بمَ يفكر الأسير الفلسطيني المضرب عندما يدخل مرحلة الخطر؟
الأسير الفلسطيني كايد الفسفوس: يحرص الأسرى الذين يخوضون تجربة الإضراب عن الطعام على عدم الحركة، وبذل الجهد للحفاظ على سلامة الجسد أقصى مدة ممكنة، لكن إطالة أمد الإضراب تنعكس على وظائف الأعضاء الحيوية.
الخليل – في حديث مطول عن تجربة اقتربت من الموت، أسهب الأسير الفلسطيني كايد الفسفوس بالحديث عن تفاصيل معركة أمعائه الخاوية والتي خاضها مع سجانيه الإسرائيليين.
لا يتسع المقام لذكر كل تفاصيل معركة استمرت 131 يوما، وانتهت بانتصار كايد، إنما سنغوص داخل الأسير الإنسان وشعوره في أدق اللحظات المفصلية بين الحياة والموت.
بمعنويات عالية ووجه البشوش المنتصر، استقبل الفسفوس (32 عاما) مراسل الجزيرة نت، في ذات الغرفة المزدحمة بصوره وصور أسرى آخرين، بينهم ابن بلدته الأسير هشام أبو هواش المضرب منذ 140 يوما (حتى يوم أمس الاثنين)، والتي استقبلتنا فيها والدته المسنة فوزية الفسفوس، خلال إضرابه عن الطعام.
أعمدة الوطن لن تنهار ستبقي قائمة شامخة باذن الله رفيق الاضراب الاسير المحرر كايد الفسفوس #الحرية_لهشام_أبوهواش #فريق_مجاهدون pic.twitter.com/soD10NkLBM
— MAJHOOL (@MAJHOOL33251512) December 30, 2021
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالاحتلال الإسرائيلي يفرج عن الأسير كايد الفسفوس
كاميرا الجزيرة تلتقي الأسير كايد الفسفوس
عائلة الأسير كايد الفسفوس تطالب بالإفراج عنه قبل فوات الأوانسيتم فتح هذه المقالة في علامة تبويب جديدة
بين أحضانه طفلته "جوان" التي عززت في ذاته الثقة كلما شاهدها على الإعلام، بينما هو محتجز في مستشفى الإسرائيلي، وعلى يمينه والدته المقاتلة التي حاربت إلى جانبه إعلاميا أكثر من 4 أشهر حتى تكحلت عيناها به، وقد تحرر وعاد إليها منتصرا.
اعتقل الفسفوس في يوليو/تموز 2020، وأنهى إضرابه في 22 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بعد اتفاق بإنهاء اعتقاله الإداري.
الاسير المحرر #كايد_الفسفوس الذي انتصر في معركة الامعاء الخاوية بعد 131 يوما من الاضراب عن الطعام. يرسم رفيق بطولته الاسير #هشام_أبو_هواش الذي مازال يواصل اضرابه عن الطعام منذ 132 يوما رفضا لاعتقاله الاداري.
#معكم_ولن_ننساكم #الحرية_لهشام_أبو_هواش pic.twitter.com/hzqQyxY20R— Malik Al Qadi (@MalikAlQadi) December 26, 2021
القرار الصعب
يعود بنا كايد إلى منتصف يوليو/تموز 2021 عندما قرر وعدد من أشقائه ورفاق الأسرى خوض "معركة الأمعاء الخاوية، مهما كلّف ذلك من ثمن؛ إما الإفراج أو الشهادة".
فما الذي يدفع شابا في مقتبل العمر، ورب عائلة، يمارس رياضة كمال الأجسام بانتظام إلى اتخاذ قرار تحفه المخاطر؟
هنا يجيب كايد "إنها تجربة تراكمية، اعتقلتُ إداريا لمدة عامين من دون تهمة أو محاكمة، وكل استئناف ضد القرار للمحكمة العسكرية كان يقابل بالرفض".
صور وقفة تضامنية مع الأسير المضرب عن الطعام هشام أبو هواش في جامعة بيرزيت pic.twitter.com/s3iQSnAVwJ
— وكالة شهاب للأنباء (@ShehabAgency) January 3, 2022
ويصدر أمر الاعتقال الإداري من دون لائحة اتهام أو محاكمة -حتى 6 أشهر قابلة للتمديد دون حد أعلى- عن القائد العسكري الإسرائيلي لمنطقة الضفة الغربية بموجب ملف سري يمنع الأسير أو المحامون من الاطلاع عليه.
يقول كايد إنه وأشقاءه الخمسة أمضوا في السجون الإسرائيلية أكثر من 50 عاما، منها أكثر من عقدين من الاعتقالات الإدارية.
مضى 140 يومًا على الإضراب#الحرية_لهشام_أبو_هواش pic.twitter.com/K2FoFCVLDV
— #سعوديون_مع_الاقصى (@Saudis2018) January 3, 2022
بلاغ الإضراب
وفق الفسفوس، فإنه من المتعارف عليه أن يُبلّغ الأسير الذي يعتزم الإضراب إدارة سجنه بقراره، فتحاول بدورها إقناعه بالعدول عن الإضراب، ثم تسارع إلى معاقبته بالعزل الانفرادي عند الشروع في الإضراب فعليا، ومصادرة الملح الذي يتناوله مع الماء.
"عندما شرعت في الإضراب كنت في سجن النقب، نقلوني إلى زنزانة ضيقة أشبه بقبر ليس فيها سوى ما يستر جسدي من ملابس خاصة تعطى للأسرى المضربين، وفي النهار كانوا يصادرون الفراش ويعيدونه مساء، وهكذا مع كل الأسرى"، يقول الفسفوس.
ويضيف أن سلطات السجون عنفته عدة مرات خلال إضرابه، سواء باقتحام زنزانته أو بالتنكيل والضرب، أو نقله بين السجون رغم حالة الإعياء التي يعيشها كل عضو في جسده.
لم يسمح للأسير الفسفوس طوال الأيام الـ 42 الأولى من الإضراب، إلا بلقاءين اثنين أحدهما مع محاميه، والآخر مع مندوب اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وهنا يقول إن "أصعب ما يتعرض له الأسير في الإضراب هو العزل التام وحجب المعلومات عن العالم الخارجي".
ويقول إنه علم بإنهاء إضراب شقيقيه أكرم ومحمود، اللذين أضربا معه في ذات اليوم، بعد أكثر من شهرين من تعليق إضرابهما.
التفكير في الطعام
وفي وقت تتعامل فيه إدارة السجون بحالة من اللامبالاة مع الأسير المضرب، يهمين الطعام والشراب على تفكيره طوال الشهر الأول للإضراب، فيسارع إلى شرب الماء لإشغال نفسه ومعدته، "كنا كلما نتذكر الطعام نشرب الماء، بمعدل 5 لترات ماء يوميا"، يقول الفسفوس.
وطوال فترة الإضراب تستمر مفاوضات إدارات السجون مع الأسرى المضربين، بالترهيب تارة وبالترغيب تارة أخرى.
وهنا يشير كايد إلى قيام السجانين بالحديث أمامه عن أصناف الطعام والمشاوي وروائحها، في محاولة لدفعه لتعليق إضرابه.
هشام أبو هواش 40 عاماً ، الوزن 39 كغم ! أثقل فلسطيني ! pic.twitter.com/BPGgoQlA5o
— محمود الحسنات (@abohamzahasanat) January 3, 2022
بداية التعب
يحرص الأسرى الذين يخوضون تجربة الإضراب عن الطعام على عدم الحركة، وبذل الجهد للحفاظ على سلامة الجسد أقصى مدة ممكنة، لكن إطالة أمد الإضراب تنعكس على وظائف الأعضاء الحيوية.
ويضيف كايد "في البداية تتراجع قدرة الأسير على الحركة، ثم يعاني من ألم شديد في كل أنحاء جسده وخاصة الكلى، ولاحقا يفقد القدرة على السمع والرؤية وتتراجع ضربات القلب ووصلت عندي 30، وتختلف القدرة على التحمل من أسير لآخر".
وتراجع وزن الفسفوس من 97 كيلوغراما في بداية الإضراب إلى 53 في نهايته.
أدوات القوة والثبات
يعد رفض الفحص الطبي أحد أهم أوراق القوة التي يملكها الأسير المضرب، إضافة إلى قوة إرادته في المضي في إضرابه، و"كلما طال أمد الإضراب كان النصر حليف الأسير".
ووفق الفسفوس يحق للأسير وفق قوانين أقرها الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي تناول 20 غراما من السكر يوما، و20 غراما من الملح، ومدعمات غذائية، دون أن يعتبر ذلك كسرا للإضراب.
ويقول إنه رفض كل ذلك "لأن القبول بها يطيل أمد الإضراب وعذاب الأسير المضرب".
ومكث الفسفوس في المستشفى اعتبارا من اليوم الـ78 لإضرابه وحتى إخلاء سبيله بعد 10 أيام من تعليق إضرابه وذلك في الخامس من ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وحتى حصوله على قرار بتجميد اعتقاله في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ظل الفسفوس مقيد اليدين والقدمين في سرير بمستشفى برزلاي بمدينة عسقلان (وسط)، وتحت أعين السجانين.
دخول مرحلة الخطر
يقول الفسفوس إنه لم يكن يتوقع أن يطول به الإضراب، ويصل إلى أكثر من 4 شهور، لكن إطالة أمده جعلته أكثر إصرارا على مطلبه بإطلاق سراحه.
أما عندما يدخل الأسير مرحلة الخطر ويحدث خلل في وظائف أعضائه، يصبح غير مبال بأي شيء ويهيمن على تفكيره اللحظة التي قد تقبض فيها روحه أو ينتصر بصدور قرار الإفراج.
لكن هل يستحق رفض الاعتقال الإداري التضحية حتى فقدان النفس؟ هنا يقول الفسفوس إن الاعتقال الإداري قتل بطيء للإنسان وعائلته وتدمير لمستقبله، فالأسير ليس أكثر من رقم لدى سلطات الاحتلال.
يؤكد الفسفوس، مجددا، أن سلاح الإضراب الفردي هو "الأسير نفسه ثم نفسه ثم نفسه"، رغم استئناسه بالتحركات الشعبية والرسمية خارج السجن، والتي يفرض الاحتلال تعتيما شديد لمنع علم الأسير بها.
ويشدد هنا على أن أساس المعنويات التي يتمتع بها الأسير الضرب هو العلاقة مع الله وأنه مقبل عليه مقيد بأغلال عدوه، فلا يهتم بشيء من الدينا. مع ذلك يقول إنه كان يخشى أن يدخل في غيبوبة ويحقن بمدعمات وفيتامينات من دون موافقته.
قدام هيك مشهد، قديش نحن عاجزين!! #الحرية_لهشام_أبو_هواش pic.twitter.com/XuF7axTZ8A
— بتول𓂆 🇵🇸 (@Batoul_Mansour_) December 29, 2021
ويجزم بأن الإضرابات الفردية إضافة إلى ما تشكله من إرباك لسلطات الاحتلال، تعتبر أداة مهمة لتقليص الاعتقالات الإداري "وهذا واضح مع عدد من الأسرى الذين خاضوا التجربة وبينهم الشيخ خضر عدنان".
وعن مرحلة ما بعد تعليق الإضراب، يقول الفسفوس إنه كان بحاجة إلى أسبوعين ليمارس حياته الطبيعية من مأكل ومشرب "والآن وبعد مضي شهر على تحرري، ما زلت أعاني من تعب وإرهاب وبحاجة لاستمرار التواصل مع أطبائي، لمعالجة وظائف أعضاء حيوية في الجسد كالكبد والكلى والتي تضررت جزئيا بفعل الإضراب".
هشام يتعرض لمؤامرة
عن تصوره لحال الأسير أبو هواش وقد أنهى يومه الـ40 بعد الـ100 في الإضراب (أمس الاثنين) يقول الفسفوس "هو الآن اتخذ القرار؛ الانتصار أو الشهادة، ولا يمكنه أن يتراجع، لأن التراجع سيعتبر فشلا له وكسرا لإرادته ولكافة الأسرى الذين يعوّلون عليه في وضع حد لسياسة الاعتقال الإداري".
وعايش الفسفوس الأسير أبو هواش في بدايات إضرابه في سجن الرملة، موضحا أن هشام كان يعاني من استفراغ مستمر للماء من اليوم الـ20 لإضرابه، "ولم أكن أتوقع أن يستمر إضرابه طوال هذه المدة".
وقال إن "حِمل هشام ثقيل، ويناضل من أجل الأسرى الإداريين جميعا". ووصف ما يجري مع هشام أبو هواش بأنه "محاولة لاغتياله، قتْل هشام قتل لفكرة الإضراب الفردي، هشام تعرض لمؤامرة كبيرة، ويريدونه درسا قاسيا لباقي الأسرى".
ويرى كايد أن هناك "قرارا سياسيا في ظل الحكومة اليمينية المتطرفة بالقضاء على الإضراب الفردي، مهما كلف الثمن، وإذا كسر هشام كسر الشعب الفلسطيني".
والأسير أبو هواش (40 عاما) من نفس بلدة كايد، وأب لـ5 أطفال، ويحتجز حاليا في مستشفى "أساف هروفيه" الإسرائيلي، بوضع صحي حرج، وفق نادي الأسير الفلسطيني.
ووفق النادي شهد إضراب المعتقل أبو هواش "تحولات خطيرة على تجربة الإضراب وهي مرتبطة بأدوات الاحتلال وسياساته الهادفة إلى محاولة كسر التجربة".
ويبلغ عدد المعتقلين الإداريين في السجون الإسرائيلية نحو 500 من بي قرابة 4600 أسير وأسيرة، وفق نادي الأسير.