لوباريزيان: جهادي سابق بتنظيم الدولة أم عميل مزدوج لتونس؟.. الاختفاء الغريب لـ"محمد ب"

FILE - This file image posted on a militant website on Tuesday, Jan. 7, 2014, which is consistent with AP reporting, shows a convoy of vehicles and fighters from the al-Qaida linked Islamic State of Iraq and the Levant (ISIL) fighters in Iraq's Anbar Province. The Islamic State group holds roughly a third of Iraq and Syria, including several strategically important cities like Fallujah and Mosul in Iraq and Raqqa in Syria. It rules over a population of several million people with its strict interpretation of Islamic law. (AP Photo via militant website, File)
تنظيم الدولة احتل أجزاء من العراق وسوريا لسنوات قبل أن يُطرد منها (أسوشيتد برس)

رغم توجيه القضاء الفرنسي تهمة له بالمشاركة في "مؤامرة إرهابية إجرامية"، فإن "محمد ب." اختفى منذ 5 أشهر بعد أن أعاد خلط أوراق قضيته بقوله إنه "عميل للمخابرات التونسية"، وعلى إثر اختفائه أصدرت العدالة الفرنسية مذكرة توقيف بحقه.

وتقول صحيفة "لوباريزيان" (Le Parisien) الفرنسية في تقرير لها إن اعتقال هذا الشخص تم في إطار ما تقوم به أجهزة المخابرات الفرنسية والأوروبية من تعقب لعناصر تنظيم الدولة الإسلامية منذ الانهيار الإقليمي لهذا التنظيم.

وذكر التقرير، الذي أعده رونان فولغوا وجيريمي فام لي، أن تلك الجهود الاستخباراتية تأتي في ظل تسلل جهاديين سابقين متخفين إلى أوروبا، وهي مهمة حساسة للغاية تكشف أحيانًا عن مفاجآت، وفقا للصحيفة.

وأضافت لوباريزيان أنه أثناء التحقيق في شبكة لوجستية تسَهل العودة السرية للمقاتلين السابقين من العراق وسوريا، اكتشف ضباط شرطة من المديرية العامة الفرنسية للأمن الداخلي "دي جي إس آي" (DGSI) وجود تونسي يعيش في بلدة صغيرة هادئة في منطقة بوي دو دوم وسط فرنسا.

وقد اتُهم هذا الرجل البالغ من العمر 36 عامًا بالمشاركة في "مؤامرة إرهابية إجرامية" وسُجن في فبراير/شباط 2020  للاشتباه في انضمامه لصفوف تنظيم الدولة في سوريا ردحا من الزمن، خصوصا أن تونس كانت قد وضعته بالفعل على القائمة السوداء لمواطنيها "المشتبه في كونهم مقاتلين إرهابيين ويحتمل أن يكونوا في دول أوروبية مختلفة".

لكن المدعو محمد ب. أكد، على العكس من ذلك، أنه يعمل بشكل غير رسمي في المخابرات التونسية، وأن مهمته هي تعقب الإرهابيين -الحقيقيين- الذين لجؤوا إلى أوروبا.

الفرار

وفي صيف عام 2021، استغلت هذه الشخصية الغامضة الإفراج عنها تحت إشراف قضائي لتختفي، وقد أصدر قاض فرنسي منذ أغسطس/آب 2021 مذكرة توقيف دولية بحقه.

أما عن الطريقة التي اكتشف بها المحققون محمد بــ، فإن الصحيفة تلفت إلى أن ذلك تم بعد اعتقال رجل آخر هو "محمد ف." تأكد لاحقا أنه التحق بتنظيم الدولة، وتدرج في صفوفه ما بين عامي 2014 و2017 قبل أن يعود لفرنسا ويدعي أنه إنما فر من الخدمة في صفوف التنظيم.

وقد وجهت لائحة اتهامات لمحمد ف. الجهادي وسجن على إثرها، لكن محققي جهاز الاستخبارات الداخلي الفرنسيين اكتشفوا أن هناك شبكة تعمل بين فرنسا وألمانيا وتركيا لتقديم أوراق مزورة وإقامة لقدامى المحاربين الأجانب ومساعدتهم على الاستقرار في أوروبا.

عميل مزدوج

ومن خلال التحقيق في علاقات محمد ف. وزوجته، اكتشفت الشرطة تونسيًا آخر هو محمد ب. وهو أيضًا موجود في فرنسا في شاماليير (بوي دو دوم)، كما أنه يمثل هو الآخر خطرا محتملاً، حسب ما أكدته مذكرة المطلوبين في وثيقة مكافحة الإرهاب الصادرة عن تونس.

وبعد وضع محمد ب. وزوجته تحت المراقبة من قبل مديرية الأمن الداخلي الفرنسية تسللا خلسة إلى بلجيكا خلال فترة أعياد الميلاد عام 2019، وحرصا من السلطات البلجيكية على الحيلولة دون وقوع أعمال عنف محتملة، فضلت اعتقال الزوجين في المكان الذي كانا يقيمان فيه بالقرب من مدينة لييج.

وفي الثواني التي سبقت اعتقاله يوم 12 فبراير/شباط 2020، أقدم محمد ب. على تدمير اثنين من هواتفه المحمولة الستة، وقد تم تسليم هذا الرجل إلى فرنسا حيث وضعه قاضي مكافحة الإرهاب قيد التحقيق كما وضعه رهن الحبس الاحتياطي.

وتقول لوباريزيان إن القضاة والشرطة الفرنسيين لم يكن يساورهم شك في أن المشتبه به عضو في تنظيم الدولة، خصوصا أنه كان يتنقل بين الدول الأوروبية مستخدما وثائق تشيكية وبلغارية مزورة.

غير أنه خلال احتجازه الاحتياطي ادعي أنه متعاون مع المخابرات التونسية، بل شدد على أنه هو من كان وراء اعتقال زميله محمد ف. الذي هو بالفعل عنصر في تنظيم الدولة، وذلك قبل بضعة أشهر بفضل المعلومات التي قدمها.

ويضيف أنه تابع محمد ف. وزوجته آمنة لمدة 4 سنوات قبل أن يساعد في اعتقالهما، قائلا "لولاي لما كان أحد قد اكتشفهما أبدا، لقد ساعدت فرنسا".

ويرجع هذا الرجل وجود أوراق مزيفة لديه واتصالاته المتكررة مع الجهاديين المطلوبين إلى ضرورة ذلك لمهامه الاستخباراتية.

والغريب في الأمر، وفقا للوباريزيان، أن محمد ب. أكد أن قدميه لم تطآ سوريا خلال عهد تنظيم الدولة، ومع ذلك فقد اختفى بين عامي 2015 و 2019، وتفسيراته لهذه الفجوة في حياته المهنية غامضة، حسب الصحيفة.

فرضية معقولة

وتساءلت الصحيفة: هل كان محمد ب. ملفقا ومزورا غير مقنع يلهث وراء خط دفاع يائس؟ لتؤكد أن هذا هو ما اعتقدته العدالة الفرنسية في البداية، قبل أن تعيد رسائل في هواتفه خلط الأوراق، حيث كشف المحققون عن العديد من الرسائل المتبادلة مع جهات اتصال تونسية، وعلى ما يبدو جهات رسمية، وبعضها يؤيد وجود علاقة وثيقة مع أجهزة المخابرات حول الأهداف التي يجب تتبعها.

ونقلت لوباريزيان في هذا الإطار عن مصدر مقرب من التحقيق قوله: "الفرضية القائلة بأن محمد ب. مخبر للسلطات التونسية لها ما يبررها".

وهذا هو ما جعل السلطات القضائية الفرنسية تمنحه حرية تحت الرقابة القضائية يوم 15 يوليو/تموز 2021 على أن يوقع أسبوعيا لدى سلطات الدرك بمقاطعة موزيل في فرنسا.

لكنه، وبعد شهر من ذلك، اختفى دون أن يترك أي أثر، ولا تزال مذكرة التوقيف الدولية الصادرة بحقه سارية المفعول حتى يومنا هذا، وفقا للصحيفة.

فهل لا يزال يعيش مختبئا في فرنسا أم هل هرب إلى خارج البلد؟ هذا ما سألت الصحيفة عنه محاميته السيدة آنتوان أوري، لكنها آثرت عدم التعليق على هذه القضية.

المصدر : لوباريزيان