حراك السويداء.. إحياء للثورة أم زوبعة في فنجان؟

يقول المفكر السياسي السوري ماهر شرف الدين إن أهالي الجنوب السوري عادوا للثورة على نظام بشار الأسد كما بدؤوها عام 2011، في حين يقول الأمين العام لحركة الدبلوماسية الشعبية السورية (مؤيدة للنظام) محمود الأفندي إن ما يحدث في مدينة السويداء ليس إلا زوبعة في فنجان يسعى محركوها للانفصال عن سوريا وليس للإطاحة بنظامها السياسي.

فبعد سنوات الصمت التي تلت استعادة الأسد وقواته السيطرة على غالبية الأراضي السورية بدعم إيراني روسي، باغته أهالي السويداء (الدروز) عندما خرجوا قبل شهر ونصف الشهر ليحطموا تمثال الأسد الأب ورموز نظام البعث، ويدوسونها بأحذيتهم، ويعيدون المطالبة برحيل الأسد الابن.

ولم يقف الأمر عند حد إحياء الحراك الثوري فحسب، بل اتخذ مسارا سياسيا ملفتا عندما تلقى الزعيم الروحي للموحدين الدروز بسوريا الشيخ حكمت الهجري اتصالات هاتفية من مسؤولين أميركيين، من بينهم النائب عن الحزب الجمهوري وممثل مجلس النواب بالأمم المتحدة السيناتور فرينش هيل.

كما تلقى حكمت الهجري اتصالا هاتفيا من كل من النائب الجمهوري جو ويلسون والنائب الديمقراطي براندان بويل، الذي يعد مع هيل من عرّابي قانون "الكبتاغون" الذي أصدره الرئيس جو بايدن في وقت سابق ويختص بـ"اتجار حكومة الأسد بالمخدرات".

إعلان

ومع تزايد الزخم السياسي والشعبي في السويداء، الذي قالت المؤسسة البحثية الأميركية "المجلس الأطلسي" إنه سيتواصل حتى تغيير النظام السوري، ذهب ماهر شرف الدين لوصف هذه المظاهرات بأنها موجة ثانية من أمواج الثورة السورية التي لن تتوقف إلا برحيل الأسد.

خلال مشاركته في حلقة (3/10/2023) من برنامج "الاتجاه المعاكس"، قال شرف الدين إن أهم ما فعله حراك الأقلية الدرزية في السويداء أنه أسقط ورقة حماية الأقليات التي تستّر النظام خلفها لسنوات، مما وضع الأسد في حالة ارتباك لأنه لا يمكنه الحديث عن إسلام سياسي أو إخوان مسلمين في هذه المنطقة.

وبينما يهوّن مؤيدو النظام السوري كثيرا من هذا الحراك الجديد ويصفونه بالعمالة وبالنزعة الانفصالية الطائفية، يجزم شرف الدين بأن ما فعله أهل السويداء أثبت للجميع في الداخل والخارج أن الشعب السوري لن يستكين قبل تحقيق مطالبه التي تتمحور حول إسقاط "الطغمة الحاكمة"، وفق تعبيره.

زوبعة في فنجان

على الجهة الأخرى، يرى الأمين العام لحركة الدبلوماسية الشعبية السورية محمود الأفندي أن ما شهدته السويداء حراك انفصالي وليس ثوريا، ولا يعدو كونه "زوبعة في فنجان"، حسب وصفه.

إلى جانب ذلك، فإن الأفندي يقول إن ما جرى لم يكن حراكا بالمعنى الحقيقي لأنه استمر يومين تحت شعارات انفصالية درزية، ثم ما لبث أن تراجع بعدما لم يجد له صدى في الداخل أو في الخارج.

ومن وجهة الأفندي، فإن ساحة الكرامة التي كانت مركز الاحتجاجات، لا تتسع لأكثر من ألفي شخصي، وهو عدد لا يمثل السوريين ولا حتى أهل السويداء أنفسهم، وفقما يقول.

وكما تلقفت أدوات النظام السوري الإعلامية الاتصالات الغربية بحكمت الهجري بوصفها دليلا على أن مؤامرة خارجية تحاك ضد سوريا عبر السويداء، فقد ذهب الأفندي أيضا للحديث عن مؤامرة يديرها بعض المتعاونين مع إسرائيل من دروز المدينة.

إعلان

ليس هذا وحسب، بل وصل الأمر إلى حد منع رفع أي علم آخر في المظاهرات غير علم الدروز، إضافة لشعارات 2011 المطالبة بإسقاط النظام، وهي شعارات لم تعد مقبولة دوليا ولا إقليميا في ظل التغيرات السياسية الأخيرة، كما يقول الأفندي.

والأهم من كل هذا -من وجهة نظر الأفندي- أن حراك السويداء "ولد ميتا"، لأنه لو كان ثورة لما سافر بشار الأسد إلى الصين، ولما تخلت عنها دمشق وغيرها من مدن سوريا "التي رفضت الانسياق وراء دعوات الانفصال والطائفية".

لكن شرف الدين رد عليه بأن المتظاهرين في ساحة الكرامة كانوا آلافا، إضافة إلى مظاهرات القرى والبلدات الأخرى، وقال إن خروج جزء من الشعب يمثل الشعب، وإنه ليس مطلوبا من الجميع الخروج للشوارع لكي يعترف النظام بأنه مرفوض.

وفيما يتعلق بالحديث عن منحى الحراك الانفصالي، قال شرف الدين إن النظام دأب على إطلاق هذه التوصيفات على كل مطالب برحيله، فهو يصف المسلمين السنّة بأنهم إرهابيون، ويصف الدروز بأنهم انفصاليون وهكذا.

وعن عدم انخراط مدن أخرى في الحراك، قال شرف الدين إن بعض دول الإقليم، التي تحاول مساعدة الأسد، تواصلت ولا تزال تتواصل مع شيوخ وزعماء قبائل في العديد من المناطق لإثنائهم عن المشاركة في الحراك، وإقناعهم بأن ما يجري مؤامرة خارجية ومقدمة لانفصال الدروز.

غير أن السويداء -يضيف شرف الدين- التي كانت منطلقا لإعادة تحرير سوريا في عشرينيات القرن الماضي، ستكون أيضا منطلقا لإعادة توحيدها الآن، وكما كان الجنوب (مدينة درعا) منطلقا للثورة قبل 12 عاما، فإنه هو من سينهيها من السويداء، لأن كل ثورات سوريا تاريخيا بدأت من جبل العرب (الجنوب) وانتهت فيه، وهو ما سيحدث مع الأسد، حسب تعبيره.

المصدر : الجزيرة

إعلان