ميديابارت: في قندهار الحرب أرحم.. المستشفى يعج اليوم بالأموات
صدّيق: قطع المساعدات الدولية بين عشية وضحاها عن بلد يعتمد عليها منذ عقود جريمة نكراء.

منذ عدة أشهر، يمتلئ المستشفى الإقليمي بمدينة قندهار جنوبي أفغانستان بالموتى؛ إذ يلقى من 8 إلى 10 أطفال حتفهم يوميا جرّاء الجوع. وحسب اليونيسيف، فإن مليونا آخرين معرضون للمصير ذاته بسبب سوء التغذية هذا الشتاء في البلاد.
هكذا يصف موفدا موقع "ميديابارت" (Mediapart) الإخباري الفرنسي -رشيدة العزوزي ومرتضى بهبودي- في تقرير لهما بعض ما شاهداه من بؤس في قندهار؛ فالغرف بهذا المستشفى مكتظة وتعاني من نقص شديد في النظافة، مما يجعل الجو محفوفا بالمخاطر.
وفي غرفة الطوارئ الكبيرة، يمتد طفلان إلى 3 أطفال فوق كل سرير، وتتداخل أقنعة الأكسجين وتمديدات أنابيب المحاليل المستخدمة في إنعاشهم؛ إذ يعانون من حالة سيئة للغاية، وقرب هذه الأسرة تجلس الكثير من الأمهات أو الجدات بجوار صغارهن، وأغلبهن لا يفترشن سوى البلاط.
فهذه حريفة (34 عاما) وابنتها نابية -البالغة من العمر 3 أشهر ولكنها تبدو كمن ولدت لتوها- تمكثان في المستشفى منذ 12 يومًا، وتصف وضعها قائلة: "لم يعد لديّ حليب لإرضاعها؛ لأنه لم يتبق لدينا ما نأكله، ووجباتنا تقتصر على الشاي والخبز، وليس لديّ نقود لشراء الحليب المجفف".
لقد قدمت إلى هنا من بلدة "سبين بولداك" بالقرب من الحدود الباكستانية، بعد إغلاق مستشفى منطقتها، وتمكنت بعد جهد جهيد من الوصول إلى قندهار بمفردها، وهي تتوسل إلينا طالبة المساعدة مكررة قولها "دولار! دولار!"، تماما مثل حال المتسولين في الاختناقات المرورية الذين يسحبوننا من أكمامنا، طلبا للعون.
يستنكر الدكتور محمد صديق الوضع قائلا "نحن نعاني من العواقب الملموسة لتجميد المساعدات الدولية والأصول الأفغانية"، مذكرا بالأموال التي أوقفها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والـ9.5 مليارات دولار التي جمدتها الولايات المتحدة، والتي تمثل نصف الناتج المحلي الإجمالي لأفغانستان عام 2020.
ويضيف قائلا: "يعيش مستشفانا على الإعانات المقدمة من المنظمات غير الحكومية الأجنبية التي لم يعد لديها المزيد من المال؛ لأنها تعتمد على هذه الإعانات الدولية، وفي حين يزداد نشاط المستشفى زيادة هائلة، ليست لدينا مساعدة إضافية من الصليب الأحمر أو أطباء بلا حدود".
ويبرز صديق أن "المتأثر من هذا الوضع المزري هو الشعب الأفغاني وشبابه ومستقبل بلاده، فهم من يدفعون ثمن العقوبات، وليس قادة طالبان".
ويرى هذا الطبيب أن قطع المساعدات الدولية بين عشية وضحاها عن بلد يعتمد عليها منذ عقود جريمة نكراء.
الوضع المأساوي في كل مكان، فقر وجوع وعوز… من قندهار إلى هرات، ومن جبال باميان النائية إلى العاصمة كابل
ويعلق ممرض شاب على الوضع قائلا: "انظروا إلى أطفالنا، اجعلوهم يرون ما حل بهم، ليس لديهم ما يأكلونه؛ لأن عائلاتهم لم يتبق لديها شيء، ولا وجود لفرص عمل، ولم تعد هناك رواتب أصلا".
ولا يحتاج أحد إلى التفتيش بعيدا ليرى البؤس؛ إذ يصف الكاتبان الحالة الحرجة لذبيح الله ذي الـ6 أشهر.. فجبينه متجعد وعيونه منتفخة وهو فاغر فمه، ولا يزن سوى 3 كيلوغرامات، أي أقل بالضعف من الوزن العادي لمن هو في سنه.
ويضيف الكاتبان أن الوضع المأساوي في كل مكان، فقر وجوع وعوز… من قندهار إلى هرات، ومن جبال باميان النائية إلى العاصمة كابل.
"عرفت الحرب في هذا المستشفى فقط، وأنا أعمل هنا منذ 18 عامًا، كان ينبغي أن نتنفس الصعداء مع عودة السلام، لكن هيهات، هيهات، فالوضع أسوأ"، وفقا لرئيس قسم طوارئ الأطفال الذي يضيف أن رسالته للعالم تتلخص في الكلمتين التاليتين "أرسِلوا الطعام!"
ويحذر الكاتبان -في نهاية تقريرها- من أن 3.2 ملايين طفل سيعانون -وفقًا لليونيسيف- من سوء التغذية الحاد هذا الشتاء، ومليونا منهم معرضون لخطر الموت، وهو ما يعلق عليه الكاتبان بتهكم قائلين "في مستشفى قندهار، مواكب التوابيت في سيارات الأجرة الصفراء بدأت رقصاتها تحت زقزقة الطيور منذ زمن بعيد".