تونس.. قاض يقرر سجن معارضين واتحاد الشغل يؤكد: لن نقبل الاستبداد
أصدر قاض السبت بطاقات إيداع في السجن بحق معارضين للرئيس التونسي قيس سعيّد، وفي حين تتوسع حملة الاعتقالات نظم الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر نقابة عمالية في البلاد) احتجاجات جديدة، وقال إنه لن يقبل الاستبداد.
فقد أصدر قاضي التحقيق في القضية -التي باتت تعرف في تونس بـ"التآمر على أمن الدولة"- بطاقات إيداع جديدة بالسجن في حق القياديين في جبهة الخلاص الوطني المعارضة جوهر بن مبارك وشيماء بن عيسى. وكان قرر قبل ذلك سجن كل من خيّام التركي وعبد الحميد الجلاصي الموقوفين على ذمة القضية منذ أكثر من أسبوع.
كما أصدر قاضي التحقيق بطاقة مماثلة في حق الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي. وفي غضون ذلك، اعتقلت قوات الأمن مساء الجمعة القيادي في جبهة الخلاص رضا بحاج، والأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي بعد دهم وتفتيش منزليهما.
وكان الشواشي -وهو وزير سابق لأملاك الدولة- قد استدعي الاثنين الماضي للتحقيق في دعوى جديدة رفعتها عليه وزيرة العدل ليلى جفال على خلفية تصريحات إعلامية.
وقال محامو المعتقلين في ما يعرف بقضية التآمر على أمن الدولة إن موكليهم أُوقفوا بسبب لقاءات علنية تستهدف توحيد المعارضة.
وصباح السبت، أعلن عدد من أعضاء فريق الدفاع عن الموقوفين في هذه القضية أن الهيئة قررت مقاطعة الترافع لانتفاء أبسط شروط المحاكمة العادلة، بالإضافة إلى قناعة المحامين بأن قرارات الإيداع بالسجن ليست قضائية بل سياسية.
ونددت حركة النهضة بشدة بتوسع ما وصفتها بحملة الاعتقالات العشوائية التي طالت رموزا في المعارضة ونقابيين وإعلاميين ورجال أعمال، وطالبت بإطلاق سراح المعتقلين، وحمّلت الرئيس سعيد وحكومته المسؤولية عن سلامتهم الجسدية هم وأهاليهم.
كما ندد حزب التيار الديمقراطي بما سماها حملة الاعتقالات الممنهجة التي ترمي إلى تصفية المعارضة، وفق تعبيره.
وكان رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي قال الجمعة إنهم سينظمون مظاهرة كبرى بالعاصمة تونس في الخامس من مارس/آذار المقبل، للمطالبة بإطلاق سراح الموقوفين.
نور الدين البحيري
في الأثناء، حمّلت حركة النهضة الرئيس قيس سعيد وقاضي التحقيق المكلف بقضية نورالدين البحيري القيادي في الحركة مسؤولية سلامته الجسدية بعد نقله إلى قسم المستعجلات بأحد مستشفيات العاصمة.
وأوضحت الحركة أن الحالة الصحية للبحيري تدهورت نتيجة هبوط حاد في الدورة الدموية وأوجاع حادة بالصدر بسبب الإضراب عن الطعام الذي يخوضه احتجاجا على محاولة التصفية التي يتعرض لها.
وطالبت حركة النهضة بالإفراج عن نور الدين البحيري فورا والكف عن التنكيل والتشفي برموز المعارضة، حسب تعبيرها.
احتجاجات اتحاد الشغل
ونظم الاتحاد التونسي للشغل السبت تحركات احتجاجية في محافظات عدة، ضمن سلسلة تحركات أقرتها الهيئة الإدارية للمنظمة النقابية للتنديد بتردّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والحريات.
وندد المتظاهرون بما سموه استهداف السلطة للحريات النقابية والحريات بشكل عام وسعيها للتضيق على العمل النقابي عبر الملاحقات القضائية لعدد من المسؤولين النقابيين.
وقال المتحدث باسم اتحاد الشغل سامي الطاهري -خلال مشاركته في تجمع عمالي بمحافظة باجة (شمال) إن تونس في خطر، وإن الاتحاد لن يقبل الاستبداد وسيواجهه لأنه يؤذن بالخراب، على حد تعبيره.
ورأى الطاهري أن الحكومة الحالية تسير على خطى الحكومات السابقة نفسها في برنامج التفقير والتجويع عبر رفع الدعم عن المواد الأساسية وإبرام الاتفاقات السرية مع صندوق النقد الدولي.
وشدّد المتحدث على أن الحوار الذي يدعو إليه الاتحاد يهدف إلى إنقاذ البلاد وليس إنقاذ المنظومات السابقة. وكان الطاهري قال قبل ذلك إن الاتحاد مع القضاء المستقل ولن يقبل أي محاولة للزج بالنقابيين في السجون.
إعادة اعتقال قاض
من جهة أخرى، أكدت زوجة القاضي المعزول بشير العكرمي إيقاف زوجها ونقله من مستشفى الأمراض العقلية بضواحي العاصمة إلى مقر أمني من دون إذن قضائي بإيقافه.
وكان العكرمي أشار في تسجيل مصور من داخل مستشفى الرازي للأمراض العقلية إلى إمكانية "اختطافه" من جديد، موجها نداء استغاثة للتدخل لوضع حد لما وصفها بالمهزلة في حقه، وفق تعبيره.
يأتي ذلك في وقت تستمر فيه حملة الاعتقالات التي بدأتها السلطات هذا الشهر، وشملت معارضين وشخصيات قضائية وإعلامية، وسط تواصل الصمت الرسمي بشأن طبيعة التهم والتفاصيل التي تخص الاعتقالات.
ولم توجه بعد أي اتهامات للعكرمي الذي كان مسؤولا عن ملف اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد عام 2013، وتتهمه أحزاب يسارية بإخفاء أدلة من أجل التغطية على "تورط جهة سياسية" في الاغتيال، وفق تعبيرها.
وفي البيان الذي أصدرته أمس، طالبت حركة النهضة بإطلاق القاضي العكرمي، وقالت إنه مهدد بالتصفية الجسدية للتخلص من أهم شهود في أخطر ملفات الإرهاب، وفق تعبيرها.
فتح الملفات
في المقابل، شدد الرئيس قيس سعيد مساء أمس على ضرورة فتح كل الملفات، خاصة تلك المتعلقة بالفساد، ومحاسبة كل من أجرم في حق الشعب التونسي، وفق تعبيره.
واتهم سعيّد -في اجتماع مع وزير الصحة علي مرابط- أطرافا لم يسمها بافتعال العقبات أمام تنفيذ جملة من المشاريع التي تأخر إنجازها، منها مستشفى الملك سلمان بن عبد العزيز في ولاية القيروان (وسط).
قلق دولي
وفي ردود الفعل الدولية، أعرب ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة الجمعة عن قلق منظمته إزاء التطورات الأخيرة في تونس، لا سيما حملة الاعتقالات التي وصفها بالتعسفية، وتقلص المساحة المتاحة للمجتمع المدني والصحفيين في البلاد.
وأعربت الخارجية الفرنسية عن قلقها من موجات الاعتقالات في تونس، ودعت السلطات التونسية إلى ضمان احترام الحريات، لا سيما حرية التعبير.
كما طالبت الخارجية الفرنسية بالحفاظ على الإنجازات الديمقراطية التي تحققت في تونس منذ عام 2011.