بلاد الرافدين بين أكثر 5 دول عرضة لتأثيرات التغير المناخي.. الجفاف يستفحل في 70 قرية بجنوب العراق
تسبّب الانخفاض الكبير في مياه نهر الفرات بجفاف بعض روافده وحرمان ثلث محافظة الديوانية الواقعة في جنوب العراق ممّا يكفيها من المياه للاستخدامات اليومية، في حين توقفت 20 محطة تصفية للمياه عن العمل، وفق ما أفاد مسؤولون محليون.
وتعد قرية الأغوات في جنوب العراق من ضمن أكثر من 70 قرية أخرى استفحل فيها الجفاف وسط صيف حار من دون مياه، في حين ينتظر سكان القرية مرة أو مرتين في الأسبوع مرور صهاريج الماء التابعة للمحافظة لتزويدهم بما يعوّض القليل من النقص الذي يعانون منه، والذي لا يسد الحاجة، وفق يونس عجيل، أحد سكان القرية.
ويقول عجيل، الذي يبلغ من العمر 42 عاما وهو أب لـ8 أطفال، بأسف "حتى لو تمّ التوزيع يوميا، لا يكفي"، ويضيف "مرت 4 أيام بدون أن أستحم".
وبات العراق، بسبب الارتفاع المستمر في درجات الحرارة وتزايد نقص المياه من عام لآخر، بين أكثر 5 دول في العالم عرضة لتأثيرات التغير المناخي، وفقا للأمم المتحدة، وتعزو السلطات العراقية الانخفاض الكبير في مستوى نهري دجلة والفرات إلى سدود تبنيها إيران وتركيا.
هجرة مناخية
وأصبحت "الهجرة المناخية أمرا واقعا في العراق"، وفق تقرير لمنظمة الهجرة الدولية نشر في أغسطس/آب الجاري. ووفقا للتقرير، فإنه حتى مارس/آذار 2022، نزح أكثر من 3300 عائلة بسبب "عوامل مناخية" في 10 محافظات في الوسط والجنوب، والسبب "شحّ المياه، أو الملوحة المرتفعة فيها، أو نوعية المياه السيئة".
وتعرقل قلّة المياه إنتاج المحاصيل أو تؤدي إلى إفسادها، وتحدّ من وفرة مياه الشرب والغذاء للمواشي، وأرغمت العديد من الأعمال المرتبطة بالزراعة على الإغلاق.
ويقول عجيل إن 10 منازل بقيت فقط في قريته بعدما كان فيها 50، حيث هاجر الباقون بحثا عن حياة أفضل.
ويتقاسم الرجل منزله مع شقيقه محمد، كما هو حال أغلب سكان القرية، وكان الشقيقان يعتمدان على الزراعة في أراضٍ تبلغ مساحتها 70 دونما، لكن الزراعة توقفت منذ عامين بسبب الجفاف، وقد باع بعض الناس أغنامهم لتأمين احتياجاتهم المعيشية.
محطات المياه
ونتيجة لشحّ المياه، توقفت 20 محطة مياه عن العمل. وهذا العام، تتواصل الأزمة من دون انقطاع منذ أكثر من شهرين، ما أجبر دائرة المياه في الديوانية على استئجار صهاريج إضافية "لتزويد المواطنين بمياه صالحة للشرب"، وفق مدير الدائرة المهندس حسن نعيم.
وفي حين لا يزال نهر الفرات جاريا ويعبر الديوانية، هناك بعض "الأنهر الفرعية التي تعاني من الجفاف"، ما انعكس سلبا على عشرات القرى، كما يشرح نعيم.
ويضيف "كان هناك جفاف في الأنهار سابقا، لكن لبضعة أيام فقط"، وليس لهذه المدة الطويلة كما هو الحال الآن. ويأمل نعيم من "وزارة الموارد المائية أن تضع خطة لتزويد هذه المناطق بالمياه، مقرّا بأن كميات المياه الموزعة من المحافظة "قليلة جدا، ما يؤثر سلبا على احتياجات المواطن".
من جهته يقول محافظ الديوانية زهير الشعلان إن "ثلث مساحة محافظة الديوانية تقريبا تعاني من مشكلة عدم وصول المياه"، مشيرا إلى أن ذلك أثر على المياه الصالحة للشرب والزراعة ودعم الثروة الحيوانية.
ويضيف أن هناك أكثر من 75 قرية تعاني من شح المياه ويتم توفيرها لها عبر الصهاريج، مشيرا إلى أن الديوانية، التي يرويها نهر الفرات، تتلقى حاليا بين 85 إلى 90 مترا مكعبا في الثانية من المياه، لكن لتغطية النقص لا بد من مضاعفة الوتيرة.
ويطالب المحافظ الحكومة المركزية بأن تستثني محافظة الديوانية من الحصص المائية بشكل خاص كونها لا تمتلك أي موارد اقتصادية أخرى غير الزراعة.
مياه مالحة
وأملا في تغطية احتياجاته من المياه، حفر عجيل بئرا، لكن المياه التي خرجت منه مالحة. ويقول إنه لم يجد حلا غير "خلط مياه البئر المالحة بماء الصهريج لنسيّر أمورنا". وحينما تصل شاحنة الصهريج إلى إحدى المناطق، يهرول الأطفال بشكل عشوائي ويرقصون حولها.
وعلى غرار عجيل، حفر الأربعيني رزاق عيسى بئرا، يخلط مياهه المالحة بالمياه التي توزعها الدولة، ويطالب حكومة بلاده بإيجاد حل مع تركيا لزيادة تدفق الأنهار، ويضيف غاضبا "نعم، نسترشد باستخدامات المياه، لكن الجو حار، كيف لي أن أقلل استخدامي للمياه؟ ألا أغتسل؟ ولا أغسل ثوبي؟ لا أحمم أطفالي؟ هذا غير ممكن".
رغم ذلك، ينصح المهندس حسن نعيم بعدم استخدام مياه الآبار لأن "نسبة الأملاح عالية جدا" فيها، أو مياه الأنهار التي قد تحتوي على "شوائب".