لغز تفجير خطي نورد ستريم.. من المستفيد؟ ومن أكثر المتضررين؟

تمثل تفجيرات خطي نورد 1و2، لنقل الغاز الروسي نحو ألمانيا، تطورا جديدا للحرب في أوكرانيا، وتعميقا لأزمة الطاقة في أوروبا، في خطوة من شأنها تعميق انخراط الاتحاد الأوروبي بشكل أكبر في الحرب.
وتتبادل كل من روسيا والدول الغربية الاتهامات بوقوف الطرف الآخر وراء هذه التفجيرات، رغم أن التحقيقات لم تكتمل بعد، ولكن هناك إجماع على أن الانفجارات التي وقعت متعمدة، وتقف وراءها دولة ولها علاقة بالحرب في أوكرانيا.
وإذا تتبعنا منطق من له مصلحة في قطع إمدادات الغاز إلى أوروبا ومن المتضرر، فسنجد أن ألمانيا والاتحاد الأوروبي إجمالا أكثر المتضررين من انقطاع تدفق الغاز الروسي قبل استكمال استعداداتهم لملء خزاناتهم وتحضير البدائل.
ووفقا لوكالة الأناضول، فإن من أبرز المستفيدين من انقطاع الإمدادات الروسية عن أوروبا، الولايات المتحدة وروسيا وأوكرانيا وبولندا ودول البلطيق وبريطانيا، ولكل منها مصلحة فيما وقع من تفجيرات في بحر البلطيق، بحسب اتهامات متبادلة، دون أن يعني أن أيا من هذه الدول متورط فعلا في هذه التفجيرات، قبل صدور نتائج التحقيق الجنائي.
أضرار لا يمكن إصلاحها
"سيكون عديم الفائدة إلى الأبد بعد التخريب"، هذا ما توصلت إليه السلطات الألمانية إذا لم يتم إصلاح خطي غاز نورد ستريم 1و2 بسرعة، مما يكشف أن الجهة التي دبرت التفجيرات تسعى لإخراجه من الخدمة إلى ما بعد الشتاء المقبل.
وترى السلطات الروسية أنه إذا تم توفرت الظروف المناسبة فسيتم إصلاح الأنبوب، لكن ذلك سيستغرق 6 أشهر على الأقل.
هذا الوضع سيجعل ألمانيا تعاني بقسوة في الشتاء المقبل، رغم أنها تمكنت من ملء خزاناتها بنسب تتراوح ما بين 80% و90%، وهو ما يكفيها لفترة لا تتجاوز 3 أشهر.
وتنقل مجلة دير شبيغل، عن دوائر حكومية ألمانية، أن الأضرار التي لحقت بخطي نورد ستريم، كانت واسعة النطاق لدرجة أن ترميمها مستحيل.
واستمر تدفق الغاز من الأنبوب الروسي لعدة أيام بعد التفجير، مما يعكس أنه كان ممتلئا بالغاز، بما فيه أنبوب نورد ستريم2، الذي تم تجميد استغلاله حتى قبل بداية تشغيله رسميا، بسبب تداعيات الحرب الأوكرانية، بينما توقف نورد ستريم1 قبل أسابيع قليلة من الانفجارات الثلاثة.
جدير بالذكر أن 3 تفجيرات استهدفت أنبوبي ستريم 1و2 ، في 27 سبتمبر/أيلول، ووقعت في المياه الدولية ببحر البلطيق، قبل أن يتم اكتشاف تسريب رابع في 28 سبتمبر/ أيلول لكن أقل حجما من سابقيه.
أقوى رد ممكن
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، اعتبرت تفجير الخطين محاولة متعمدة لتعطيل البنية التحتية الأوروبية للطاقة.
لكن تهديدها بأن هذه المحاولة ستواجه أقوى رد ممكن تحمل ضمنيا رسالة موجهة إلى موسكو بالوقوف وراء هذه التفجيرات في خضم الدعم الأوروبي والأميركي لأوكرانيا في مواجهة الجيش الروسي.
فلا يمكن أن توجه رئيسة المفوضية الأوروبية تحذيرا من هذا النوع لو كان المتهم واشنطن أو أي من الدول الأوروبية الأخرى.
هل أطلقت روسيا النار على قدمها؟
تتوجه معظم أصابع الاتهام الغربية إلى روسيا بالوقوف وراء التفجير، وترد موسكو بأن الاتهام "متوقع وعبثي"، ويشير المتحدث باسم الكرملين إلى أن الغاز الروسي المتسرب منه مكلف للغاية.
فروسيا متضررة أيضا من التفجيرات، لأن أنابيب الغاز روسية والغاز المتسرب روسي، ومن الصعب تقبل أنها أطلقت النار على قدمها.
لكن ذلك لا يكفي لتبرئة روسيا، فلكل حرب تكاليفها، ويمكن التضحية ببعض الخسائر من أجل أهداف أكبر، وموسكو تبرع في حرب الخداع، ومارستها مرارا، أشهرها عندما نفت واستخفت باتهامات لها بحشد قواتها للهجوم على أوكرانيا، وهو ما حصل فعلا.
فتفجيرات أنبوبي نورد ستريم جاءت قبل يوم واحد من إعلان نتائج الاستفتاءات التي جرت في 4 مقاطعات أوكرانية تخضع لسيطرة الجيش الروسي (خيرسون، زاباروجيا، لوغانسك، دونيتسك).
ومن مصلحة موسكو أن يغطي حدث كبير، مثل تفجيرات أنابيب الغاز، على تصويت المقاطعات الأربع لصالح الانضمام إلى روسيا، والذي ترفض أوكرانيا والدول الغربية الاعتراف بنتائجه بشدة.
فالإعلام العالمي يركز على تفجيرات أنابيب نورد ستريم، مع القليل من الضوء على استعداد روسيا لضم مقاطعات أوكرانية، لا تحظى بتأييد حتى حلفاء موسكو ناهيك عن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
أما الضرر الروسي من تفجير أنبوب تملكه وغاز تنتجه، فيمكن تعويضه من خلال الزيادة الكبيرة في أسعار الغاز، التي أعقبت التفجيرات.
فضلا عن أن نورد ستريم1 متوقف منذ نهاية أغسطس/آب الماضي، بعد أن قلصت روسيا إمداداتها لألمانيا، بحجة إجراء إصلاحات، وتحتاج حاليا إلى حجة أقوى حتى تستغرق هذه الإصلاحات أشهرا بدل أيام وأسابيع، لتواصل الضغط على ألمانيا في ذروة الشتاء، ودفعها للتخلي عن دعمها لأوكرانيا بالسلاح والتراجع عن عقوباتها ضد موسكو.
واشنطن لها مصلحة
لا تترد موسكو في اتهام الولايات المتحدة بالوقوف وراء التفجير، وتسوق إلى ذلك العديد من الشواهد دون دلائل مؤكدة، ولكنها تطالب بالتحقيق في هذا الملف.
فقد ذكر موقع أفيا برو -المحسوب على دوائر أمنية روسية- أنه قبل أسبوعين من تفجيرات نورد ستريم، لوحظ نشاط غريب لطائرات وسفن حلف شمال الأطلسي الناتو في المنطقة.
ويشير الموقع الروسي إلى أن طائرات ومروحيات تابعة لحلف الناتو حلقت فوق المنطقة التي انفجر فيها خط أنابيب نورد ستريم، ولمحت إلى تورط الغرب فيما حدث.
ويتقاطع هذا الخبر مع ما نشرته مجلة دير شبيغل الألمانية في 27 سبتمبر/ أيلول، أن وكالة الاستخبارات الأميركية حذرت ألمانيا من هجمات محتملة على خطوط أنابيب الغاز في بحر البلطيق، قبل أسابيع من تسرب الغاز من نورد ستريم.
لكن دير شبيغل لم تخلص إلى النتيجة نفسها التي وصل إليها الموقع الروسي، فإذا كانت واشنطن ترغب في تفجير أنابيب الغاز في بحر البلطيق فلم تحذر ألمانيا؟
كما تستند موسكو في اتهامها لواشنطن بالوقوف وراء التفجيرات إلى تسريبات للرئيس الأميركي جو بايدن، في أوائل فبراير/شباط الماضي، قال إن بلاده ستُنهي نورد ستريم 2 إذا تدخلت موسكو عسكريا في أوكرانيا.
بولندا أم أوكرانيا؟
وزير الخارجية البولندي السابق رادوسلاف سيكورسكي، نشر تغريدة على تويتر بعد التفجيرات قال فيها شكرا الولايات المتحدة، في إشارة إلى أن واشنطن من تقف وراء هذه التفجيرات.
وقال سيكورسكي في تغريدة أخرى "أنا سعيد لأن (نورد ستريم)، الذي حاربت ضده جميع الحكومات البولندية لـ20 عاما، مشلول في 3 أرباعه، وذلك أمر جيد لبولندا".
لكنه استدرك بأن كلامه مجرد تحليل وليس مبنيا على معلومات، إلا أنه يضع بذلك بولندا ضمن دائرة الدول المستفيدة من التفجيرات، وبالتالي من الدول التي يمكن توجيه أصابع الاتهام لها.
وأوكرانيا هي الأخرى ليست مستبعدة، خاصة أنها سارعت لاتهام روسيا بالوقوف وراء تفجير أنبوبي الغاز، ومن مصلحتها أن تسوء العلاقة أكثر بين موسكو وحلف الناتو، مما سيعزز الدعم الأوروبي والأميركي العسكري لجيشها.
فكييف لا تريد أن تكون كبش الفداء في عملية استنزاف الجيش الأميركي للدب الروسي، بل تريد توريط حلف الناتو بشكل مباشر في حربها ضد روسيا، حتى ولو أدى ذلك إلى نشوب حرب نووية.