تحت شعار "قرارنا حرية".. الأسرى الإداريون بسجون الاحتلال يصعّدون لإنهاء اعتقالهم
نابلس- قضى الأسير الفلسطيني حسام الرُّزَّة نحو ثلث عمره ولا يزال في سجون الاحتلال الإسرائيلي، جلها في الاعتقال الإداري، فما يلبث أن يخرج من سجنه حتى يعود إليه، لدرجة بات يشعر وعائلته أن مكوثه لبضعة أشهر حرا مستغربا ومستهجنا.
وبملف اتهام سري كغيره من الأسرى الإداريين يعتقل الرزة -الذي ينحدر من مدينة نابلس بالضفة الغربية- من دون أن يعرف أيا من بنوده هو أو محاميه أو قاضي المحكمة الإسرائيلية التي يمثل لديها، ولا حتى ضابط الجيش الذي قال له عند اعتقاله "جئت أعتقلك رغما عني"، فالحكم بالاعتقال الإداري راجع لضابط المخابرات الإسرائيلي، وهو الآمر الناهي فيه.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsحركة حماس تتعهد بإجبار الاحتلال على إتمام صفقة تبادل الأسرى
وفد مصري في إسرائيل لبحث إعادة إعمار غزة وقضية الأسرى
حملة تضامن بالضفة وغزة مع الأسرى والاحتلال يقمع المتظاهرين
وفي سجن مجدو الإسرائيلي يقضي الأسير الرزة أسبوعه الثالث بعد أن حُوِّل للاعتقال الإداري لـ6 أشهر، وهناك يعد أياما وليالي وأمراضا أثقلت جسده بفعل اعتقالات سابقة كان آخرها قبل 6 أشهر، وبات يشكو ضغط الدم المزمن والديسك والتهاب العظام وأمراضا أخرى أصابته بعد خوضه إضرابا عن الطعام رفضا لاعتقالات سابقة.
ولم يملك الرزة غير الإضراب عن الطعام وسيلة لإنهاء اعتقاله، فخاضه ليومين، قبل أن يوقفه بعد ضغط ونصيحة من رفاقه الأسرى الذين رأوا جسده يتهاوى بفعل المرض، لينخرط في المقاطعة الجماعية لمحاكم الاحتلال والتي يخوضها الأسرى الإداريون رفضا لاعتقالهم عقدين في السجون، معظمها إداري.
وفي المنزل لا تقل معاناة عائلة الرزة، ولا سيما زوجته سناء التي لم تعد تحصي عددا لمرات أو سنوات اعتقاله التي تجاوزت الـ20 عاما، حتى أنها أرَّخت لبعض الاعتقالات بميلاد أبنائها الذين لم يعش معهم حسام زمنا متصلا، ولم تغمره فرحة تخرجهم من الجامعات أو زواجهم، وكانت سناء ولا تزال تتحمل مشقة كل ذلك وحدها.
ولا تعرف سناء -كما أخبرت الجزيرة نت- أدنى معلومة عن زوجها وما آلت إليه أحواله، وتحاول عبر توكيلها محاميا على حسابها الخاص الاطمئنان عليه ومتابعة ملفه سعيا لاقتصار فترة اعتقاله على المدة المحددة.
وتضيف سناء أن من المفارقة أنه وبينما يصارع زوجها رفضا لاعتقاله الإداري تنتظر وعائلتها الإفراج عن ابنها بدر المعتقل إداريا منذ 5 سنوات قريبا "فالاعتقال طال أبنائي الاثنين وزوجي حسام الذي عاشه زوجا وأبا وجدا".
المقاطعة
والرزة واحد من 500 أسير فلسطيني يواصلون لليوم الـ34 وتحت شعار "قرارنا حرية" مقاطعتهم المحاكم الإسرائيلية رفضا لاعتقالهم إداريا، ولوقف هذه السياسة الاحتلالية بشكل نهائي.
ويؤكد الأسرى بمقاطعتهم المحاكم عدم شرعيتها وصوريتها أيضا، كونها غير عادلة ووفق القانون الدولي بتحديد وتوجيه تهم بعينها للأسير ومحاكمته عليها، ومن يقوم بذلك ويحدد مدة الحبس الإداري هو القائد العسكري وضابط المخابرات.
وحتى لا ينفرد الأسرى بنضالهم انتفض الشارع الفلسطيني نصرة لهم على الأرض بتنظيم فعاليات تضامنية في مراكز المدن وأمام مقار اللجنة الدولية للصليب الأحمر وعبر العالم الافتراضي في مواقع التواصل المختلفة بالتغريد على وسم "قرارنا حرية".
وبهذا، فقد وضع الأسرى أساسا متينا -وفق رئيس نادي الأسير الفلسطيني قدورة فارس- لإطلاق عملية نضالية شاملة تستند إلى جماعية العمل رفضا للتسليم بإجراءات الاحتلال العنصرية.
وأكد فارس -في تصريح وصلت الجزيرة نت نسخة منه- أن معركة الأسرى "منتصرة"، وأن المطلوب رفدهم شعبيا بعمل منظم وممنهج يقترن بدعم سياسي ودبلوماسي وقانوني محليا وعالميا.
وهو ما يذهب إليه رئيس اللجنة العليا لنصرة الأسرى في نابلس مظفر ذوقان الذي يقول للجزيرة نت -التي التقته في فعالية نظمت أمس الخميس بميدان الشهداء وسط مدينة نابلس مع الأسرى الإداريين- إن استنهاض الشارع مرتبط بخطوات الأسرى أنفسهم.
وكشف ذوقان أن الأسرى ووفق معلوماته ذاهبون للتصعيد أكثر بخوض إضراب جماعي ومفتوح عن الطعام، وهو ما أكدته لجنة الأسرى الإداريين في تصريح لها صدر مساء اليوم ووصل الجزيرة نت بأن معركتهم "مفتوحة ومستمرة".
وأعلنت اللجنة رفضها التوقيع على قرارات الاعتقال الإداري ورفضها الخروج لمقابلة "الشاباك" (جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي) الذي قالت إنه من يحتجز الأسرى ويمدد اعتقالهم دون تهمة.
خطوة مهمة
من جهتها، ترى المحامية مديرة مؤسسة الضمير لرعاية الأسرى وحقوق الإنسان سحر فرنسيس أن مقاطعة المحاكم خطوة مهمة على الرغم من أنها ليست الأولى، كما هو الإضراب الجماعي للأسرى أيضا.
وتقول للجزيرة نت إن نجاح خطوة الأسرى يستدعي إستراتيجية طويلة الأمد وليس لشهر أو اثنين، وأن يحظوا بدعم خارجي جدي شعبيا ومن أعلى المستويات الرسمية.
وترى فرنسيس أن المسؤولية يتحملها بشكل أكبر المجتمع الفلسطيني والدولي معا، ودعت إلى توظيف تقرير منظمة العفو الدولية (أمنستي) الذي صدر مؤخرا لتجريم الاحتلال دوليا، خاصة أن التقرير أشار إلى أن الاعتقال الإداري أحد ممارسات الأبارتايد للاحتلال، إضافة إلى المحاكمة غير العادلة والتعذيب داخل السجون.
وسجل الأسرى الإداريون تجارب عدة في الإضراب الفردي والجماعي ومقاطعة المحاكم لإنهاء الاعتقال وحققوا نجاحات متفاوتة، ورغم ذلك فإنهم خطوتهم -حسب وصف فرنسيس- مهمة لتسليط الضوء على هذا "الاعتقال التعسفي وفضح "جرائم الحرب للاحتلال وجرائمه ضد الإنسانية".
واعتُبر "الاعتقال الإداري" تعسفيا لخلوه من ضمانات المحاكمة العادلة المنصوص عليها في المادة 75 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، ومنها قرينة البراءة وحق المتهم في معرفة التهم المنسوبة إليه، مما يعد حسب المادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة من المخالفات الجسيمة للاتفاقية.
ومن المستهجن، حسب رئيس منظمة القانون من أجل فلسطين (مقرها بريطانيا) إحسان عادل أن إسرائيل ترفض تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي الفلسطينية، ومن ثم تبرر أوامر الاعتقال الإداري استنادا إلى المادتين 42 و78 من الاتفاقية نفسها اللتين تجيزان لدولة الاحتلال اعتقال أشخاص مدنيين "لأسباب أمنية قهرية"، أو في حالة اقتضى أمن دولة الاحتلال "بصورة مطلقة" اتخاذ إجراء كهذا.
ويحظر القانون الدولي الاعتقال الإداري، ويصفه خبراء حقوقيون في الأمم المتحدة بأنه "فعل مقيت"، وليس له ما يبرره باعتباره ضرورة أمنية.