الجزيرة نت تستطلع آراء خبراء من واشنطن.. هل فشل المسار الدبلوماسي بين الولايات المتحدة وإيران؟

الاجتماع الفصلي لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالمقر في فيينا (الفرنسية)

واشنطن- تزامنا مع صدور تقرير من مجلس الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن فشل طهران في الوفاء بتعهداتها النووية، وتخطيها المعدلات المتفق عليها لتخصيب اليورانيوم، يزداد التشاؤم بين الكثير من خبراء الشأن الإيراني تجاه مصير تجديد العمل بالاتفاق النووي الموقع عام 2015، والذي ألغاه الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2018.

ويقول الخبراء إن إدارة الرئيس جو بايدن لم تتخذ خطوات مبكرة للعودة للاتفاق النووي مع إيران، مما ساهم جزئيا في وصول "قيادة جديدة متشددة" لسدة الحكم في طهران، وهو ما أدى لعرقلة إحياء العمل بالاتفاق النووي.

الجزيرة نت حاورت 4 خبراء لاستبيان اتجاهات التفكير السياسي في واشنطن تجاه قضية الملف النووي الإيراني. وجاءت آراؤهم على النحو التالي:

تقول الخبيرة بالشؤون الإيرانية ومديرة "مبادرة مستقبل إيران" بالمجلس الأطلسي باربرا سلافين إن كانت تتوقع ما ورد في التقرير الجديد الصادر من الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وأضافت أن من المهم أن نتذكر أن وجود ما يكفي من المواد لصنع سلاح وامتلاك سلاح نووي هما في الواقع شيئان مختلفان، وأن إيران ستحتاج إلى الوصول بالتخصيب إلى نسبة 90%، كما سيتعين عليها أن تكون قادرة على تحديد طريقة استخدام هذا السلاح حال توفره.

وتوضح أنها هذه العملية قد تستغرق عاما أو عامين آخرين. ومع ذلك، فإن هذا مقلق ونتيجة مباشرة لقرار إدارة ترامب "المتهور" بالانسحاب من الاتفاق عندما كانت إيران في حالة امتثال كامل لها.

واعتبرت مديرة مبادرة "مستقبل إيران" أن استمرار المفاوضين في النضال من أجل استئناف العمل بالاتفاق النووي أصبح أكثر إلحاحا، بعدما تقدمت إيران في نسب تخصيب اليورانيوم.

وبخصوص حسابات الداخل الأميركي والإيراني تجاه المفاوضات، أكدت الخبيرة بالشأن الإيراني أن ذلك هو لب الخلاف والقضية الرئيسية سواء في طهران أو واشنطن! ففي العاصمتين هناك خوف من الظهور بمظهر ضعيف، ولا توجد بعد إرادة سياسية كافية للعودة إلى الاتفاق.

وترى أن الإيرانيين -وبشكل خاص- يخشون من أن تنسحب الإدارة الأميركية مرة أخرى حتى لو عادوا إلى الامتثال.

ومع تراجع شعبية بايدن في استطلاعات الرأي العام، يزداد الشعور بالقلق إزاء انتخابات الكونغرس القادمة في نوفمبر/تشرين الثاني حيث يتوقع أنها لن تسهل من تعاطي بايدن مع قضية الاتفاق النووي.

وتقول مديرة مبادرة "مستقبل إيران" إن بايدن، على العكس من الرئيس الأسبق باراك أوباما، لم يكن أبدا مستثمرا أو مستعدا للمخاطرة من أجل التوصل لاتفاق، كما أنه لا يرغب في تقديم تنازلات إضافية لاستعادة الصفقة.

أما الباحثة في المجلس الوطني الإيراني الأميركي آسال راد فتقول إنه بعد عام واحد من عدم الامتثال للاتفاق النووي عقب انسحاب الولايات المتحدة وإعادة فرض العقوبات، ضاعفت إيران من امتلاكها للمزيد من اليورانيوم المخصب.

وترى الباحثة أنه من المهم أن نضع في الاعتبار أن وجود ما يكفي من المواد النووية ليس هو نفس الشيء كامتلاك سلاح نووي فعلي.

وتقول إن الأمر سيستغرق من إيران من عام لعامين قبل التوصل لإنتاج سلاح نووي، وسيتعين عليها اتخاذ قرار سياسي بالسير في هذا الطريق "فلا تزال إيران من الدول الموقعة على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية حتى اليوم، وتؤكد رسميا أنها لا تسعى إلى امتلاك سلاح نووي. وعلى هذا النحو، هناك وقت لتغيير حساباتها، والعودة إلى الاتفاق السابق".

وأشارت الباحثة إلى أن تقدم إيران في معدلات تخصيب اليورانيوم قد يُعجل ويُحرك جمود المفاوضات من خلال إيجاد شعور بالإلحاح لمعالجة القضية، لكن منذ وصول بايدن للحكم تغيب عن إدارته الإرادة السياسية لإصلاح أخطاء سلفه، وإعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي.

ومن ناحية أخرى، يمكن أن يتغير الجمود في الاتجاه الآخر، حيث تتسبب زيادة قدرات إيران النووية في دفع واشنطن إلى التصعيد معها بدلا من المسار الدبلوماسي المتبع.

وأكدت الباحثة أن أحد العوائق الرئيسية أمام استعادة صفقة الاتفاق النووي القديم هو قرار إدارة بايدن إبقاء الحرس الثوري الإيراني على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، والتي كانت اتخذتها إدارة ترامب لعرقلة أي عودة أميركية للاتفاق النووي، من خلال تقييد أيدي الإدارة القادمة بتكلفة سياسية لرفع هذا التنظيم من التصنيف الارهابي.

واعتبرت أن السياسة والحسابات الداخلية، في كلا الجانبين، تسببت في حالة الجمود الراهنة حيث توجد أطراف داخلية متشددة تتطلع لفشل الصفقة القديمة والمسار الدبلوماسي ككل.

وعلى الرغم من أن بايدن كان لديه فرصة ذهبية في وقت مبكر من رئاسته لاستعادة الصفقة عندما كانت إدارة الرئيس الإيراني حسن روحاني -التي ركزت على الاتفاق النووي كأكبر إنجاز لها- لا تزال في السلطة، واليوم ورغم "وجود إدارة متشددة" إلا أنها أشارت إلى أنها تريد استعادة الصفقة مقابل رفع العقوبات.

وسيتعين على الجانبين تقديم تنازلات، لكن من جانب واشنطن: يجب على إدارة بايدن إظهار المزيد من الشجاعة السياسية لتصحيح أخطاء الإدارة السابقة، مع الأخذ في الاعتبار أن غالبية الأميركيين يؤيدون حل القضية النووية مع إيران من خلال المفاوضات.

من جهته يرى خبير الشؤون الإيرانية جودت بهجت، وهو محاضر بمركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا بجامعة الدفاع الوطني التابعة للبنتاغون، أنه تم تسييس قضية تخصيب اليورانيوم بشكل مكثف، ولقد تباهت إيران بذلك معلنة أنها تقوم بتخصيب ما يصل إلى 60%، وقال إن هذه الزيادة قد تكون للضغط على الولايات المتحدة لتقديم تنازلات في محادثات فيينا.

وأضاف الخبير بالشؤون الإيرانية أن إسرائيل لا تشكك في مزاعم طهران بالتخصيب من أجل إقناع واشنطن بفرض المزيد من العقوبات على إيران، أو حتى التفكير في ضربة عسكرية أو شن هجوم سيبراني.

وحذر من أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد تفقد مصداقيتها، إذ إن زيارة أمينها العام إلى إسرائيل الأيام القليلة الماضية خطوة غير ذكية، نظرا للتوتر المتزايد بين تل أبيب وطهران.

واستنادا إلى ما هو متاح من معلومات، لا توجد طريقة لمعرفة ما إذا كان لدى إيران ما يكفي من اليورانيوم المخصب لإنتاج أسلحة نووية بالفعل، لكن من الواضح أنها تقترب من ذلك.

وأشار البروفيسور جودت إلى أنه لا يعتقد أن المفاوضات كانت تسير على الطريق الصحيح، فقد اختار الطرفان ترك أصعب القضايا حتى النهاية. وأضاف أن هناك عقبتين رئيسيتين، أولاهما أنه من الصعب على الرئيس بايدن شطب الحرس الثوري الإيراني من قائمة التنظيمات الإرهابية.

وقال أيضا إن الحرس الثوري يعاني من سمعة سيئة للغاية بواشنطن، وليس لدى بايدن الكثير من الرصيد الإيجابي لاستخدامه في هذه القضية. وفي الوقت نفسه، فإن الحرس الثوري يسيطر على الاقتصاد ومفاصل الدولة، ولا يمكن لأي زعيم إيراني أن يوافق على إبقائه منظمة إرهابية.

من ناحية أخرى، ومع انحسار فرص بايدن في فترة حكم ثانية، يقرأ الإيرانيون الخريطة السياسية الأميركية، ويرون أنه لا قيمة في عقد صفقة مع إدارة بايدن "فهم يصرون على ضمانات بأن الولايات المتحدة لن تنسحب من الصفقة مرة أخرى. ولا يمكن لبايدن أن يمنح إيران مثل هذه الضمانات، حيث لا يملك هو، أو أي رئيس آخر، الصلاحيات الدستورية للقيام بذلك".

ويرى الخبير في المجلس الأطلسي والباحث بمؤسسة دراسات دول الخليج سينا أزودي أن إيران في الوقت الحالي قريبة جدا فيما يتعلق بنسب تخصيب اليورانيوم، مما يعني أنه قد يكون لديها ما يكفي من المواد الانشطارية لتطوير رأس حربي نووي واحد، إذا قررت القيام بعسكرة برنامجها النووي "وهو ما أراه مستبعدا جدا".

ويقول هذا الخبير إن هناك استنتاجا قويا ولكنه خاطئ، وهو أنه كلما تمت إطالة أمد الحرب في أوكرانيا، واستمر فرض العقوبات على روسيا، ستعتمد موسكو على طهران بصورة أكثر.

ويرى أنه كان لدى إيران فرصة مثالية لإنهاء المحادثات النووية بسرعة عندما بدأت الحرب، ولكن كما هو الحال دائما، كثيرا ما يهدر الإيرانيون الفرص.

وعن حسابات الداخل في طهران وواشنطن، أكد أزودي أنها تساهم بقوة في عرقلة التوصل لأي اتفاق. ومع مرور الوقت، تتصاعد الضغوط على إدارة بايدن لعدم الرضوخ للمطالب الإيرانية التي تحد من مساحة القدرة على المناورة الدبلوماسية.

أما في إيران، فتلعب السياسة الداخلية دورا أيضا. أولا ومع استمرار العقوبات، يقاتل الحرس الثوري، والفصائل الأخرى التي تستفيد من العقوبات، لتأمين مصالحها بالحفاظ على استمرار العقوبات. ثانيا: يعارض مفاوضو الجانب الإيراني منذ البداية خطة العمل الشاملة المشتركة، رغم أنهم يشيرون بشكل صحيح إلى أن الانسحاب الأميركي عام 2018 أوضح أنه لا يمكن الوثوق في التعهدات والالتزامات الأميركية.

المصدر : الجزيرة