بعد فرضه على 400 أسير بشكل مضاعف.. ماذا يعني العزل الانفرادي داخل سجون إسرائيل؟
يأتي العزل بناء على طلب إدارة السجن (عزل الزنازين) نتيجة لنضال الأسرى ضد سجّانيهم للمطالبة بحقوقهم أو مخالفة اللوائح الداخلية للسجون كرفض الخروج إلى الساحة العامة ورفض التفتيش العاري والإضراب عن الطعام

يمثل العزل أحد أقسى أنواع العقاب الذي تمارسه سجون سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق الأسرى الفلسطينيين، ومؤخرا أعلن نادي الأسير الفلسطيني أن إسرائيل تفرض عزلا مضاعفا على أكثر من 400 أسير فلسطيني في غرفهم منذ 12 يوما.
وبمقتضى العزل الانفرادي يقضي الأسير سنوات أو أشهر أو أسابيع -تباعا أو على فترات- في غرفة مظلمة بسوادها، ولا تزيد على مترين مربعين، ويمنع زيارة ذويه أو الأسرى رفاقه والحديث معهم، ولا يرى النور إلا مرة ولدقائق معدودات في اليوم أو يحرم منه"، فكل ما يستطيع الأسير فعله في تلك المساحة الضيقة مكانا والطويلة زمانا أن يعد أيامه بالدقائق والساعات وتبادل الحديث مع نفسه، لكسر حالة الصمت التي تزيده أسرا، كما يروي الأسير الفلسطيني المحرر بلال كايد ما واجهه من عزل انفرادي داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي لأكثر من عام ونصف، وأُفرج عنه قبل أن يعرف سبب عزله.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsماهر الأخرس.. 65 يوما من معركة الأمعاء الخاوية في سجون الاحتلال
نائل البرغوثي.. أقدم أسير فلسطيني في سجون الاحتلال والعالم
منظمة حقوقية: حياة الشيخ رائد صلاح معرضة للخطر بسجون الاحتلال
في تجربته التي حكى للجزيرة نت تفاصيلها، عانى كايد المنحدر من بلدة عصيرة الشمالية قرب نابلس بالضفة الغربية صنوف العزل كلها؛ الانفرادي بشقيه العام والجماعي وعزل الزنازين، فالاحتلال يحاول عزل الأسير "عن ذاته" بالتضييق عليه بكل شيء.

بين إدارة السجن والمخابرات
قد يُعزل الأسير انفراديا بناء على طلب المخابرات الإسرائيلية ووفق شروطها، وهنا تقسو ظروف العزل وتطول مدته التي تجددها محكمة "المحوز" (محكمة منطقة السجن) كل 3 أشهر مرات ومرات، "لسبب يجهله الأسير وتدعي المخابرات أن الأسير يشكل خطرا".
وقد يأتي العزل بناء على طلب إدارة السجن (عزل الزنازين) نتيجة لنضال الأسرى ضد سجّانيهم للمطالبة بحقوقهم أو مخالفة اللوائح الداخلية للسجون، كرفض الخروج إلى "الفورة" (الساحة العامة) ورفض التفتيش العاري والإضراب عن الطعام.
وفي هذه الحالة لا ينال الأسير المعزول سوى الحد الأدنى من احتياجه وهو اللباس والسماح له بـ"لكنتين" (دكان السجن) وبعض الأدوات الكهربائية والتي تسحب منه لاحقا، وتقدر أطول فترة لهذا العزل بـ21 يوما، لكنها غالبا ما تجدد من إدارة السجن.
والعزل الانفرادي هو أن يكون الأسير وحده أو مزدوجا، ويكون برفقة أسير آخر في المكان الضيق ذاته، وقد يعزل الأسير جماعيا مع أشخاص تحددهم إدارة السجن أو المخابرات، كـ"مرضى أعصاب"، وهو ما يشكل ضغطا نفسيا عليه كونه يفقد خصوصيته وأبسط حقوقه، مما يدفعه لطلب عزله انفراديا هربا من هذا "الجحيم".

ويقول كايد "هذا تكتيك لا أخلاقي تتبعه سلطات الاحتلال ليبقى الأسير معزولا منفردا وبإرادته"، وقد يكون العزل جماعيا لسجن بأكمله، بسبب تصوّر لدى الاحتلال بخطورة وتأثير الأسرى على الرأي العام بالخارج.
ويقضي الأسير عزله الطويل بسجن واحد أو يتنقل بين السجون، وحتى في تنقله يُعزل في بوسطة (حافلة النقل) السجن بمكان مساحته نصف متر مربع مغلق من جميع الجهات، لمنعه من الالتقاء أو الحديث مع أي أسير.
وثمة "قاسم مشترك" بين أنواع العزل وأشكاله، وهو اتفاق إدارات السجون ومخابرات الاحتلال على قمع الأسير وقهره زيادة في عقابه ومنعا لحقوقه، أو تحت ذريعة أن "خطره قائم حتى داخل سجنه".

عبر "النيجارة" وأدوات أخرى
مكانيا توصف زنازين العزل بظلامها الحالك وجدرانها السوداء الخشنة ومساحتها الضيقة (مترين مربعين أو أقل)، فلا يستطيع الأسير التجول أو حتى الوقوف على قدميه فيها، والمرحاض جزء منها، ولا يكاد النور يدخل إليها.
وإن مُنح الأسير المعزول بعض الأدوات الكهربائية كسخان الطهي والمروحة فغالبا ما يعاقب بسحبها منه، ولا يخرج من زنزانته إلا لقضاء حاجته أو الفسحة و"يخرج مكبل اليدين والقدمين ولوقت محدد ولا يلتقي أحدا".
وكان على بلال كايد -الذي عاش تفاصيل العذاب الجسدي والضغط النفسي التي هدف إليها الاحتلال- البقاء متصلا ولو مع نفسه للحفاظ على عقله، "وإن كان ذلك بالصراخ المستمر أو التحدث مع التلفاز إن وُجد، أو مع المعزولين بالزنازين المجاورة".
وابتدع الأسرى كذلك طرقا للتواصل وتبادل الحديث بينهم عبر صوت المياه في "نيجارة" (أنبوب) المرحاض أو من خلال مفتاح الكهرباء، وفق آلية محددة لكسر "الصمت القاتل"، فالأسير المعزول يصل به الحال "إلى الاشتياق لصوته".
في سجونها لا توصد إسرائيل أبواب العزل، بل تبقي عليه، وهي سياسة ممنهجة لعقاب الأسرى، كما تفعل الآن مع أكثر من 10 أسرى بينهم أسيرتان أنهت عزلهما منذ أيام وأبقت على آخرين، كالأسير وائل الجاغوب المعزول منذ أكثر من 9 أشهر.

وتصف صباح الجاغوب -والدة الأسير وائل والمحرومة من زيارته منذ نحو سنتين- العزل بأنه "مقابر الأحياء"، وقد يفقد الأسير فيه أعصابه خاصة إذا ما طال العزل والأسر معا، كما هو حال ابنها المعتقل منذ 26 عاما عزل خلالها عدة مرات.
ولم تترك أم وائل من مدينة نابلس وسيلة أو فعالية إلا وشاركت بها نصرة لابنها الأسير، وخاصة في ظل تقاعس الكثير من المؤسسات عن محاسبة الاحتلال على جرائمه بحق الأسرى لا سيما المعزولين.
ومكث الأسير الفلسطيني محمود عيسى المعتقل منذ 27 عاما أطول فترة في العزل وهي 12 سنة ونصف؛ منها 10 سنوات في العزل المتواصل، وحين خرج من عزله في سجن "هداريم" لم يكد يعرف أحدا.

انتهاك اتفاقيات جنيف
وحقوقيا يعتبر الناطق الإعلامي باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر يحيى مسودة أن العزل الانفرادي "جزء من الحوار غير العلني مع السلطات الإسرائيلية، ولا تتحدث فيه علنا".
لكن إسرائيل -وفق إحسان عادل رئيس منظمة القانون من أجل فلسطين في المملكة المتحدة- تنتهك اتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة، والتي تشكل حماية للأسرى، ونصت بعض موادها (82 و90 و85) على أن العقوبات التأديبية التي قد تقع على الأسرى يجب أن "يراعى فيها أكبر قدر من التسامح"، وحظرت الحبس بمبان تكثر فيها الرطوبة وتنعدم التهوية، و"حظرت أن تزيد مدة العقوبة الواحدة مطلقا على 30 يوما".
لكن إسرائيل على أرض الواقع -كما قال عادل للجزيرة نت- صعّدت من عزلها للأسرى خلال العام 2020 بحجة مواجهة فيروس كورونا، واستخدمته نوعا من العقاب المضاعف للأسرى.
وقال عادل إنهم راسلوا جهات دولية بشأن العزل، لا سيما هيئات الأمم المتحدة وبعثاتها المختصة والتي دعت إسرائيل للتوقف عن استخدام تلك الانتهاكات، و"أكدوا على أن استخدام الحبس الانفرادي لفترات طويلة قد يصل إلى حد التعذيب".
ونوعًا من رد الفعل على هذه السياسة وغيرها من الانتهاكات، جعل الاتحاد الأوروبي تمويله لإسرائيل مشروطا بالتزامها بحقوق الإنسان، وأكد عادل أن المطلوب من المؤسسات الدولية التقدم للأمام "خطوة حقيقة" بعيدا عن الإدانات على الورق التي لا تنصف الفلسطينيين، بل تعزز استثناء إسرائيل.