لوموند: المغادرة أو البقاء.. معضلة فرنسا والأوروبيين في مواجهة مرتزقة فاغنر بمالي

مصير القوات الفرنسية في مالي لا يزال غامضا بعد أن تأكد وجود مرتزقة فاغنر (الفرنسية)

قالت صحيفة "لوموند" (Le Monde) الفرنسية إن باريس التي جعلت من تأجيل الانتخابات المقرر إجراؤها بداية فبراير/شباط المقبل في مالي، ومن استقدام مجموعة فاغنر الروسية شبه العسكرية، خطا أحمر، يبدو اليوم خطابها أقل صرامة وكأن كل ذلك كان من أجل توفير بعض الوقت.

وأوضحت الصحيفة -في تقرير مشترك بقلم إليز فينسان وفيليب ريكارد من مدينة بريست- أن باريس وبروكسل متفقتان على أن وصول مرتزقة فاغنر الروسية دليل على أن المجلس العسكري الحاكم في مالي منذ انقلاب مايو/أيار 2021 مستمر في "هروبه إلى الأمام"، خاصة بعد العقوبات القاسية للغاية التي فرضتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا على النظام المالي في التاسع من يناير/كانون الثاني الجاري.

ومع أن المسألة كانت موضوع مناقشات مطولة بين وزراء الخارجية والدفاع الأوروبيين قبل يومين في بريست، فإن الوضع -حسب مبعوثي الصحيفة- لا يزال غامضا للغاية فيما يتعلق بظروف الحفاظ على القوات الفرنسية والأوروبية وقوات الأمم المتحدة في بلد كانت فرنسا تكرر أن تأجيل الانتخابات فيه ووصول مجموعة فاغنر إليه سيكون "وضعا غير مقبول".

الحفاظ على الالتزام

ولأن التحذيرات لم تنجح مع باماكو وموسكو، كما يقول المراسلان، فقد حرصت باريس على تجنب أدنى إعلان يربط مصير عملية "برخان" في مالي بهذا التغيير الجيوسياسي، واكتفت وزيرة الجيوش فلورانس بارلي بالقول "سنبلغكم عندما يحين الوقت"، في حين اختفت مظاهر التدريبات التي كانت وزارة الجيوش تقوم بها في العلن.

إعلان

وحسب معلومات الصحيفة، لم يتم اتخاذ قرار بشأن أي انسحاب محتمل من مالي، بل إن الفرنسيين وشركاءهم الأوروبيين اختاروا الحفاظ على التزامهم، مع زيادة الضغط على المجلس العسكري لإقناعه بقبول إجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن، لا في غضون 5 سنوات كما قرر، وبالتالي ينبغي أن يعاقب الأوروبيون عددا معينا من الشخصيات السياسية المالية المشتبه في أنها "تعرقل الانتقال".

وأشار المراسلان إلى أن كل التحدي اليوم بالنسبة لباريس -التي أصبحت علاقاتها مع المجلس العسكري غاية في السوء- هو أن لا تبدو وحيدة في إدارة هذه الأزمة، وهو ما عبّر عنه وزير الخارجية جان إيف لودريان بالقول "إن الوضع في مالي والساحل شأن أفريقي وأوروبي، ولم يعد شأنا فرنسيا ماليا".

أما الاتحاد الأوروبي، الذي استثمر في مالي من خلال مهمة تدريب أولية للجنود الماليين، فقد قرر الاستمرار في المهام الحالية، يقول المسؤول سياسته الخارجية جوزيب بوريل، مشيرا إلى أن الاتحاد قد علق مساعداته المالية لدولة مالي و"نريد أن نظل ملتزمين، ولكن لن يكون ذلك بأي ثمن"، خاصة أن وجود مرتزقة فاغنر أو مدربين روس في تمبكتو، حسب اعتراف المجلس العسكري، يمثل إشكالية خاصة بالنسبة للاتحاد الأوروبي.

ما مصير تاكوبا؟

ومع أن قوات التحالف الأوروبية (تاكوبا) وعملية برخان الفرنسية لا تتدخلان -من وجهة نظر جغرافية بحتة- في المنطقة نفسها التي يتدخل فيها الجيش الروسي أو القوات شبه العسكرية، فإن الإشكال هو أن جوهر عمل تاكوبا هو دعم الجنود الماليين أثناء القتال، وكذلك الروس أيضا.

من جهة أخرى، أعلنت الوزيرة السويدية آن ليندي في بريست انسحاب 100 جندي سويدي كانوا ضمن تاكوبا، وقالت "نحن نعلم الآن أن هناك مجموعة فاغنر، وإذا اكتسبت نفوذا فلا يمكننا الاستمرار"، وتساءلت الصحيفة: هل ستنفصل دول أخرى ممن أقنعتهم فرنسا في السنوات الأخيرة بالمشاركة في التحالف الأوروبي؟ مشيرة إلى أن النقاشات في هذا الاتجاه قد تزداد حدة في برلين، حيث يجب أن يجدد البوندستاغ في مايو/أيار المقبل التفويض الذي يحكم نشر حوالي 1300 من الجنود الألمان في مالي.

إعلان

وفي سياق العقوبات التي تشمل إغلاق المجال الجوي المالي، حاولت فرنسا الحفاظ على تحليق الطائرات العسكرية فوق مالي بعناية من العقوبات التي فرضتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، وقالت بارلي "نحن نعتبر أن حظر الطيران هذا لا يتعلق بالرحلات العسكرية"، ولكن السلطات المالية اختارت تفسيرا أكثر تقييدا، لإعاقة الإمدادات الجوية ومنع المجلس العسكري تحليق طائرة نقل لوجستية فرنسية تربط بين غاو وأبيدجان، حيث تمتلك فرنسا قاعدة عسكرية كبيرة.

وأخيرا، يبدو مصير حوالي 13 ألفا من جنود بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في مالي "مينوسما" (MINUSMA) غير واضح، مع أنهم -حسب المراسلين- هم الأكثر تضررا من إعادة تنظيم "برخان" والتعايش مع الروس، خاصة أن اجتماعا لمجلس الأمن الدولي يوم 11 يناير/كانون الثاني الجاري بشأن مالي لم يصدر أي قرار بشأنهم، مع أن ولاية البعثة تنتهي في يونيو/حزيران القادم.

المصدر : لوموند

إعلان