رابطة "آسيان" تبحث التوترات في المنطقة الإستراتيجية وتوجه رسالة لقادة ميانمار

ASEAN Foreign Ministers Retreat in Jakarta
دول آسيان تسعى لتعزيز الاستقرار والأمن الإقليمي في ظل التوترات التي تشهدها المنطقة (الأناضول)

جاكرتا– اختتم وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) أول اجتماعاتهم هذا العام في مقر الأمانة العامة للرابطة التي دخلت عامها الـ56، حاملين معهم مهام ثقيلة لمواجهة الوضع الدامي في ميانمار بعد مضي عامين على الانقلاب العسكري فيها.

كما بحثوا تعزيز الاستقرار والأمن الإقليمي باعتباره شرطا لازما للدفع بعجلة النمو الاقتصادي في المنطقة التي تعد إحدى أهم بؤر التنمية الاقتصادية في العالم.

الحوار بدلا من الصراع

وفي افتتاح مؤتمر الرابطة، دعت وزيرة الخارجية الإندونيسية ريتنو مرسودي إلى أن تسهم آسيان في تعزيز "الثقة الإستراتيجية" بدلا من "تراجع الثقة" بين الدول إقليميا، وأن تتغلب "روح الشراكة على الاحتواء".

وأشارت إلى أن مزيدا من الدول من غير الأعضاء الأساسيين في الرابطة تتقدم للانضمام إلى منتدى شركاء الحوار الموسع لرابطة "آسيان"، وأن ذلك يؤكد أهمية الرابطة وحضورها وتأثيرها الإقليمي.

وأكدت مرسودي ضرورة استثمار "ثقة المجتمع الدولي بآسيان في مواصلة أداء دورها كمرتكز للاستقرار والسلام الإقليمي"، سعيا لتشكيل منظومة إقليمية تشمل الجميع في المنطقة.

وتتوسط دول منطقة آسيان الـ11 موقعا جغرافيا بين الصين واليابان وشبه الجزيرة الكورية في الشمال الشرقي وأستراليا ونيوزيلندا في الجنوب، والهند غربا، وهو ما يعطي لموقعها بعدا إستراتيجيا مهما في صياغة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية في المنطقة.

وتشهد منطقة المنظمة توترا إقليميا على صعد مختلفة، أبرزها التوسع الجيوسياسي والعسكري وتزايد النفوذ الاقتصادي الاستثماري الصيني في جنوب شرقي آسيا، مقابل سعي الولايات المتحدة إلى استعادة حضورها في المنطقة، وآخر مظاهر ذلك حصولها على موافقة الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس -قبل يوم من بدء من اجتماع وزراء خارجية آسيان- على زيادة عدد القواعد العسكرية في الفلبين من 5 إلى 9 قواعد.

وتعد هذه الموافقة تحولا عسكريا وجيوسياسيا مهما يعيد للولايات المتحدة حضورا تدريجيا بارزا وتاريخيا منذ تراجعه عام 1992 في الفلبين، رغم عودة الحضور الأميركي على نحو متقطع بعد ذلك، وتعد هذه الخطوة جزءا من تعزيز ما يعرف باتفاقية تعزيز التعاون الدفاعي بين مانيلا وواشنطن أو الحلف بينهما، وهو الحلف الأهم بين الولايات المتحدة وأحد أعضاء رابطة آسيان.

قواعد سلوك بحر جنوب الصين

وفي الإطار الإقليمي نفسه، قالت الوزيرة الإندونيسية إن المشاورات بشأن التوصل إلى "مدونة لقواعد السلوك" في بحر جنوب الصين ستستأنف مجددا في شهر مارس/آذار القادم بمشاركة دول آسيان والصين، وهي المشاورات التي بدأ الحديث والمداولات بشأنها منذ عام 1992، وما تحقق منها حتى الآن أشبه بمسودة أو اتفاق إطار يعرف بإعلان حول سلوك الأطراف عام 2002.

وتعد المشاورات بشأن بحر جنوب الصين -الذي تسمي إندونيسيا الجزء الجنوبي منه بحر ناتونا الشمالي- من أعقد المفاوضات الإقليمية وأطولها زمنا في تاريخ رابطة آسيان، مع وجود كثير من الاختلافات في التفسيرات القانونية وفي ظل التنازع على السيادة بين الصين وعدد من دول الرابطة.

وفي الجانب الآخر، تسعى الولايات المتحدة وبمستوى أقل اليابان وحتى الاتحاد الأوربي وأستراليا إلى الحضور بشكل أو بآخر في مسرح الأمن والاستقرار في بحر جنوب الصين وهو جزء المنطقة الأوسع التي باتت تعرف سياسيا وأكاديميا بالمنطقة الواقعة بين المحيطين الهندي والهادي، ولكل من هذه الأطراف تصورات بشأن مستقبل هذه المنطقة تحدث عنها مسؤولها في السنوات القليلة الماضية.

ميانمار.. الملف الأعقد

ورغم غياب ميانمار عن اجتماع الرابطة، كانت حاضرة وبقوة على جدول أعمال المؤتمر وفي نقاش الدول الأعضاء، فقد حث المجتمعون على ضرورة تحقيق النقاط الخمس المتفق عليها بين قادة آسيان في أبريل/نيسان 2021 بشأن الأزمة في ميانمار والتي تسعى إلى وقف العنف والمواجهات وإيصال المساعدات للمدنيين وتهيئة الظروف لحوار وطني تشارك فيه الأطراف كافة.

وكانت رابطة آسيان قد دعت ميانمار إلى المشاركة في الاجتماعات بممثلين غير سياسيين -من غير القادة السياسيين والعسكرين الحاكمين للبلاد- لكن ذلك لم يلق استجابة لدى المجلس العسكري الحاكم لميانمار منذ الانقلاب الذي وقع في مطلع فبراير/شباط 2021

وأكدت الوزيرة مرسودي، بعد انتهاء أعمال المؤتمر، الموقف الموحد لدول آسيان بشأن ميانمار، مشيرة إلى أن دول الرابطة تدعم إندونيسيا في مسعاها لحل الأزمة السياسية في ميانمار عبر تأسيس مكتب لمبعوث خاص لميانمار يشارك في تفعيله دبلوماسيون وعسكريون.

قتلى ودمار

وتتفاوت التقديرات بشأن ضحايا الصراع الدائر بين الجيش الميانماري من جهة ومجموعات مسلحة معارضة وتنظيمات مسلحة تمثل القوميات والأقليات من جهة أخرى، ومن بين تلك التقديرات ما أشار إليه تقرير لـ"شبكة حقوق الإنسان في بورما" وثق مقتل 3160 مدنيا بين الأول من فبراير/شباط 2021 -أي يوم الانقلاب- وحتى نهاية عام 2022.

وفي تصريحات للجزيرة نت، قال تشياو وين رئيس المنطمة الحقوقية "إن أكثر من 46 ألف منزل أُحرق أو دُمّر، والضحايا من مختلف القوميات والأقليات المسيحية والبوذية والمسلمة".

وكان تقرير أممي صدر في ديسمبر/كانون الأول الماضي قد أشار إلى أن 72 ألف ميانماري تقريبا فرّوا إلى الدول المجاورة منذ الانقلاب وحتى نهاية العام الماضي، أما النازحون محليا فتقديرات الأمم المتحدة تشير إلى أنهم تجاوزا المليون و140 ألف نازح، إلى جانب 300 ألف كانوا في عداد النازحين جراء صراعات سابقة.

المصدر : الجزيرة