تكتيك جديد وسد للفجوات.. لماذا تهدد تركيا بعمل بري في سوريا؟

إسطنبول- "من غير الوارد أن تقتصر "المخلب-السيف" على العملية الجوية وسنقرر بشأن حجم القوات البرية التي يجب أن تشارك"، عبارة لخص بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تطلعات أنقرة، وهو يعلن عن شن غارات مكثفة استهدفت مقرات للتنظيمات الكردية المناوئة لتركيا في الشمال السوري، بعدما اتهمت أنقرة وحدات حماية الشعب الكردية بتدبير تفجير إسطنبول الأخير.
ولم تخف تركيا يوما رغبتها بشن عملية واسعة لإبعاد التنظيمات الكردية، المرتبطة في نظر أنقرة بحزب العمال الكردستاني المصنف على لوائح الإرهاب في تركيا والغرب، عن الحدود الجنوبية للبلاد، تحقيقا لـ "الأمن القومي" التركي من منظور أنقرة.
هذا المطلب التركي يواجه عادة معارضة من كل من الولايات المتحدة المتحالفة مع الوحدات الكردية تحت اسم قوات سوريا الديمقراطية، وروسيا التي تدعم نظام بشار الأسد، وتعتقد بأن توغل القوات التركية في البلاد يقوض من سيادة حليفها في دمشق.
سد الفجوات
ويصف مراقبون العملية العسكرية التركية الحالية ضد معاقل الوحدات الكردية بالأوسع من حيث النطاق والأهداف، وهي عمليات قال الرئيس التركي إنه لم يجر بخصوصها محادثات مع نظيره الأميركي جو بايدن، والروسي فلاديمير بوتين.
ويطرح حديث أردوغان عن انضمام قوات برية للعملية تساؤلات حول آفاق العملية، واحتمالات لتطورها لعملية برية واسعة، ومواقف القوتين الدوليتين اللتين تنشران قوات في المنطقة.
ويقول فخري إيرينيل العميد المتقاعد ونائب رئيس المركز التركي الآسيوي للدراسات الإستراتيجية (تاسام) إن تركيا تسعى لتنفيذ عملية عسكرية بطريقة "تسد الفجوات بين مناطق العمليات التي نفذتها سابقا في شمال سوريا، وتطهير كامل الحدود من التنظيمات الإرهابية حتى عمق 30 إلى 35 كيلومترا من الحدود".
وشهد الشمال السوري 4 عمليات عسكرية ضخمة بمشاركة برية واسعة من القوات التركية منذ عام 2016، وهي "درع الفرات" (2016) ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وأتبعتها بعملية "غصن الزيتون" في 2018 ضد وحدات حماية الشعب.
كما شنت القوات التركية عملية "نبع السلام" في منطقتي تل أبيض ورأس العين في 2019 ضد قوات سوريا الديمقراطية، ثم "درع الربيع" في محافظة إدلب خلال 2020، والتي كانت عملية إعادة تموضع للقوات التركية الموجودة أصلا.
وتعتقد أنقرة بأن عملية "نبع السلام" التي أنهتها بموجب اتفاقين منفصلين مع كل من موسكو وواشنطن لم تحقق هدفها، إذ نص الاتفاقان على إبعاد قوات سوريا الديمقراطية إلى عمق 30 كيلومترا تقريبا عن الحدود السورية التركية.
الاتساع والعمق
ويرى إيرينيل، وهو أستاذ مساعد في جامعة "إستنيه" بمدينة إسطنبول في تصريح للجزيرة نت، أن "اتساع وعمق العملية البرية أمران مهمان، ولن يكون بالإمكان توفير الأمن الإقليمي وأمن الحدود دون إبعاد المنظمات الإرهابية 30 إلى 35 كيلومترا عن حدودنا".
من جهة أخرى، يعتبر عبد الوهاب عاصي، الباحث في مركز جسور للدراسات، ومقره غازي عنتاب (جنوب تركيا) أن "المخلب-السيف" هي بمثابة تغيير لتكتيك التدخل العسكري في سوريا قياسا على العمليات السابقة.
وأوضح عاصي للجزيرة نت أن التكتيك التركي الجديد يقضي بالفصل بين الضربات الجوية والتوغل البري زمنيا، إلى حين توفر الظروف السياسية الملائمة لمشاركة القوات البرية في العملية.
هل الظروف مواتية؟
على الصعيد الميداني، رفعت جميع الأطراف جاهزيتها العسكرية استعدادا لاحتمال التصعيد، فمن جهة رصدت أرتال عسكرية تركية تعبر الحدود السورية باتجاه منطقة الشمال السوري، في حين أكدت قوات سوريا الديمقراطية على لسان الناطق باسمها آرام حنا أنها اتخذت "إجراءات دفاعية متعددة".
وأما فصائل الجيش السوري الوطني، المتحالفة مع تركيا، فقال القيادي في صفوفها مصطفى سيجري إن ثمة استعدادات في صفوفها، وقال جوابا على سؤال للجزيرة نت حول هذا الأمر "بكل تأكيد، قواتنا جاهزة وعلى أهبة الاستعداد لتنفيذ العملية العسكرية المرتقبة مع الحلفاء في الجمهورية التركية".
ولكن على الصعيد الدولي، أبدت روسيا تفهمها للمخاوف التركية بشأن أمنها، مؤكدة وجود فروقات دقيقة في نهجي تركيا وروسيا بسوريا، في حين دعت الخارجية الأميركية تركيا إلى وقف التصعيد في سوريا لحماية المدنيين.
ورغم التحذيرات الأميركية، قالت مصادر داخل تركيا والمعارضة السورية إن طائرات حربية تركية اخترقت المجال الجوي الذي تسيطر عليه روسيا والولايات المتحدة لأول مرة لمهاجمة وحدات حماية الشعب الكردية. وقالت القيادة المركزية للجيش الأميركي أول أمس الثلاثاء إن قواتها كانت "بمنأى عن الخطر"، كما لم تستهدف أي غارة مواقع وُجدت فيها.
احتمالات التصعيد
ويلفت الباحث في مركز جسور عبد الوهاب عاصي الانتباه إلى أن ضمان تركيا عدم الاصطدام مع القوات الأجنبية يحتاج إما إلى تنسيق أو إلى إخطار، مرجحا سيناريو الإخطار، استنادا إلى امتلاكها قاعدة معلومات كبيرة جدا تتيح لها الاكتفاء بالإبلاغ المسبق عبر القنوات العسكرية والأمنية بين الجانبين.
ومع ذلك، هناك مخاطر في حال وجود أنشطة عسكرية ذات طبيعة متحركة، وفقا للباحث عاصي، الذي يؤكد أنه قد لا يكفي الإبلاغ لضمان عدم التصادم وإلغاء المهام، مشيرا إلى ما فعلته روسيا عندما ألغت دورية عسكرية كانت مقررة في عين العرب (مدينة سورية حدودية مع تركيا)، في الوقت الذي كانت فيه الطائرات التركية تنفذ هجمات ضد مواقع حزب العمال الكردستاني.
وحسب عاصي، فإنه إذا كان احتمال التصادم قائما خلال الضربات الجوية، فإن هذا الاحتمال يزداد مع وجود مشاركة برية، ويضيف "يبدو أن التنسيق على هذا المستوى غائب بين تركيا وبقية القوات الأجنبية (في سوريا)، وستسعى تركيا خلال الفترة القادمة لتأمينه".
من جهته، يرجح المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو أن تستمر تركيا في قصف الوحدات الكردية وملاحقتهم عبر الطائرات المسيرة، واصطياد قياداتهم من خلال جهاز الاستخبارات، قائلا إن "هذا لن يتوقف أبدا".
واعتبر رضوان أوغلو في حديث للجزيرة نت أن تركيا ستبقي السطوة العسكرية والملاحقات قائمة وأيضا الضغط على الولايات المتحدة بشكل كبير، لكنها في الوقت نفسها لا تريد أن تخسر روسيا، وكذلك إشارات التقارب التي تبديها تركيا تجاه النظام السوري.