحد الإسرائيليين في هذه الحرب، ويقول "قيلت أشياء كثيرة لصالح الحكومة وضدها تقريبا، ولكن لم تسمع أي تغريدة تقريبا في إسرائيل ضد الحرب نفسها واستمرارها، لا على جبهة غزة، ولا على الجبهة اللبنانية ولا على الجبهة الإيرانية"
لكنه يؤكد في الوقت ذاته التناقض ما بين الموقف في إسرائيل والموقف في الغرب الذي يعبر عن انتقادات قاسية لها، مختتما بأن حالة الوحدة الداخلية والتعبئة الواسعة بين الإسرائيليين، كشفت عن ضعف القيادة.
ويقول "بينما يستمر الجيش في حملاته ضد حزب الله في لبنان، لا تزال هناك أسئلة كبيرة حول نهاية هذه الحرب وإستراتيجية الخروج منها".
عقود عديدة للتعافي
ويستعرض عاموس هرئيل في مقاله بجريدة هآرتس تقييما للأوضاع بعد مرور عام على أحداث 7 أكتوبر، مشيرا إلى أن الفشل الذريع الذي شهدته إسرائيل آنذاك سيظل يلاحقها لسنوات، رغم بعض الإنجازات العسكرية التي حققتها ضد حماس في غزة وحزب الله في لبنان.
ويصف هرئيل الأوضاع الأمنية الحالية في إسرائيل بالمتدهورة والمعقدة، إذ لم تحل إسرائيل حتى الآن مشكلة الأسرى لدى حماس، ولم تستطع استعادة الهدوء على الحدود اللبنانية.
ويضيف "تمكنت حماس من الحفاظ على حكم فعال إلى حد ما في معظم أنحاء قطاع غزة، حيث تسيطر قوات جيش الدفاع الإسرائيلي على محور فيلادلفيا وممر نتساريم ومحيط يبلغ عرضه حوالي كيلومتر واحد وراء السياج الحدودي".
وأضاف أن اضطرار الجيش الإسرائيلي للهجوم مرة أخرى على شمال قطاع غزة بالأمس يؤكد أن الحرب لم تحسم بعد، بما يشير إلى فشل ذلك في الضغط على حماس للعودة إلى المحادثات بشأن صفقة الرهائن.
ويشير هرئيل إلى أن القوات الإسرائيلية تقوم حاليا بتهجير شمال غزة للضغط على قيادة حماس، بينما تجري في لبنان عمليات هجوم مكثفة بهدف تدمير قواعد حزب الله.
وفيما يتعلق بإيران، تعهدت إسرائيل بالرد على الهجمات الصاروخية الأخيرة، إلا أنه يعتبر أن "هذه التحركات لن تحقق نهاية قريبة للنزاع، بل قد تدفع إيران لتسريع برنامجها النووي، مما قد يسبب اضطرابات أوسع نطاقًا في المنطقة".
ويرى أن الأحداث التي جرت تسببت في انهيار الثقة العامة بالدولة ومؤسساتها الأمنية، "فإسرائيل التي لطالما افتخرت بتفوقها الاستخباراتي، تعرضت لصدمة بسبب فشل الجيش في التصدي لهجمات حماس".
ويضيف "هذه النكسة الكبرى هي التي دفعت نتنياهو لمزيد من التحريض ضد المعارضين داخل الجيش، وللتقليل من شأن التحذيرات التي صدرت من المسؤولين العسكريين حول التهديدات المتزايدة من غزة ولبنان".
ويختم هرئيل مقاله بالإشارة إلى أن نتنياهو الذي قاد إسرائيل إلى هذه الأزمة لم يتحمل أدنى مسؤولية، ويظل غير مكترث بإجراء تغييرات جوهرية في قيادته.
وبرأيه، فإن هذه اللامبالاة العامة من قبل الشعب هي "حالة خطيرة يمكن أن تقود إسرائيل إلى مزيد من الفشل والإخفاقات، ستحتاج إلى عقود للتعافي منها".
أحلك يوم في تاريخ البلاد
من جانبه، وصف الكاتب والمحلل السياسي يوآف ليمور -في مقاله بصحيفة إسرائيل اليوم- كيف أن هذا اليوم ترك جرحا عميقا في المجتمع الإسرائيلي وأحدث تغييرات جذرية.
ويرى ليمور أن تلك الأحداث "تمثل أحلك يوم في تاريخ البلاد"، حيث وقفت إسرائيل بكل قوتها عاجزة، ولم يُظهر أحد أي رغبة حقيقية بالتحقيق في أسباب الفشل.
ويشير إلى أن التراخي الاستخباراتي والتقصير العسكري في التنبؤ بالخطر القادم من حماس كانا عاملين أساسيين في وقوع المأساة، إضافة إلى حجم الفشل الأمني الذي سمح بحدوث هذا الهجوم المدمر، واصفا الأحداث بأنها "تركت أثرا لا يمكن هضمه أو نسيانه".
وفيما يتساءل عن غياب المحاسبة على مستوى القيادة السياسية، يعبّر الكاتب عن قلقه من الغرور الذي أدى إلى الفشل، محذرا من العودة السريعة للحالة القديمة دون تعلم الدرس.
ويضيف "مر عام اليوم، لندرك أننا كنا متعجرفين، واعتقدنا أننا نعرف كل شيء".
وفي الختام، يشير ليمور إلى أن إسرائيل انتهت من عام مليء بالتحديات، لكنها لم تنتهِ حقا من هذه الأزمة، ولا يزال الكثير من الأسئلة بلا إجابات، مما يترك الإسرائيليين في حالة من انتظار المجهول.