لوموند: فلاديمير بوتين وبشار الأسد.. المعركة واحدة
العالم الغامض الذي تشكلت فيه عقلية بوتين والأسد يخلق "واقعه البديل" الخاص الذي لا وجود للشعب فيه.
قالت صحيفة "لوموند" (Le Monde) الفرنسية إن العنف الشديد والوحشية المتعمّدة للهجوم الحالي في أوكرانيا دفعا العديد من المعلقين وحتى صناع القرار إلى التشكيك في التوازن العقلي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ووصفه "بالجنون" أو "بجنون العظمة"، إلا أنه لا يمكن فهم حرب أوكرانيا وتطورها فهما كاملا من دون تحليل التقارب العميق في وجهات النظر بين بوتين ونظيره السوري بشار الأسد.
وأوضح أستاذ العلوم السياسية الفرنسي البروفيسور جان بيير فيليو، في عموده بالصحيفة، أن هذه النظرة تجعل التحليلات غامضة من دون داع، في وقت تتطلب فيه المأساة الوضوح أكثر من أي وقت مضى، لأن المهم ليس تشويه السمعة بقدر ما هو محاولة لفهم مصادر عقلانية قد تبدو لنا غريبة، ولكنها مع ذلك يحركها منطق عميق، بخاصة أن الأزمة السورية كان من الممكن أن توفر مقياسا تحليليا لكل من أهملها مدة طويلة كمسرح "ثانوي" مقارنة بأوروبا.
لا يرى بوتين والأسد في "الثورات الملونة" التي تعدّ نتيجة لتلاعب مفترض من قبل المخابرات الغربية، ولا في المعارضة الديمقراطية السورية سوى حفنة من "الإرهابيين" في نظر الأسد، و"النازيين" في نظر بوتين، يجب تصفيتهم على الفور.
فلاديمير الأسد
ويرى فيليو أن الدعم غير المشروط الذي قدمه فلاديمير بوتين لبشار الأسد منذ البداية في سوريا في مارس/آذار 2011 ضد الاحتجاجات السلمية لا يمكن تفسيره من خلال الاعتبارات الجيوسياسية وحدها، إذ يشترك الزعيمان في رؤية للعالم قابلة للمقارنة على نطاق واسع، صاغتها الشرطة السياسية التي أُشربا ثقافتها، بحيث تلقاها بوتين حين كان ضابطا في جهاز الاستخبارات السوفياتية السابق "كيه جي بي" (KGB)، والأسد باعتباره نتاج "المخابرات" السورية التي بيدها سلطة الحياة أو الموت على الرجال والنساء السوريين.
هذا العالم الغامض الذي تشكلت فيه عقلية بوتين والأسد يخلق "واقعه البديل" الخاص الذي لا وجود للشعب فيه، بحيث لا يرى بوتين والأسد في "الثورات الملونة" التي تعدّ نتيجة لتلاعب مفترض من قبل المخابرات الغربية، ولا في المعارضة الديمقراطية السورية سوى حفنة من "الإرهابيين" في نظر الأسد، و"النازيين" في نظر بوتين، يجب تصفيتهم على الفور.
هذا الرفض لأي شكل من أشكال الحوار، ورغبة القضاء على أي صوت ناقد تغذيهما أيضا -كما يقول الكاتب- صفة الوريث التي يتمتع بها كل من الأسد وبوتين، فقد عُيّن بوتين رسميا من قبل بوريس يلتسين، أول رئيس لروسيا بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، خلفا له في الكرملين في عام 2000، قبل انتخابه رسميا رئيسا في مايو/أيار بنسبة 52.5%، أما بشار فقد خلف والده الراحل حافظ الأسد الذي كان الرئيس المطلق لسوريا منذ عام 1970، وقد كُرّست هذه الخلافة الأسرية باقتراع رئاسي مع مرشح واحد، نال فيه الابن نسبة 99.7% من الأصوات.
ولم يكن الوريثان مصممين على الدفاع عن النظام الذي يقوده كل منهما الآن بأي ثمن، بل كان ينتابهما الحنين إلى نظام سابق، حيث تتحدى أوكرانيا الديمقراطية الاستبداد الروسي بالنسبة لبوتين، وحيث سلطة الاتحاد السوفياتي كانت توازن الولايات المتحدة بالنسبة للأسد، الطاغية السوري الذي أشاد بالحرب على أوكرانيا ووصفها بأنها "تصحيح للتاريخ مع استعادة التوازن الدولي المائل منذ سقوط الاتحاد السوفياتي".
بشار بوتين
وبوصفهما وريثين لنظام تشكل فيه الشرطة السياسية الإطار القمعي، يجد بوتين والأسد نفسيهما أيضا على رأس شكل من أشكال نقابات المافيا التي يجب اقتطاع جزء من الموارد الوطنية لتشجيعها من أجل الحفاظ على ولاء شبكات المحسوبية للسلطة، وتنظيمها لتجنب تشكل مجموعات يحتمل أن تكون معارضة، ولذا فإن عمل إدارة "الأوليغارشية" في روسيا و"بارونات" النظام في سوريا يمتص جزءا كبيرا من طاقة المستبدين، مع تصفية الحسابات أحيانا على القمة، كما وقع بين زوجة الأسد وأحد أبناء عمومته، كما يقول الكاتب.
لكن الطبقة الحاكمة بأكملها تتحد -كما يرى فيليو- عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن مصالحها الجماعية، وذلك ما يعزز تصميم "فلاديمير الأسد" أو "بشار بوتين" على سحق أي معارضة منظمة ولو قليلا، أما اليوم فإن الحرب على "الإرهاب" التي أسهمت كثيرا في تبرير الحملة الروسية في سوريا منذ عام 2015، بإشارات تشجيع من فرنسا، فهي الآن ترفع شعار "القضاء على النازية" في أوكرانيا.
وختم فيليو بالتذكير الذي كتبته ناتالي نوغايريد في أبريل/نيسان 2012، عندما قالت إن بوتين في الشيشان مثل بشار الأسد، "قاد حملة عسكرية شديدة الضراوة على جزء من شعبه، على خلفية عجز العالم الخارجي وسلبيته"، ومن ثم اقترحت أن تفكر فرنسا في تعليق تعاونها العسكري الصناعي مع روسيا والتخلي عن عقود السلاح باسم حماية المدنيين، "ما دامت موسكو مستمرة في مساعدة نظام يرتكب جرائم ضد الإنسانية"، معتبرة أن ذلك "متسق مع قيمنا المعلنة ومع مصالحنا أيضا".