قيمة الخسائر تقدر بـ400 مليون دولار.. الجزيرة نت تكشف تفاصيل نهب معسكر يوناميد في دارفور

لم تكن حادثة النهب التي تعرضت لها بعثة في دارفور الأولى من نوعها، فقد سبقتها حوادث أخرى في 28 سبتمبر/أيلول 2021، ديسمبر/كانون الأول 2019، وهذه الأخيرة قدّرت قيمة المسروقات فيها بـ90 مليون دولار.

معسكر بعثة يوناميد بالفاشر بعد تعرضه للتخريب والنهب في 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي (الجزيرة)

الخرطوم – أعلن حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، استعادة جزء كبير من المحتويات التي نُهبت من مقر البعثة المشتركة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة لعمليات السلام في دارفور "يوناميد" في مدينة الفاشر (شمال دارفور) الأسبوعين الماضيين.

وقدّر أحد موظفي البعثة الأممية، في تصريح للجزيرة نت، قيمة المنهوبات بـ"400 مليون دولار"، في وقت حمّل فيه والي شمال دارفور نمر عبد الرحمن المسؤولية الكاملة عما حدث للقوات التي كانت تقوم بتأمين وحراسة مقر يوناميد في مدينة الفاشر، وتشارك في حماية مقر البعثة وحدات من الجيش والدعم السريع والحركات الموقعة على اتفاق جوبا للسلام، مجددا طلبه بخروج هذه القوات من داخل المعسكر ومن مدينة الفاشر.

وتعرض مقر يوناميد للنهب والحرق للمرة الثانية في أقل من شهر، وجاءت حوادث النهب التي وقعت الجمعة 24 ديسمبر/كانون الأول 2021 بعد ساعات قليلة من إعلان حكومة ولاية شمال دارفور توزيع ما تبقى من الأصول للولايات.

وأوضح مناوي، في مؤتمر صحفي الاثنين الماضي، أن "حادثة نهب وتخريب مقر يوناميد وبرنامج الغذاء العالمي بمدينة الفاشر أرّقت العالم أجمع لكبر حجمها، وقال إن "الحكومة عملت بتعاون كبير أثمر عن تشكيل لجان تحقيق تضمّ ممثلي الأجهزة الأمنية والعسكرية وقوى الكفاح المسلح والجهاز القضائي، وإن تلك اللجان قطعت أشواطا كبيرة وتمكنت من استعادة جزء من المنهوبات وما زالت تواصل عملها".

Sudan signs historic peace deal with five rebel groups, in Juba
مني أركو مناوي: لجان التحقيق قطعت أشواطا كبيرة وتمكنت من استعادة جزء من المنهوبات (رويترز)

خسائر بقيمة 400 مليون دولار

وللوقوف على حجم المنهوبات من معسكر يوناميد الواقع في حي الدرجة بمدينة الفاشر العاصمة التاريخية لإقليم دارفور، تحدثت الجزيرة نت حصريا إلى أحد موظفي بعثة يوناميد العاملين في نقل وتصفية ممتلكات البعثة في السودان.

وقال الموظف الذي طلب عدم ذكر اسمه لأنه غير مخوّل بالتصريح إن "كمية المنقولات التي نُهبت وكان يفترض تسليمها لولايات دارفور الخمس تقدّر بأكثر من 400 مليون دولار حسب التقديرات الأولية، وهي عبارة عن 200 عربة تشمل سيارات وحافلات وتناكر مياه وأنواع أخرى من السيارات، فضلا عن 50 حاوية بها منقولات عبارة عن مولدات كهربائية وأثاث وأشياء أخرى".

وأضاف أنه كان يفترض تسليم هذه الوحدات إلى ممثلي ولايات دارفور الخمس بتقسيم وضعته لجنة سودانية "حيث إن يوناميد نأت بنفسها عن شكل التوزيع، ولا علم لنا بأي إجراءات من قبل البعثة، ولم نعد نحن إلى المعسكر ثانية؛ لكن حسب علمنا أن كل السيارات والحاويات نهبت بالكامل".

وأشار إلى أن الأمم المتحدة وفق قواعدها عند تصفية بعثاتها تقوم بنقل بعض الأصول القيّمة إلى مدينة "برينديزي" الإيطالية التي تضم مخازن الأمم المتحدة، وتنقل بعضها الآخر إلى بعثات الأمم المتحدة المنتشرة في العالم، كما يُنقل بعضها إلى وكالات الأمم المتحدة في الدولة المعنية، والمتبقي يُقدّم في شكل هبات.

وقال "كنا نعمل في المرحلة الأخيرة الخاصة بالهبات بعد تشكيل اللجنة السودانية التي تضم موظفين من البعثة ومن وزارة الخارجية وممثلي الولايات والقوات النظامية، وقامت اللجنة بحصر وتدوين الممتلكات التي يفترض توزيعها في شكل هبات لولايات دارفور، وبعد أن أكملت اللجنة عملها تسلّمنا نحن موظفي البعثة أمر إخلاء عاجل من مقر البعثة في يوم 28 ديسمبر/كانون الأول 2021 حيث إن الأمم المتحدة لها جهة أمنية مستقلة وهي من أوصت بإخلاء المعسكر وفق تقديراتها الخاصة، وامتثلنا نحن للقرار وخرجنا، ووقعت السرقات والنهب بعد ذلك".

UNAMID peacekeepers patrol as Ambassadors of European Union to Sudan visits women development program centre in North Darfur
يوناميد أسست بقرار من مجلس الأمن في 31 يوليو/تموز 2007 قبل إنهاء مهامها رسميا في 31 ديسمبر/كانون الأول 2020 (رويترز)

تفاصيل الواقعة

ويشرح والي شمال دارفور نمر عبد الرحمن نمر في تسجيل صوتي أرسل فيه إلى الجزيرة نت تفاصيل ما حدث، فيقول "كان هناك توزيع حصص للولايات وحكومة إقليم دارفور من الممتلكات التي قررت بعثة يوناميد التبرع بها للحكومات الولائية، وبدأ المندوبون بالاستلام وفي الساعة العاشرة مساء بدأ نهب العربات خاصة الصغيرة منها، وباءت كل محاولاتنا للسيطرة على الوضع بالفشل، وبعد خروجنا تواصل النهب وكانت هناك أصوات ذخيرة حية، وتأكدنا أنه ليس هناك سيطرة على القوات الموجودة في المعسكر" .

وبرّأ نمر المواطنين من مسؤولية النهب الذي وقع في مقر البعثة، وحمّل المسؤولية للقوات التي كانت تقوم بالحراسة، وقال إنها "تشمل القوات ذات المهام الخاصة في الجيش، والدعم السريع، وقوات المجلس الانتقالي، وحركة العدل والمساواة، والتحالف السوداني، وحركة تحرير السودان بقيادة مناوي التي قال إنها موجودة داخل المقر ومسؤولة مسؤولية مباشرة عن الحراسة، والمواطنون ليس لهم علاقة بحادثة النهب؛ قد يكون هناك من أخذ أشياء بسيطة لكن المسؤولية المباشرة تقع على القوات الموجودة في معسكر يوناميد".

نهب مع الإصرار

هذه الاتهامات عضدها الناشط الحقوقي محمد نيكروما المحامي بدارفور الذي قال للجزيرة نت "المتهم الرئيس عندي هي قوات الحركات الخمسة الموجودة في المعسكر فضلا عن القوات النظامية والدعم السريع، لأن النهب عندما حدث كانت مدينة الفاشر في حالة حظر تجول يجعل الناس لا يتحركون بحرية، والدليل الآخر أن العملية كانت مبيتة النية لها؛ إذ إن بعض السيارات المنهوبة أجريت لها صيانة من بطاريات جافة وخلافه وهذا لا يتأتى إلا للقوات الموجودة في المعسكر".

وأشار إلى دوافع اخرى تتمثل "في تبرم القوات التي تقوم بالحراسة من تخصيص القادة الكبار في الحركات الموقعة على السلام للدفعة الأولى من السيارات للمحسوبين عليهم في هذه القوات نفسها، إلى جانب الصراع الخفي على النفوذ بين حاكم دارفور مني أركو مناوي ووالي شمال دارفور نمر عبد الرحمن نمر".

وهو صراع يقول تيكروما إن "جذوره تعو إلى فترة انقسام الجبهة الثورية خلال مفاوضات السلام في جوبا الذي أصبح بموجبه الهادي إدريس رئيسا للجبهة الثورية التي ينتمي لها الوالي نمر عبد الرحمن، وهناك شعور من الوالي نمر أن حادثة النهب هذه مؤامرة من بقية الحركات لتثبيت فشله وإحراجه أمام الرأي العام" .

جانب من المقتينات بالمعسكر الذي تعرض لنهب وتخريب واسع (الجزيرة)

نفي ومخاوف

عند تواصلنا مع القيادي في حركة تحرير السودان-المجلس الانتقالي سيف الدين عيسى نفى بشكل قاطع أن تكون قواتهم من ضمن القوة التي شاركت في حادثة النهب، وقال للجزيرة نت "قواتنا من المجلس الانتقالي ليس لها وجود في معسكر يوناميد، بل نحن موجودون في معسكر الترتيبات الأمنية في (جديد السيل)"، معتبرا أن "المتهم الرئيسي في الواقعة قوات مني مناوي التي توجد داخل المعسكر الذي اختير ليكون مقر حكومة الإقليم بجانب قوات الدعم السريع التي قال إنها أول من بادر بإطلاق النيران في الهواء وبعدئذ بدأت حادثة النهب".

كما أنحى عيسى باللائمة على "القوات النظامية بالإضافة إلى قوات بقية حركات السلام الموجودة في قطاعات مختلفة من المعسكر"، وتابع "نحن سمعنا تصريحات من حاكم الإقليم الذي قال إنه سيعمل لإرجاع المنهوبات من جميع القوات التي اشتركت في هذا الفعل الشنيع، لكن لا نعرف كيف سيتم ذلك، وهذه السيارات شوهد كثير منها على الحدود مع تشاد".

Sudanese people walk past a member of the UN-African Union mission in Darfur (UNAMID) at the Zam Zam camp for Internally Displaced People (IDP), North Darfur, on April 9, 2015. Sudan heads to the polls next week in elections widely expected to extend President Omar al-Bashir's quarter-century rule, despite his indictment for alleged war crimes, continued unrest and a faltering economy. AFP PHOTO / ASHRAF SHAZLY
عناصر من قوات يوناميد قرب مخيم زمزم لاجئين بشمال دارفور (غيتي-أرشيف)

من جهته، قال ضابط برتبة عقيد في الجيش السوداني طلب حجب هويته للجزيرة نت "نحن موجودون في القوة المشتركة المكلفة بحفظ الأمن في الولاية، لكن جنودنا على درجة عالية من الضبط والربط، ومع ذلك التحقيق سيشمل الجميع، وكل متورط سينال جزاءه، لكنني اتفق مع الوالي نمر في دعوته لخروج قوات الحركات إلى نقاط التجميع خارج المدينة، مع العلم أن الميزانية المقررة للترتيبات الأمنية لم يتم توفيرها وهو ما خلق هذا الواقع المأزوم حيث تمتلئ المدينة بجنود الحركات الموقعة على السلام وذلك يجعل وضعها غير مستقر تماما".

ويمضي حسين آدم -أحد ساكني معسكرات النازحين حول الفاشر- في الاتجاه نفسه، قائلا في حديثه للجزيرة نت "المخيف هو ضلوع القوات المشتركة المكلفة بحمايتنا في حوداث النهب هذه وهو ما يؤكد ما كنا نقوله في السابق بضرورة بقاء بعثة يوناميد، لكن العالم كله تخلى عنا ووافق مجلس الأمن على خروج البعثة، والآن نحن نخشى على حياتنا بشكل كامل في ظل وجود هذه القوات غير المنضبطة التي ينبئ سلوكها بمستقبل قاتم جدا، في ظل انعدام سلطة الدولة وقدرتها على السيطرة على الأوضاع على الأرض".

ليست الأولى

ولم تكن حادثة السرقة والنهب التي تعرضت لها بعثة يوناميد في دارفور الأولى من نوعها؛ فقد سبقتها حادثة مماثلة في 28 سبتمبر/أيلول 2021، وأخرى وقعت في مقر البعثة في نيالا في ديسمبر/كانون الأول 2019 وقدّرت الخسائر حسب لجنة التحقيق التي شكلتها الحكومة الانتقالية في ذلك الوقت بـ90 مليون دولار، وقبل ذلك تعرض معسكر رئاسة اليوناميد في الجنينة (غرب دارفور) لنهب وتخريب في مايو/أيار 2019 قبيل يوم واحد من الموعد المحدد لتسليمه إلى حكومة السودان.

المصدر : الجزيرة