بالصور.. "الجحيم القارس" يدفن خيام النازحين السوريين ويعمق آلامهم

شمال سوريا- لم تتمكن عائلة النازح السوري محمد العلي من النوم خلال اليومين الماضيين على وقع العاصفة الثلجية التي ضربت المنطقة وأسقطت المئات من الخيام في الشمال السوري أرضا، في الوقت الذي فرضت فيه الثلوج والأمطار حصارا على سكان المخيمات.

وقال العلي (45 عاما) إن تساقط الثلوج فوق الخيمة أسقطها فوق رأس أسرته وهم نيام، مما اضطره إلى نقل أولاده وزوجته إلى خيمة أخرى في المخيم الواقع بريف حلب (شمالي سوريا)، حيث اجتمعت أكثر من 5 أسر ممن تضررت خيامهم.

سوريا - ريف حلب: معظم مخيمات الشمال السوري أقيمت في أراض زراعية تفتقر إلى الصرف الصحي أو قنوات تصريف مياه الأمطار
معظم مخيمات الشمال السوري أقيمت على أراض زراعية تفتقر إلى قنوات الصرف الصحي (الجزيرة)

وأشار العلي -في حديث للجزيرة نت- إلى أن الأطفال في المخيم كانوا يبكون ويرتجفون طوال الليل من شدة البرد، بعد أن تجمعوا داخل خيمة خلت من أي مصدر للدفء، واصفا ما حدث معه بأنه أسوأ يوم مر عليه في حياته.

وأكد النازح العلي أن عمر خيمته من عمر سنوات نزوحه الخمس، ولم تعد قادرة على الصمود في وجه أمطار الشتاء وحرارة الصيف أكثر من ذلك، وحال خيمته هي حال جميع الخيام هنا.

معاناة

وعلى مقربة من خيمة العلي، تحاول المسنة الأرملة أم خالد إعادة نصب خيمتها ورفع قماشها مجددا، من دون أن تنجح في ذلك، بعد أن غطت الثلوج الخيمة وزادت الوزن والحمل عليها.

وتروي أم خالد (62 عاما) أن المياه غمرت خيمتها أمس، وتبلل ما تبقى من أمتعة وملابس وطعام، وأُجبرت على الوقوف في العراء هي وأحفادها الثلاثة طوال الليل.

سوريا - ريف حلب: عمقت العاصفة الثلجية من جراح النازحين وأجبرتهم على المبيت في العراء بعد سقوط خيامهم
الأطفال هم الأكثر معاناة من تساقط الثلوج وانعدام التدفئة والأكل الصحي (الجزيرة)

وتشتكي أم خالد من أن النازحين في مخيم الزيتون -حيث تسكن- ينقصهم كل شيء؛ فهم لا يحصلون على أي مواد للتدفئة أو ملابس أو طعام كاف، وكل ما يصلهم لا يسد الرمق لأيام قليلة.

وتقول إنها تشعل مدفأة بدائية باستخدام بقايا الأغصان اليابسة وعلب الكرتون والملابس البالية من أجل الحصول على القليل من الدفء في هذا الجو القارس.

وتناشد المسنة أم خالد المنظمات الإنسانية تقديم المساعدات ومدّ يد العون للنازحين، عبر تأمين الحطب والملابس للأطفال مع وجود المنخفض الجوي في شمالي سوريا.

"حياة الجحيم"

وتعرض 72 مخيما تؤوي نحو 2250 عائلة في شمال غربي سوريا لأضرار متفاوتة جراء العاصفة الثلجية التي تضرب المنطقة منذ الثلاثاء الماضي، وفق منظمة الدفاع المدني السوري.

ونشرت المنظمة إحصائية جديدة توضح تضرر 920 خيمة بشكل كلّي، و1900 خيمة بشكل جزئي، في 72 مخيما؛ جراء تساقط الثلوج والأمطار الغزيرة خلال اليومين الماضيين.

ووصفت المنظمة حال أكثر من 1.5 مليون مهجّر يعيشون داخل خيام مهترئة بأن "حياتهم غدت كالجحيم"، بعد أن سوّت العاصفة الثلجية خيام بعضهم بالأرض.

سوريا - ريف حلب: تؤوي مخيمات الشمال السوري أكثر من مليون ونصف نازح معظمهم يعتمدون على المساعدات الإنسانية
مخيمات الشمال السوري تؤوي أكثر من 1.5 مليون نازح معظمهم يعتمدون على المساعدات الإنسانية (الجزيرة)

وقال مدير فريق "منسقو استجابة سوريا" محمد حلاج إن زيادة الأضرار في المخيمات سببها عدم اتخاذ الإجراءات الاحترازية اللازمة قبل بداية فصل الشتاء، وتكرار الأضرار السابقة، وعدم وجود حلول فعلية من قبل المنظمات الإنسانية لتلافي تلك الأضرار.

وأضاف حلاج -في حديث للجزيرة نت- أن بقاء المخيمات حتى الآن وفي وضعها الحالي يعد أكبر أزمة فعلية ضمن الأزمة الإنسانية في سوريا.

ووفق حلاج، فلا توجد استجابة فعلية للمتضررين من العاصفة التي ضربت المنطقة، متوقعا أن تبدأ عمليات الاستجابة الإنسانية وإصلاح الأضرار بعد فتح الطرق وتقييم الأضرار بشكل كامل.

سوريا - ريف حلب: يشتكي النازحون السوريون من غياب تام لوقود التدفئة وشح المساعدات الإنسانية
النازحون السوريون يشتكون من غياب تام لوقود التدفئة وشح المساعدات الإنسانية (الجزيرة)

مساعدات؟

ومع حلول الشتاء تتكرر معاناة النازحين السوريين وسط البرد والطين والثلج، في مشهد بات اعتياديا وحاضرا كل عام، حيث يواجه أكثر من 1.5 مليون نازح يسكنون تلك المخيمات معاناة مضنية لا تعرف طريقا لنهايتها.

ويرجع مدير مخيم "التح" في ريف إدلب عبد السلام الموسى تكرار غرق مخيمات النازحين إلى اهتراء وقدم معظم الخيام، وعدم استبدالها منذ عدة سنوات، مع عدم قدرة النازحين على شراء خيمة جديدة.

سوريا - ريف حلب: يعتمد بعض النازحون على مدافئ بدائية يشعلونها ببقايا الأغصان والملابس البالية
بعض النازحين يعتمدون على مدافئ بدائية يشعلونها ببقايا الأغصان والملابس البالية (الجزيرة)

ووفق الموسى، فإن معظم المخيمات أقيمت في مناطق زراعية تفتقر إلى الصرف الصحي أو الطرق المعبدة، مما يجعلها تغرق في الوحل والطين مع أول سقوط للأمطار.

وقال الموسى إن الدعم الذي تقدمه المنظمات الإنسانية عبارة عن مساعدات إسعافية لا تحل المشكلة، ولا يتجاوز سلة غذائية أو منظفات ومواد تعقيم، مشيرا إلى غياب أي دعم يتعلق بوقود التدفئة أو ملابس الشتاء أو استبدال الخيام البالية.

المصدر : الجزيرة