وسط تنديد بالاعتقالات واتهامات للموقوفين بالتآمر على أمن الدولة.. تونس تعلن القبض على خلية تنتمي لتنظيم الدولة

أعلنت السلطات التونسية اليوم الأربعاء القبض على ما وصفتها بخلية إرهابية تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية شمالي البلاد، وقالت إنها كانت تخطط لاغتيال رجال أمن خلال الدور الثاني للانتخابات التشريعية في يناير/كانون الثاني الماضي.
ويأتي هذا الإعلان وسط تنديد أممي وآخر من المعارضة في الداخل بالاعتقالات "التعسفية" التي طالت شخصيات سياسية وإعلامية خلال الأيام الماضية، ووسط اتهام الرئيس التونسي قيس سعيد الموقوفين مؤخرا بأنهم متورطون في التآمر على أمن الدولة ومسؤولون عن أزمات توزيع المواد الغذائية ورفع أسعارها.
وذكرت وزارة الداخلية في بيان اليوم أنه تم "الكشف عن خلية تكفيرية مبايعة لما يسمى تنظيم داعش الإرهابي وإحباط مخططها المتمثل في تنفيذ عمليات اغتيال لأمنيين بولاية بنزرت (شمال) يوم الانتخابات التشريعية في دورها الثاني (29 يناير/كانون الثاني الماضي)".
وأوضح البيان أنه تم القبض على كامل عناصر الخلية، دون ذكر أعدادهم أو هوياتهم، مشيرا إلى أنه تم إحالتهم إلى النيابة العامة بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب، والتي "فتحت تحقيقا في الغرض وأصدرت بطاقات إيداع بالسجن في شأنهم".
وطوال 2022 كانت السلطات التونسية تعلن من حين إلى آخر ضبط "خلايا إرهابية" تتبع لتنظيم الدولة الإسلامية في البلاد، وكانت آخر عملية ضبط في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
تنديد بالاعتقالات "التعسفية"
ويأتي هذا الإعلان مع تواصل استنكار المعارضة والأمم المتحدة حملة الاعتقالات "التعسفية" التي طالت شخصيات سياسية وإعلامية في هذا البلد المنهك بسبب تواصل الأزمات.
وانطلقت حملة الاعتقالات السبت الماضي بتوقيف 10 شخصيات، أغلبيتها من المعارضين المنتمين لحزب النهضة، وتم اقتيادهم قسرا من منازلهم، بحسب محاميهم، كما تم توقيف مدير محطة "موزاييك إف إم" الإذاعية المحلية البارزة ورجل أعمال مؤثر في الأوساط السياسية.
ونددت "جبهة الخلاص الوطني" -وهي أهم تكتل لأحزاب معارضة في تونس اليوم الأربعاء- بالاعتقالات، واعتبر رئيس الجبهة أحمد نجيب الشابي في مؤتمر صحفي أن "الإجراءات عنيفة ودون سند قانوني"، وقال إن "هذا التخبط واللجوء إلى العنف سيزيدان الأمور تعفنا".
واعتبر الشابي أن هذا "الانتقام" من المعارضين السياسيين و"استخدام القمع" -حسب قوله- يبرهنان على "ارتباك" سياسة الرئيس قيس سعيد الذي يحتكر السلطات في البلاد منذ 25 يوليو/تموز 2021.
وأضاف أن "البلاد في أزمة، والحكومة لا تفكر إلا في التخلص من معارضيها"، داعيا جميع الأحزاب السياسية إلى الوحدة لإخراج البلاد من هذا الوضع.
من جهته، استنكر الاتحاد العام التونسي للشغل في بيان ما وصفها بحملات الاعتقال العشوائية التي طالت العديدين، وما شابها من خروقات قانونية وتجاوزات إجرائية ومحاولات تلفيق التهم وحملات تشهيرية في ظل التعتيم الكامل وغياب أي معلومة رسمية عن طبيعة التهم ومآلات التحقيق، حسب قوله.
وشدد البيان على أن المحاسبة الحقيقية ضرورية، ولكنها يجب أن تقوم على قاعدة احترام القانون وضمان الحق في محاكمة عادلة وشفافة ورفض تصفية الحسابات السياسية عبر توظيف القضاء والتنكيل بالخصوم.
واعتبر الاتحاد أن ما يحاك ضد الإعلام العمومي والخاص من حصار واعتقالات وصل حد اعتقال مدير عام محطة "موزاييك إف إم" الإذاعية وسؤاله عن الخط التحريري للإذاعة، مما يبطن رغبة جامحة لخنق أي صوت حر أو معارض وتكميم الأفواه، وفق نص البيان.
عملية جراحية
من جهتها، أكدت حركة النهضة التونسية أن نور الدين البحيري نائب رئيس الحركة خضع لعملية جراحية عاجلة وخطيرة على حياته بحكم وضعه الصحي الهش بسبب المراض المزمنة التي يعاني منها، بحسب البيان، وذلك جراء ما وصفته بالعنف الشديد والسحل الذي تعرّض له خلال عملية اعتقاله.
وحمّلت الحركة الرئيس التونسي مسؤولية تدهور الوضع الصحي للبحيري، تبعا للتحريض الذي يمارسه في خطاباته ضد المعارضين السياسيين والضغوط التي يسلطها علنا على القضاء بهدف تصفية خصومه، وفق تعبيرها.
وطالبت حركة النهضة بإطلاق سراحه وكافة المعتقلين فيما وصفته بالحملة المغرضة لسلطة الانقلاب، داعية إلى الكف عن مغالطة الشعب بإلقاء التهم الزائفة على الخصوم السياسيين والتحريض عليهم بما يعرض حياتهم وحياة عائلاتهم للخطر.
قلق أميركي وأممي
وفي الإطار ذاته، عبّرت الخارجية الأميركية عن قلقها من التقارير التي تتحدث عن اعتقال شخصيات سياسية ورجال أعمال وصحفيين في تونس، وقالت إنها تجري اتصالات مع الحكومة التونسية على كافة المستويات دعما لحقوق الإنسان وحرية التعبير.
وأكدت الخارجية الأميركية أنها تحترم تطلعات الشعب التونسي لنظام قضائي مستقل وشفاف قادر على توفير الحريات للجميع، على حد تعبيرها.
من جهته، قال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك إنه لم يعلم بوجود اتصال بين الأمين العام والرئيس قيس سعيّد، مؤكدا أنهم يتابعون الوضع بقلق.
كما أكد دوجاريك على أنهم مستمرون في تشجيع حوار سياسي شامل بتونس، والامتثال لسيادة القانون وحقوق الإنسان والمعايير الدولية، بحسب قوله.
وأمس الثلاثاء، أعرب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة فولكر تورك -في تصريحات نقلها المتحدث باسمه جيريمي لورانس خلال إيجاز صحفي في جنيف- عن قلقه إزاء "حملة القمع المتزايدة ضد المعارضين السياسيين والمجتمع المدني في تونس".
وأضاف "نشعر بالقلق كذلك من أن بعض المعتقلين قد حوكموا أمام محاكم عسكرية بسبب انتقادهم الحكومة"، داعيا السلطات التونسية إلى "الوقف الفوري لمحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية".
التآمر على أمن الدولة
وفي أول تعليق للرئيس التونسي على موجة الاعتقالات التي تنفذها الشرطة منذ أيام، اتهم سعيد بعض المعتقلين بالمسؤولية "عن نقص الغذاء وارتفاع الأسعار"، متعهدا بالمضي قدما بنفس القوة والتصميم "لتطهير البلاد".
وقال إن "الإيقافات الأخيرة أظهرت أن عددا من المجرمين المتورطين في التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي هم وراء أزمات توزيع المواد الغذائية ورفع أسعارها".
كما دعا سعيد -في لقاء مع وزيرة التجارة الجديدة كلثوم بن رجب- من وصفهم بـ"القضاة الشرفاء" إلى اتخاذ القرارات المناسبة ضد "الخونة الذين يسعون لتأجيج الأزمة الاجتماعية".