رويترز: قيس سعيّد يتذوق طعم السلطة المطلقة في تونس

President Kais Saied votes in referendum on new constitution
سعيّد قال إنه لن يصبح دكتاتورا وإنه سيحافظ على الحقوق (الأناضول)

عزز الرئيس التونسي قيس سعيّد دوره ليصبح صاحب سلطة مطلقة في تونس بإقرار دستوره الجديد على نحو يبشر بعهد سياسي جديد، بعد تجربة قصيرة وصعبة للديمقراطية.

وأدت الموافقة بأغلبية ساحقة على الدستور -وفق التقديرات الأولية- في استفتاء لم يشارك فيه سوى ربع الناخبين فقط إلى تكريس نظام سياسي جديد يتمتع فيه الرئيس بسلطة شبه كاملة، وبلا قيود ولا رقابة تذكر على سلطته.

ويخشى معارضون لخططه وناشطون في المجتمع المدني أن تكون تونس قد انضمت الآن إلى نادي الديمقراطيات الفاشلة بعد أن قادت الانتفاضات على الحكم الاستبدادي بثورة أطلقت العنان لما يعرف باسم "الربيع العربي" عام 2011.

ويقول سعيّد إنه لن يصبح دكتاتورا، وإنه سيحافظ على الحقوق، وإن هناك دورا لبقية مؤسسات الدولة. وقال رافضا اتهامات المعارضة "التاريخ لن يعود إلى الوراء"، مضيفا أن الشعب قال كلمته، وأن السيادة تعود للشعب، وأن عهد اقتسام الكعكة بين النخبة السياسية انتهى.

ولكن مع تدفق السلطة السياسية بشكل أسرع إلى القصر الرئاسي في قرطاج الواقع قبالة المياه الفيروزية للبحر المتوسط، تلوح سحب عاصفة في مواجهة سعيّد مع تعاظم أزمة اقتصادية حادة تهز البلاد وتهدد ماليتها بالإفلاس.

أزمة اقتصادية

وسيمثل الاضطراب الاقتصادي، الذي قوّض على مدى السنوات الصعبة الأحزاب السياسية التي تقاسمت السلطة، أكبر تحديات المرحلة المقبلة، وسيكون سعيّد الطرف الوحيد الذي سيتحمل هذا العبء الثقيل ويتعين أن يجد له بمفرده حلولا عاجلة.

ويصف المحللون المشكلات الاقتصادية بأنها إرث ثقيل تركه أسلافه ونتيجة تراكمات، لكن لا يوجد الآن أي خيار أمام سعيد سوى إيجاد الحلول أو مواجهة غضب شعبي.

وبينما يتحرك لتوطيد سيطرته على كل أوجه الحكم في تونس من خلال قوانين انتخابية جديدة ومجلس تشريعي بلا أنياب إلى حد كبير، لم يعد أمام سعيد سوى خيارات لا تحظى بشعبية تسببت في تهاوي أسلافه الذين حكموا البلاد في العقد الماضي.

وتدهور الاقتصاد التونسي منذ عام 2011، مع انخفاض في النمو، وارتفاع في نسب البطالة، وتراجع للخدمات العامة، وعجز متزايد، وديون، وانعدام للاستقرار السياسي.

وكان على الحكومات المتعاقبة أن تسير في طريق صعب، وأن تقيّد الإنفاق العام لتأمين المساعدة المالية الأجنبية من دون التسبب في انفجار اجتماعي عن طريق خفض الدعم وجعل الحياة أكثر صعوبة على السكان الفقراء.

ولكن مع عدم وجود سلطة أخرى تتحمل المسؤولية الآن، فقد يتحمل سعيّد وحده اللوم على استمرار المشاكل الاقتصادية.

وقال سالم عبيدي وهو موظف بأحد البنوك "بعد أن أزال كل العقبات وأخذ كل الصلاحيات، عليه أن يلبي مطالبنا العاجلة؛ نريد وظائف لأبنائنا، نريد خدمات صحية وخدمات نقل جيدة، لا يمكننا الانتظار طويلا".

نهج أحادي

قد يسهّل تمرير الاستفتاء على سعيّد اتخاذ الخطوة الأولى نحو استقرار الاقتصاد والمتمثلة في الحصول على حزمة إنقاذ طال انتظارها من صندوق النقد الدولي.

وبعكس الماضي، ليست هناك حاجة إلى التفاوض داخل ائتلاف حاكم، والاستفتاء يضع حدا للترتيبات المؤقتة المعمول بها منذ الصيف الماضي، كما أنه قد يقوّي موقف سعيد مع نقابة العمال القوية، الاتحاد العام التونسي للشغل، التي تعارض العديد من الإصلاحات.

ويقول الخبير الاقتصادي التونسي معز الجودي إن "اعتماد الدستور الجديد قد يزيد فرص التوصل إلى اتفاق بعد أن أصبحت السلطة في يد واحدة غير مشتتة بعكس الماضي، لكن ذلك غير كاف".

ولكن مع ذلك، فإن نهجه السياسي الأحادي الجانب يمكن أن يؤدي أيضا إلى تعقيد الجهود للحصول على مزيد من المساعدة الغربية، فالديمقراطيات الغربية كانت أهم المانحين لتونس منذ ثورة 2011.

وقد يكون بعض هذه الدول أقل ميلًا إلى دعم تونس من ذي قبل، لكن قد يعتقد آخرون ممن سيتحملون وطأة أي أزمة هجرة إذا انهار الاقتصاد التونسي أن من الضروري دعم تونس في كل الحالات بصرف النظر عن تحركات سعيد.

ومع ذلك، فحتى لو تمكن سعيد من تأمين حزمة صندوق النقد الدولي ومساعدات أجنبية أخرى، فإنه لم يبد اهتماما يذكر بمعالجة الاقتصاد، أو إعلان إستراتيجية لاستعادة النمو وتوفير فرص عمل واستقطاب الاستثمارات الخارجية.

خيبة أمل من الديمقراطية

وأدت الإخفاقات الاقتصادية إلى الشعور بخيبة أمل إزاء الديمقراطية والغضب من الأحزاب في البرلمان، وهو ما يطفو إلى السطح كل شتاء مع احتجاجات تضرب المدن التونسية.

ويقول المدير التنفيذي لمبادرة الإصلاح العربي نديم حوري إن "أكبر نقطة ضعف لديه هي الاحتجاج الاجتماعي، وبالنظر إلى أن سعيد ركز كل شيء في يديه، لم يعد بإمكانه إلقاء اللوم على الآخرين الآن".

وقد تكون أي احتجاجات اجتماعية أو سياسية اختبارا لوعد سعيّد بالتمسك بالحقوق والحريات المكتسبة بعد 2011، واختبارا لولاء الأجهزة الأمنية.

وفي الوقت نفسه، وعلى الرغم من الغضب الشعبي من أحزاب المعارضة، فلا تزال لديهم هياكل وطنية منظمة قادرة على حشد الناس في مناطق مختلفة من البلاد، وجميعهم تقريبا يرفضون عدّ تحركات سعيّد شرعية.

وشككت جبهة الخلاص الوطني (تحالف معارض رئيسي) في نسبة المشاركة الرسمية البالغة 28%، وقالت شخصيات معارضة بارزة أخرى إن معدل المشاركة المنخفض غير كاف لمباركة نظام سياسي جديد دائم.

المصدر : رويترز