أوريان 21: الشرق الأوسط في برامج التاريخ الفرنسية.. وجهة نظر متحيزة

يكاد تاريخ الشرق الأوسط الذي تم تقليصه إلى الحد الأدنى في برامج المدارس الثانوية والكليات الفرنسية، أن يكون مقتصرا على نقاش القضايا الدينية والنزاعات المتعلقة بالغرب، دون أن يكون للتاريخ الاجتماعي والاقتصادي مكان يذكر، رغم أنه هو الذي يتيح للطالب فرصة الخروج من النظرة النمطية للمنطقة.
بهذا الكلمات، لخص موقع "أوريان 21" (Orient XXI) الفرنسي مقالا لأستاذ التاريخ نيكولا لوبوتر، ناقش فيه مناهج المدارس الفرنسية، وخاصة تلك المتعلقة بالتاريخ التي تثير نقاشا فكريا وسياسيا مكثفا أثناء فترات إصلاحها، لأنها في النهاية هي الأساس المشترك الذي يكتسبه جميع الطلاب، وهي التي تشكل رؤية العالم الذي ينقلونه.
وانطلاقا من توزيع بعض عناصر البرنامج في تخصص التاريخ والجغرافيا والعلوم السياسية، يقدم الأستاذ المبرز في علم التاريخ ملاحظتين: أولاهما أن الشرق الأوسط يحتل مكانة هامشية للغاية في التعليم الثانوي في الأقسام العامة المشتركة، وبدرجة أقل في تخصص التاريخ والجغرافيا والعلوم السياسية، حتى إن هذه المنطقة لا يتم اختيارها لتكون موضوع فصل معين.
أما الملاحظة الثانية، فهي أن هذا التهميش يتعلق فعليا بجميع الأراضي غير الأوروبية، مثل أفريقيا وآسيا وأميركا، إذا استثنينا الولايات المتحدة، مما يعني أن البرامج تتركز إلى حد كبير على أوروبا وفرنسا.
المدرسة لا تشجع المجتمع التعليمي بشكل جلي على الابتعاد عن الرؤية النمطية للمنطقة، من خلال دراسة التطور الاقتصادي السريع للغاية للدول النفطية والتحديات التي تواجهها حاليا
موضوعات محظورة
وإذا تجاوزنا الجانب الكمي للبحث -كما يقول المؤرخ للموقع- فإن اختيار المواضيع الذي يقوم به مصممو البرامج لافت للنظر، حيث إن جميع الإشارات المتعلقة بالشرق الأوسط، إذا استثنينا مسألة مثل الهجرة أو السياحة في دبي في برنامج الجغرافيا في السنة الأولى الثانوية، تتعلق بالقضايا والنزاعات الدينية كالحروب الصليبية والإبادة الجماعية للأرمن ونشأة إسرائيل وهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 على الولايات المتحدة وعواقبها.
وهكذا نجد رؤية نمطية إلى حد ما لهذه المنطقة التي تتم دراستها في كثير من الأحيان في ضوء علاقاتها مع الغرب، بدلا من دراستها في دينامياتها الخاصة، ولذلك ينصبّ الاهتمام على تحليل صدمة النفط في السبعينيات فيما يتعلق بالأزمة الاقتصادية، كما ينظر إلى الثورة الإسلامية في إيران على أنها شكل من أشكال رفض النموذج السياسي الغربي، بحسب المؤرخ.
وإذا كان هذا البرنامج مجرد "فتح للمواضيع الصغيرة المستكشفة في تعليم الطلاب، وتعميق تعليم الجغرافيا والتاريخ المشترك"، فإن جمهوره صغير جدا، خلافا لبرامج المرحلة الإعدادية التي تركز على "الدول الأولى" أو على "نشأة التوحيد عند اليهود".
دراسة من منظور موجّه
وأشار المؤرخ إلى أن هذا التركيز على مواضيع محدودة للغاية ليس سوى مواصلة للبرامج السابقة على المرحلة الثانوية، حيث إن الفصل الوحيد المخصص للمنطقة كان بعنوان "الشرق الأدنى والأوسط.. بؤرة للصراعات"، ولا يكاد الأمر يختلف عن دراسة أفريقيا من خلال "منظور الاستعمار والصراعات" ودراسة آسيا من خلال الحرب الباردة وخطورة نمو وتطور الصين.
وتنتقد البرامج الحالية -بحسب المؤرخ- بأنها تعطي مكانا بالغ الأهمية للتاريخ السياسي، حيث تخصص قدرا كبيرا من الوقت لدراسة الأنظمة السياسية والحروب والثورات، ولكنها تهمل تقريبا التاريخ الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
في نهاية المطاف، يبدو أن مكانة الشرق الأوسط في برامج المدارس الثانوية الجديدة تكشف بشكل كبير عن رؤية التاريخ التي روّج لها مصمموها، ويبدو أن المرغوب فيه هو أن يتمكن التلاميذ من تكوين نظرة ثاقبة للمواضيع الرئيسية التي يسمعون عنها كثيرا في وسائل الإعلام، والتي قد تصل إليهم، مثل الإرهاب.
وخلص نيكولا لوبوتر إلى أن المدرسة لا تشجع المجتمع التعليمي بشكل جلي على الابتعاد عن الرؤية النمطية للمنطقة من خلال دراسة التطور الاقتصادي السريع للغاية للدول النفطية والتحديات التي تواجهها حاليا، وتشكيل الهويات الوطنية في الخليج أو "النهضة" الفكرية والدينية والأدبية في مطلع القرنين التاسع عشر والعشرين، وغير ذلك من الأمثلة الكثيرة.