لا تستطيع العزاء في الملكة إليزابيث.. مشاعر متضاربة بمستعمرات بريطانية سابقة

دفتر للتعازي في الملكة إليزابيث الثانية في فندق "ذي ثري توبس" حيث تلقت نبأ وفاة والدها الملك جورج السادس قبل 70 عاما في حديقة "أبيردار" بكينيا (رويترز)
سجل للتعازي في الملكة إليزابيث الثانية بفندق "ذي ثري توبس" حيث تلقت نبأ وفاة والدها الملك جورج السادس قبل 70 عاما في حديقة "أبيردار" بكينيا (رويترز)

عند توليها العرش في عام 1952 ورثت ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية ملايين الأشخاص حول العالم، لكن إعلان وفاتها قوبل بمشاعر متباينة في العديد من مستعمرات الإمبراطورية البريطانية السابقة، حيث يرفض العديد من سكان تلك المستعمرات والدول التي احتلتها بريطانيا سابقا إعلان الحداد، ولا يزال العديد منهم يتملكه الغضب من الإرث الاستعماري البريطاني.

وفي مقابل التعازي الرسمية المتضمنة إشادة وثناء على الملكة الراحلة وما قدمته لبلدها من خدمات خلال عمرها الطويل لا تزال المرارة بشأن الماضي الاستعماري البريطاني حاضرة في أفريقيا وآسيا ومنطقة البحر الكاريبي وأماكن أخرى.

يتنوع الحديث عن الإرث الاستعماري البريطاني ويشمل العبودية والتعذيب ونهب آثار الدول المستعمرة، وبالنسبة للكثيرين جاءت الملكة لتمثل كل ذلك خلال 7 عقود على العرش البريطاني.

في كينيا وفي يوم 6 فبراير/شباط 1952 تلقت الأميرة الشابة إليزابيث وزوجها فيليب نبأ وفاة والدها الملك جورج السادس.

وفي كينيا هذه الأيام وبعد وفاة الملكة شاركت محامية تدعى أليس موغو على الإنترنت بصورة لوثيقة باهتة تعود إلى عام 1956، وصدرت بعد 4 سنوات من حكم الملكة، وتتضمن تعريفا برد فعل بريطانيا القاسي على ثورة حركة "ماو ماو" ضد الحكم الاستعماري البريطاني.

وجاءت في الوثيقة أمور تتعلق بـ"تصريح التنقل" وتوثيق القبض على أكثر من 100 ألف كيني في معسكرات اعتقال في ظل ظروف قاسية، فيما أُجبر آخرون مثل جدة موغو على طلب الإذن البريطاني للانتقال من مكان إلى آخر.

وفي الساعات التي تلت وفاة الملكة يوم الخميس الماضي غردت موغو على تويتر تقول "معظم أجدادنا كانوا مضطهدين، لا يمكنني الحداد".

أما الرئيس الكيني المنتهية ولايته أوهورو كينياتا -الذي سُجن والده جومو كينياتا أثناء حكم الملكة قبل أن يصبح أول رئيس للبلاد في عام 1964- فتجاهل الماضي كما فعل رؤساء دول أفريقية أخرى.

ووصف كينياتا الملكة الراحلة بأنها "الشخصية الأكثر شهرة في القرنين الـ20 والـ21".

جاء الغضب من الناس العاديين، دعا البعض إلى الاعتذار عن انتهاكات الماضي مثل العبودية، والبعض الآخر دعا إلى شيء ملموس أكثر، في إشارة إلى وجوب دفع تعويضات كما يطالب بذلك بيرت صامويل عضو المجلس الوطني للتعويضات في جامايكا.

شهد عهد الملكة إليزابيث استقلالا بشق الأنفس للدول الأفريقية من غانا إلى زيمبابوي، جنبا إلى جنب مع سلسلة من الجزر والدول الكاريبية على طول حافة شبه الجزيرة العربية.

ويرى بعض المؤرخين أن الملكة الراحلة ساعدت في الإشراف على الانتقال السلمي في الأغلب من الإمبراطورية إلى الكومنولث، وهي رابطة تطوعية تضم 56 دولة ذات روابط تاريخية ولغوية، لكنها في الجانب الآخر كانت أيضا رمزا للأمة التي غالبا ما كانت تقهر الأشخاص الخاضعين لها.

حماس وتشارلز الثالث

كانت هناك علامات قليلة على الحزن العام أو حتى الاهتمام بموتها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، حيث لا يزال الكثيرون يحمّلون بريطانيا مسؤولية الأعمال الاستعمارية التي رسمت الكثير من حدود المنطقة وأرست الأساس للعديد من صراعاتها الحديثة.

وأمس السبت، دعا قادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة الملك تشارلز الثالث إلى "تصحيح" قرارات الانتداب البريطاني التي تضطهد الفلسطينيين.

وفي قبرص المقسمة عرقيا تذكّر العديد من القبارصة اليونانيين حملة حرب العصابات التي دامت 4 سنوات والتي شنت في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي ضد الحكم الاستعماري، وتذكروا أيضا لامبالاة الملكة إزاء محنة 9 أشخاص أعدمتهم السلطات البريطانية شنقا، وقال رئيس الرابطة الوطنية للمقاتلين القبارصة يانيس سبانوس "إن الكثيرين يحمّلون الملكة المسؤولية عن مآسي الجزيرة".

بين المرارة والتسامح

والآن وبعد وفاتها هناك جهود جديدة للتعامل مع الماضي الاستعماري أو إخفائه، فالهند تحت قيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي تسعى لإزالة الأسماء والرموز الاستعمارية بعد أن تحركت البلاد اقتصاديا منذ فترة طويلة، حتى تجاوز الاقتصاد الهندي نظيره البريطاني من حيث الحجم.

ويقول رجل الأعمال الهندي ديرين سينغ البالغ من العمر 57 عاما والذي يعمل في العاصمة نيودلهي "لا أعتقد أن لدينا أي مكان للملوك والملكات في عالم اليوم، لأننا أكبر دولة ديمقراطية في العالم".

كان هناك بعض التعاطف مع الملكة إليزابيث بسبب الظروف التي ولدت فيها، ففي العاصمة الكينية نيروبي تذكّر ماكس كاهيندي المقيم في كينيا تمرد حركة "ماو ماو" "بقدر كبير من المرارة"، وتذكّر كيف تم اعتقال أو قتل بعض كبار السن، لكنه قال إن الملكة كانت "سيدة صغيرة جدا" في ذلك الوقت، ويعتقد أن شخصا آخر كان يدير الشؤون البريطانية على الأرجح، و"لا يمكننا أن نلوم الملكة على كل المعاناة التي عانينا منها في ذلك الوقت بالذات".

وفي أوغندا يرى المحلل السياسي تيموثي كاليجيرا أن هناك "علاقة روحية" باقية في بعض البلدان الأفريقية، من التجربة الاستعمارية إلى الكومنولث، معتبرا أنها "لحظة ألم ولحظة حنين"، مضيفا أن "شخصية الملكة وعمرها ومركزية اللغة الإنجليزية في الشؤون العالمية قوية بما يكفي لتهدئة بعض الانتقادات، فقد كان ينظر إليها على أنها أم العالم".

وفي منطقة البحر الكاريبي تجد وجهات نظر مختلطة أيضا، فيما تقوم بعض الدول بإزاحة الملك البريطاني من رئاستها، ويقول مازيكي ثامي المحاضر البارز في دراسات التنمية بجامعة ويست إنديز في جامايكا "إن الجزيرة تعتزم أن تصبح مستقلة تماما".

ويرى ثامي أن الجيل الأصغر من أفراد العائلة المالكة لديهم حساسية أكبر لتأثير الاستعمار، مشيرا إلى أن الأمير وليام أعرب خلال زيارته إلى جامايكا عن "حزنه العميق" على العبودية.

أما الناشطة نادين سبينس فتقول إن التقدير لإليزابيث بين كبار السن في جامايكا ليس مفاجئا لأن البريطانيين قدموا لها على أنها "الملكة المحببة التي كانت دائما تهتم بنا"، أما الشباب فليسوا منزعجين من العائلة المالكة، مضيفة "الشيء الوحيد الذي أشرت إليه بشأن وفاة الملكة هو أنها ماتت ولم تعتذر أبدا عن العبودية، وكان عليها أن تعتذر".

المصدر : أسوشيتد برس