بين الأسف والسخرية.. التونسيون يتفاعلون مع نتائج الانتخابات التشريعية ونسب المشاركة

Second round of Tunisia's parliamentary election
نسبة الإقبال على الانتخابات التونسية كانت ضعيفة (روتيرز)

أثارت نسبة العزوف المرتفعة في الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية التونسية التي جرت يوم أمس الأحد، تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي، كما حظيت هزيمة أحمد شفتر، كبير داعمي الرئيس قيس سعيد بأصداء واسعة على المنصات التونسية وسط حالة من السخرية.

وبحسب ما كشفته أرقام الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، فقد أدلى 887 ألفا و639 شخصا فقط بأصواتهم من مجموع 7 ملايين 800 ألف ناخب مسجلين بحسب نتائج أولية، على ما أفاد رئيس الهيئة فاروق بوعسكر في مؤتمر صحفي الليلة الماضية.

وكانت نسبة المشاركة قد بلغت 11.22% في الدورة الأولى، وهي أضعف نسبة تصويت منذ بداية الانتقال الديمقراطي عام 2011 بعد انهيار نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.

صور ومواقف

ومع بداية الاقتراع تناقل صحفيون وناشطون صورا عديدة لمكاتب الاقتراع التي كانت فارغة وخالية من الناخبين، حتى إن الصحفي التونسي بسام بونيني نشر صورة تلخص الوضع وعلّق عليها: "20 صحفيا وناخب وحيد".

وكدليل على مقاطعة الانتخابات، حظي ردّ سيدة مسنة على سؤال مراسل القناة الوطنية الأولى الرسمية، بشأن مشاركتها وأجواء الاقتراع، بانتشار واسع.

وقالت السيدة إنه تم اصطحابها من دار المسنين إلى مكتب الاقتراع، في إشارة إلى عدم علمها بذلك، وإلى توظيف مؤسسات الدولة "لإنجاح" العملية الانتخابية.

 

وفي تعليقها على النتائج قالت الصحفية والكاتبة التونسية وجدان بوعبد الله، إن نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية في دوريها الأول والثاني تعد الأدنى في العالم.

وفي تدوينة سابقة لها اعتبرت بوعبد الله أن الفائزين في هذا المشهد هم الذين راهنوا على فشل الربيع العربي ودفعوا الكثير في سبيل تحقيق سقوطه.

فشل ومطالبة

أما الصحفية أسماء البكوش فاعتبرت أن الأمر يمكن تلخيصه بكل بساطة ووضوح، في كون نظام الاقتراع على الأفراد فاشلا وأنه لا وجود لانتخابات وحياة سياسية بلا أحزاب، وتابعت بأن الخزان الانتخابي الشبابي الذي صوّت لك انتهى يا سيادة الرئيس.

وتعتبر نسبة المشاركة الهزيلة مؤشرا سلبيا لمشروع الرئيس قيس سعيّد الذي يحتكر السلطات في البلاد منذ 25 يوليو/تموز 2021.

واعتبر الرئيس التونسي الأسبق محمد المنصف المرزوقي أن أي سياسي له ذرة من الشرف (يجب) أن يستقيل بعد هذه الصفعة الرابعة، وأكد أن مهمة شعب المواطنين بكل أطيافه التعجيل بنهاية هذه المأساة المضحكة وإقالة هذا الرجل (الرئيس سعيّد) واستعادة المسار الديمقراطي.

وتفرد سعيّد بالسلطة في 25 يوليو/تموز 2021 عبر تجميد أعمال البرلمان وحلّه لاحقا، وإقرار دستور جديد إثر استفتاء في الصيف الماضي أنهى النظام السياسي القائم منذ 2014.

وبرّر الرئيس قراره آنذاك بتعطّل عجلة الدولة على خلفية صراعات حادّة بين الكتل السياسية في البرلمان.

وسيكون للمجلس النيابي الجديد عدد قليل جدا من الصلاحيات، إذ لا يمكنه على سبيل المثال عزل الرئيس ولا مساءلته. ويتمتّع الرئيس بالأولوية في اقتراح مشاريع القوانين.

ولا يشترط الدستور الجديد أن تنال الحكومة التي يُعيّنها الرئيس ثقة البرلمان.

انتخابات ورهان

وفي قراءته لهذا الوضع، اعتبر الكاتب والباحث التونسي في العلاقات الدولية والإسلام السياسي، جلال الورغي، أن قيس سعيد راهن على انتخابات هندسها بنفسه لشرعنة انقلابه على الدستور وتركيز مؤسسات صورية يتحكم فيها وخاضعة له، لكن الشعب التونسي كان له رأي آخر وقاطع الانتخابات بنسبة 90%.

وبيّن الورغي أن الشعوب الحرة لا يمكن استدراجها لصندوق أشبه بالفخ، لإعادتها لحكم الفرد.

ولم تقتصر التعليقات على التونسيين فقد اهتم المغردون والناشطون العرب بما يحدث في تونس، التي مثّلت لسنوات طويلة أيقونة الثورات العربية، وعن هذا الأمر قال الكاتب والمحلل السياسي ياسر الزعاترة، إن الجولة الثانية من انتخابات تونس البرلمانية تكرّر نسبة المشاركة الأسوأ في العالم؛ والتي شهدتها الجولة الأولى، وبيّن أن النسبة الجديدة لم تتجاوز 11.3%؛ رغم الحشد.

واعتبر الزعاترة أن الشعب يؤكد موقفه: لا شرعية للانقلاب ولا سوق لـ"شعبوياته" بعد الآن.

وتنافس 262 مرشحًا على 131 مقعدًا في البرلمان الجديد (من أصل 161)، خلال انتخابات تمثل المرحلة الأخيرة من خريطة طريق فرضها الرئيس قيس سعيّد وأبرز ملامحها إرساء نظام رئاسي معزّز على غرار ما كان عليه الوضع قبل الثورة التونسية.

وحظي فشل حصول أحمد شفتر، العضو في الحملة التفسيرية لمشروع رئيس الجمهورية قيس سعيد، بالحصول على مقعد في البرلمان الجديد، باهتمام واسع حيث اعتبر كثيرون أن فشل شفتر، الذي يعرف بـ"كبير المفسرين" يعتبر صفعة لمشروع الرئيس السياسي.

وعن هذا الأمرعلّقت الناشطة في حقوق الإنسان والصحفية نزيهة رجيبة (المعروفة بأم زياد) بالقول: هزيمة في هزيمة، هُزم شفتر.

من جهته، قال السياسي وأستاذ علم الاجتماع بالجامعات التونسية سالم الأبيض، في تعليقه على الأمر إن مدينة جرجيس (الدائرة الانتخابية لشفتر) تقبر الشعبوية والأوهام التفسيرية وتؤكّد نهاية شرعية ومشروعية الرئيس.

ودون الناشط الدكتور ذاكر ألاهيذب، عبر حسابه في فيسبوك، بلهجة ساخرة "أنا متأكد أن الرئيس سيخرج بمرسوم في الشوط الثالث من أجل إنقاذ كبير المفسرين"، في إشارة إلى أحمد شفتر.

يشار إلى أن الأحزاب المعارضة للرئيس قيس سعيد، قاطعت الانتخابات التي جرت بنظام الاقتراع على الأفراد، منذ الدور الأول وهي تطالب بتنحي سعيد عن الحكم وإلغاء دستور 2022 الذي وضعه عبر استفتاء، معززا صلاحيات الرئيس بشكل كبير.

المصدر : الجزيرة + وكالات + مواقع التواصل الاجتماعي