منتدى الجزيرة الـ14: العالم سيكون أكثر أمنا بتسوية الحرب الروسية الأوكرانية سياسيا
نظّمت شبكة الجزيرة الإعلامية، في العاصمة القطرية الدوحة، منتداها الـ14 يومي 11 و12 مارس/آذار الجاري، تحت عنوان "الشرق الأوسط في سياق حرب روسيا على أوكرانيا.. أزمات متفاقمة وتحديات ماثلة"، بمشاركة نخبة من الباحثين والسياسيين والخبراء.
وناقش المنتدى، عبر 6 جلسات، التداعيات المباشرة وغير المباشرة للحرب الروسية الأوكرانية، سواء على طرفيها الرئيسييْن، أو على غيرهما ممن تأثروا بها سلبيا أو إيجابيا. وقدّم المشاركون، ضمن هذا السياق، قراءاتهم لخريطة توزيع القوى في العالم بعد عام من تلك الحرب.
وافتتح رئيس مجلس إدارة شبكة الجزيرة الإعلامية الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني المنتدى، وأعرب في كلمته عن أهمية الموضوع الذي يتصدى المنتدى لمناقشته، خاصة بعد أن امتدت تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية إلى دول الجوار، وأدت إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتدفق اللاجئين واشتداد أزمة الطاقة، وألقت بظلالها الكثيفة على العلاقات الدولية، مشيرًا في هذا السياق إلى ما أوجدته تلك الحرب من فرص للدول المصدّرة للطاقة، وما استحدثته من تحديات للدول المستوردة للطاقة والغذاء في الآن ذاته.
من ناحية أخرى، أكد الشيخ حمد بن ثامر على أهمية التقارب السعودي الإيراني الذي أُعلن عنه مؤخرًا، وقال: إنّ من المهم أن يحظى هذا الموضوع بالنقاش المعمق على مائدة منتدى الجزيرة الـ14.
واختتم الشيخ حمد كلمته بالحديث عن تغطية شبكة الجزيرة للحرب الروسية على أوكرانيا، مشيرا إلى التزامها بالموضوعية والحياد، وتمسكها بالمعايير المهنية التي جعلت من شاشاتها ومنصاتها مقصدًا للباحثين عن المعلومة الدقيقة والتحليل العميق.
مصلحة الخليج في إنهاء الحرب سلميًّا
من جانبه، أكد الدكتور ماجد الأنصاري، مستشار رئيس الوزراء وزير الخارجية والمتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية، في كلمة المنتدى الرئيسية على خطورة الحرب الروسية الأوكرانية على أمن العالم، وشدَّد على أهمية التوصل إلى حلٍ سلمي لتلك الحرب.
وقال الأنصاري في هذا السياق: إنّ قطر منذ بداية الأزمة أكدت على أهمية الحل السلمي، وخفض التصعيد، لإدراكها خطورة الأمر على أوروبا والعالم. وأضاف أن الدوحة أخذت على عاتقها، ومنذ بداية الحرب، الوفاء بالتزاماتها تجاه أمن الطاقة العالمي، ولاسيما المتعلق منه بالغاز.
واختتم الأنصاري كلمته بالإشارة إلى ضرورة مراعاة المجتمع الدولي أزمات وقضايا أخرى لا تقل خطورةً عن الأزمة الأوكرانية كالقضية الفلسطينية على سبيل المثال، وأهمية إيجاد تسوية سلمية عادلة لهذه القضية، تفضي في النهاية إلى عودة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
خلاصة الجلسات
وبعد كلمتي الافتتاح، بدأت جلسات المنتدى التي استمرت على مدى يومين، وشارك فيها باحثون وخبراء من جنسيات مختلفة وذوو توجهات فكرية ومشارب سياسية متعددة، وخلصوا إلى جملة من الآراء، أبرزها أن الحرب الدائرة في أوكرانيا هي حرب بالوكالة بين روسيا والغرب، وأنها لن تغيّر طبيعة النظام الدولي تغييرًا جذريا، لكن ربما تعيد تشكيله نسبيّا ليصبح أكثر تعددية.
وأشارت الجلسات إلى أنه رغم الاستنزاف الجاري لكل من روسيا والغرب، واشتداد وطأة الحرب على كليهما، فإن الغرب سيبقى قويًّا ومتماسكا، مما يعني أن الخاسر الأكبر، إذا طال أمد الحرب، سيكون الاتحاد الروسي.
وأبانت نقاشات الجلسات عن أن ثمة دولًا استفادت من تلك الحرب مثل الولايات المتحدة الأميركية التي عززت قيادها للنظام الدولي، ومثل الصين التي ترى في استنزاف الغرب دعمًا لصعودها الهادئ صوب قيادة النظام الدولي، أو على الأقل نحو تبوؤ مكانة متقدمة على قمته، ومثل تركيا أيضا التي تَحسَّنَ موقعها الجيوسياسي، خاصة بعد اتفاقية ممر تصدير الحبوب، والحال نفسه بالنسبة إلى إيران التي وثَّقت الحرب من علاقاتها مع روسيا على الصعيدين العسكري والاقتصادي، فضلًا عن الدول الخليجية المصدّرة للنفط.
رغم ذلك، فإن هناك الكثير من دول العالم تضررت من تلك الحرب؛ خاصة بعد اضطراب سلاسل توريد الغذاء وارتفاع أسعار الطاقة، الأمر الذي انعكس سلبًا وأدى إلى تدهور قيمة عملاتها الوطنية وارتفاع مديونيتها، مما ينذر بحدوث اضطرابات سياسية واجتماعية إن استمر أمد تلك الحرب.
وأوضحت جلسات المنتدى أن من مصلحة دول الخليج -على وجه الخصوص- إنهاء تلك الحرب وعودة الأمن والسلم إلى العالم، رغم ما قد يبدو في الظاهر من إفادتها نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة، وذلك لأنه، على المدى البعيد، ستؤدي الحرب إلى زعزعة الاستقرار العالمي، وزيادة حدة الاستقطاب بين قواه المؤثرة، وهو ما ينعكس سلبًا على الدول الخليجية. لذلك خلص المنتدى إلى أن المصلحة الخليجية تقتضي الوقوف على الحياد والابتعاد عن الاستقطاب الإقليمي والدولي، والتصرُّف في الموارد الطبيعية والمالية وفقًا لما تمليه مصلحة الشعوب الخليجية.
وتطرقت الجلسات أيضا إلى طبيعة التغطية الإعلامية والتحديات التي تواجه المراسلين الميدانيين، ومن ذلك -على سبيل المثال- التحدي الأمني الذي يهدد حياة المراسل في تلك المناطق الخطرة، والتحدي المهني الذي قد يدفع أطراف الصراع لأن يَعدُّوا ما يقدمه الصحفي دعاية ضدهم، فضلًا عن التحدي المعرفي الذي يضطر المراسل لأن يثقف نفسه في الوقت الذي يثقِّف المتلقين وينقل الأخبار لهم، بالإضافة إلى التحدي النفسي الناجم عن صعوبة المشاهد الإنسانية التي يراها المراسل، والتي تبقى عالقة بذهنه لمدة طويلة بعد التغطية.
وأشار المنتدى إلى طبيعة تغطية شبكة الجزيرة في هذا السياق، وخلص إلى أن التغطية تميزت بالتوازن والموضوعية والمهنية والحياد، وتميزت أيضًا بالجرأة والمبادرة والوصول إلى خطوط النار الأمامية لتقديم صورة إلى المشاهد أقرب إلى الواقع، وأوضح أن تلك التغطية استلزمت إرسال الصحفيين الأكفاء إلى مناطق النزاع، وتأمين سلامتهم الجسدية والنفسية أثناء وبعد التغطية.
وأوصى المنتدى بالتوسع في إفادة وسائل الإعلام التي تغطي الحرب مما يمكن أن تقدمه بعض المنظمات والهيئات ذات الصلة، مثل الصليب الأحمر والمعهد الدولي للصحافة، خاصة فيما يتعلق بحقوقهم بصفتهم إعلاميين ومدنيين موجودين في أماكن النزاعات والحروب.
يُذكر أن جلسات منتدى الجزيرة الـ14 قد بُثَّت على شاشة الجزيرة مباشر والمنصات الرقمية للمنتدى ولمركز الجزيرة للدراسات، ويمكن متابعة تفاصيل ما شهدته تلك الجلسات من مداخلات ونقاشات عبر الرابط التالي: https://www.youtube.com/@aljazeeraforum/streams