جائحة كورونا وفضاء الشباب المفضل.. الحملات الرقمية تفرض نفسها في الانتخابات المغربية
الرباط– فرضت جائحة كورونا نفسها على حملات الأحزاب السياسية للانتخابات المغربية المقررة في الثامن من الشهر الجاري، وتحول جزء كبير من جهدها إلى العالم الرقمي.
وتستهدف الأحزاب المغربية بتواصلها مع الناخبين عبر الحملات الرقمية التعريف بتصوراتها ولائحة مرشحيها للانتخابات النيابية والبلدية والجهوية.
اقرأ أيضا
list of 3 itemsبين الشعارات وإمكانية التطبيق.. كيف تناولت البرامج الانتخابية للأحزاب أولويات المواطن المغربي؟
توزيع المهام والصلاحيات.. جدل يتجدد قبل كل استحقاق انتخابي بالمغرب
ومع انطلاق الحملات الدعائية رسميا في 26 أغسطس/آب الماضي، تحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى ساحة تنافس يعرض فيها المرشحون عبر صفحاتهم وصفحات أحزابهم المحلية والجهوية والوطنية برامجهم الانتخابية؛ لاستمالة الناخبين وإقناعهم بالتصويت لهم، كما تحولت مجموعات التواصل الاجتماعي إلى فضاءات للنقاشات السياسية المختلفة.
التواصل الرقمي
يقول عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية (معارضة) عزوز الصنهاجي إن قرار السلطات العمومية تقييد الحملات الدعائية لظروف جائحة كورونا دفعت حزبه للعمل على وضع برامج للتواصل الرقمي، مشيرا إلى أن الأحزاب السياسية باتت مضطرة لتكييف أدوات تواصلها والتوجه إلى حيث يوجد الشباب، خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت.
وكانت وزارة الداخلية منعت تنظيم المهرجانات الخطابية في الفضاءات المفتوحة التي تشهد ازدحاما، وحصرت الجولات الميدانية في بضعة أشخاص، والتجمعات العمومية في 25 شخصا، سواء كانت في الفضاءات المغلقة أو المفتوحة، مع دعوتها لتقليص توزيع المنشورات.
ويوضح الصنهاجي أن حزبه يعول في حملته الرقمية في الأساس على الطاقات النضالية لحزبه في المجال الرقمي، إذ أطلقوا في مختلف المدن صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، وأسسوا مواقع إلكترونية لشرح الخطاب السياسي للحزب والتعريف بمرشحيه، كما استعان حزبه أيضا بالخبرات الخارجية بتأطير وتوجيه من مناضليه حتى يكون الخطاب الرقمي منسجما مع طبيعة الخطاب السياسي لحزبه.
ويؤكد مدير حملة حزب العدالة والتنمية بالنيابة (حكومة) أحمد البزوي للجزيرة نت أن الإعلام الرقمي من الآليات التي يشتغل عليها الحزب دائما، وركز عليها أكثر خلال الحملة الدعائية، وأضاف أن الحزب يعتمد على الوسائل الرقمية وطنيا وجهويا وإقليميا ومحليا في حملته، ويستعمل مختلف الوسائط، خاصة مواقع التواصل الاجتماعي والموقع الإلكتروني للحزب.
وأشار إلى أن حملتهم تعتمد في التواصل الرقمي على خبرات وكفاءات أعضاء الحزب والمتعاطفين معه، وهؤلاء هم من ينتجون المحتوى ويروجون له.
نشاط رقمي محلي
وتتبعت الجزيرة نت حملات بعض الأحزاب على المستوى المحلي، إذ خصصت حملة المرشح للانتخابات البلدية بمدينة تمارة (من ضواحي الرباط) العربي ثابت برنامجا للتواصل الرقمي، ويستعين ثابت بفريق من أعضاء الحزب والمتعاطفين معه لنشر لوائح مرشحيه في مواقع التواصل الاجتماعي عبر الصفحات الخاصة أو المجموعات في فيسبوك، الموقع الاجتماعي الأكثر استخداما في المغرب، والترويج للبرنامج الانتخابي للحزب في المدينة، والمشاركة في النقاشات السياسية المفتوحة في مختلف مجموعات التواصل المحلية.
وبالنسبة لحزب العدالة والتنمية، الذي كان يسيّر المدينة في المرحلة المنتهية، فقد أعد بدوره موازنة مهمة وبرنامجا رقميا مكثفا للتواصل الرقمي، وفق ما أوضحه للجزيرة نت مدير حملة الحزب بتمارة عبد العزيز العايض.
وجهز الحزب لهذا الغرض قاعة في مقره بالمدينة لتكون أستوديو تصوير بمواصفات تقنية عالية، إلى جانب فضاء آخر مخصص لبث الندوات التفاعلية المباشرة التي ينظمها الحزب وينشرها عبر مختلف صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي، وتعاقد لهذا الغرض مع فريق تقني من المتعاطفين مع الحزب لتقديم خطاب رقمي بجودة عالية، حسب تعبير مدير الحملة.
تطور تدريجي
ويصف غسان بن الشيهب -المتخصص في الإعلام الرقمي- إدارة الحملات الرقمية في الانتخابات الحالية "بالجيدة"، وتظهر اهتمام الأحزاب السياسية المغربية بالعالم الرقمي ومعرفة بآلياته.
وتابع للجزيرة نت أن هذه الحملات تتطور بالتدريج، وستأخذ في السنوات القادمة زخما أكبر كما هي الحال في بعض التجارب الدولية.
ولفت غسان بن الشيهب إلى الاختلاف الكبير في الحملات الدعائية الرقمية بين الانتخابات السابقة والحالية؛ فالأحزاب السياسية -في نظره- اقتنعت بأهمية التواصل الرقمي بالنظر لوجود فئة عريضة من المواطنين الناشطين في شبكات التواصل الاجتماعي.
وأشار إلى أن الأحزاب استعانت بأعضائها للإشراف على التواصل الرقمي أو بشركات للتسويق والتواصل تعمل تحت إدارة وتوجيه أعضاء الحزب.
وفي نظر غسان، فإن شبكات التواصل الاجتماعي امتداد لأرض الواقع، لذلك فالحزب السياسي الذي لا وجود له في الميدان لا يمكن لخطابه السياسي الرقمي أن يكون مؤثرا.
ويوضح ذلك قائلا "قد يصل الخطاب للمواطنين عبر شبكات التواصل الاجتماعي، لكن ليس من الضروري أن يقنعهم بالتصويت للحزب، ويمكن أن تكون النخبة التي يخاطبها غير مسجلة في اللوائح الانتخابية".
في الحالة المغربية، يعتقد المتخصص الرقمي أن ما يصنع التأثير ليس الحضور الرقمي القوي فقط، فحتى لو استعانت الأحزاب بأفضل شركات الدعاية وبأحدث الآليات لا يمكنها أن تنجح إلا إذا كان للحزب تواصل وقرب دائمان مع المواطنين في الميدان، وفق تعبير غسان بن الشيهب.
واقع لا مفر منه
ويرى رئيس المرصد المغربي للمشاركة السياسية جواد الشفدي أن الأحزاب السياسية المغربية راجعت أولوياتها التواصلية منذ ظهور جائحة كورونا، ولم تعد ترى الاستثمار الرقمي من الكماليات، بل أصبح واقعا لا مفر منه.
وقال للجزيرة نت إن "الأحزاب التي أعطت أولوية في السابق لتواجدها الرقمي هي الأكثر حظا اليوم في قيادة التحول الرقمي الذي تعرفه الحملات الانتخابية".
وفي نظر الشفدي، فإن الوسائط الرقمية قد تقلب الكفة لفائدة الأحزاب الكبرى التي استثمرت في التكنولوجيا الحديثة قبل الجائحة، وتتوفر على قاعدة بيانات مهمة من المستهدفين، إلى جانب ما توفره مواقع التواصل الاجتماعي -خاصة فيسبوك- من إمكانية الإعلانات المؤدى عنها، والتي لا تدخل في المصاريف الإشهارية التي على المرشحين تقديمها إلى المجلس الأعلى للحسابات، حسب قوله.
ويرجح الشفدي أن "الحملات الرقمية -التي تستهدف بشكل أساسي الشباب بين 18 و23 سنة الذين سيصوتون لأول مرة في حياتهم- بإمكانها الإسهام في تحويل فئة جديدة من الشباب وجعلهم مشاركين وفاعلين في المشهد السياسي، وإقناعهم بالذهاب للتصويت يوم الاقتراع".