حرية التنقل والإعلام معلقة لإشعار آخر بتونس والرئيس يجدد التزامه باحترام الحريات

الرئيس سعيد رد على جملة اتهامات وجهت له بتقييد حرية الإعلام والتنقل بقوله "لا مساس بالحقوق والحريات" (الأوروبية)

تتعاظم مخاوف صحفيين ومنظمات حقوقية من عودة شبح التضييق على الحريات العامة والخاصة في تونس، مع تتالي قرارات منع السفر بحق المواطنين، ومداهمة وغلق مكاتب إعلامية، في وقت أكد فيه الرئيس قيس سعيد أنه لا مساس بالحقوق والحريات.

وعاشت البلاد خلال اليومين الماضيين على وقع سلسلة من الحوادث التي أثارت جدلا على الساحة الإعلامية والحقوقية، وأعادت للأذهان أجواء الاستبداد التي ظن التونسيون توديعها بعد الثورة.

ونشر الإعلامي والمنتج وليد الزريبي تدوينة أكد فيها مداهمة مجموعة من رجال الأمن أحد الاستوديوهات الإعلامية، وإصدارهم قرارا بإيقاف تصوير برنامج مقالب كان الصحفي بصدد تصويره.

وعبر الإعلامي عن مخاوفه من عودة الرقابة على المصنفات الإعلامية، مشيرا في حديثه مع وسائل إعلام محلية إلى أن برنامجه الذي اختار له عنوان" بطاقة جلب" والذي يستدعي فيه سياسيين ويوقعهم في شباكه، تم إيقافه بالقوة وبدون إذن قضائي.

بدوره نشر الصحفي هيثم الكحيلي تدوينة مطولة تحدث فيها عن تفاصيل ما وصفها بعملية مداهمة لشركته الإعلامية من قبل قوات أمنية بزي مدني دون إظهار إذن قضائي، واحتجاز معدات الشركة وإحالة جميع العاملين فيها إلى التحقيق.

وكان الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية بمحافظة سوسة الساحلية أكد التحفظ على 6 أشخاص بينهم صحفيون يعملون بشركة مختصة في صناعة المحتوى والاتصال الرقمي على ذمة التحقيق، وذلك بعد ورود معلومات لفرقة أمنية مختصة بالاشتباه في تورط هذه الشركة في شبهة الاعتداء على أمن الدولة الداخلي.

قلق حقوقي

وعبر عضو نقابة الصحفيين وجيه الوافي -في حديثه للجزيرة نت- عن قلقه من تنامي مظاهر الاعتداء على الحقوق والتضييق على الحريات بقطاع الإعلام منذ تاريخ 25 يوليو/تموز الماضي، والتي باتت تهدد مكتسبات الصحفيين بعد الثورة.

وذكر عضو النقابة بحوادث منع صحفيين وحقوقيين من دخول التلفزيون الرسمي بعد دعوتهم للمشاركة في برامج حوارية سياسية، محذرا من خطورة عودة تدجين الإعلام ووضعه في خدمة السلطة.

وحذر الوافي من سياسة التعتيم على المعلومة التي باتت تنتهجها رئاسة الجمهورية، ورفض سعيد حتى اللحظة إجراء أي حوار مع مؤسسة صحفية محلية مقابل توجهه لوسائل إعلام أجنبية.

وندد في السياق ذاته بتواصل غلق مكتب قناة الجزيرة، مشيرا إلى أن النقابة تقدمت بمراسلتين لوزارة الداخلية بهدف معرفة أسباب استمرار الغلق من دون إذن قضائي لكنها لم تتلق أي رد.

تقرير صادم

وكشف تقرير صادر عن الهيئة العليا المستقلة للإعلام السمعي البصري (هايكا) -حول التعددية السياسية بعد تاريخ 25 يوليو/تموز- إخلالات وخروقات وصفت بالصادمة، شملت عدم التزام القنوات التلفزيونية بمبدأ التعددية والتوازن خلال تغطية الإجراءات التي اتخذها الرئيس.

وحسب تقرير هايكا، خصصت هذه القنوات حيزا زمنيا بلغ 78.7% لرصد المواقف المؤيدة للتدابير الاستثنائية التي اتخذها سعيد، مقابل 21.3% فقط للمواقف الرافضة.

ودعت الهيئةُ وسائلَ الإعلام العمومية لضرورة التزام الحياد والتوازن والتنوع في الآراء والمواقف خلال البرامج الحوارية والسياسية، وطالبت بهذا الخصوص رئاسة الجمهورية بتوضيح رؤيتها حول مستقبل حرية الصحافة.

وعبرت عضو الهيئة سكينة عبد الصمد -في تصريح للجزيرة نت- عن قلقها من مؤشرات التضييق على الحريات في قطاع الإعلام، سيما بعد إيقاف جميع البرامج الحوارية ذات الطابع السياسي منذ تاريخ 25 يوليو/تموز الماضي.

ووصفت حادثة مداهمة رجال الأمن لأحد استوديوهات التصوير، وإيقاف برنامج تلفزي، بأنه أمر مخيب للآمال، وانتقدت قيام السلطة بممارسة رقابة مسبقة على المواد الإعلامية.

وشددت على أن ما تعيشه تونس اليوم، من خروقات متتالية في قطاع الإعلام، بات يهدد مناخ الديمقراطية وحرية التعبير، معتبرة أن كل سلطة تحاول استمالة وتركيع الإعلام وإدخاله لبيت الطاعة.

التضييق على السفر

وكانت منظمات حقوقية دولية قد عبرت عن قلقها من تصاعد وتيرة القمع والتضييق على الحريات منذ اتخاذ الرئيس التونسي تدابير استثنائية وضع بموجبها أشخاصا تحت الإقامة الجبرية ومنع آخرين من السفر.

وطالبت المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب في بيان لها الرئيس سعيد إلى إنهاء العمل بالإجراءات المقيدة للحرية والتي فرضها وزير الداخلية على عدد كبير من المواطنين، مذكرة إياه بضرورة احترام تونس لتعهداتها الدولية في مجال حقوق الإنسان دون شروط.

واعتبرت المنظمة أن "قيود المراقبة الأمنية تبدو وكأنها توظف اليوم لخدمة مصالح سياسية" وأن المواطنين باتوا "ضحايا قيود تم فرضها بدون موجب قضائي أو قانوني".

بدورها، عبرت منظمة "سكاي لاين" الدولية لحقوق الإنسان عن قلقها البالغ من "استمرار أعمال القمع والانتهاكات الحقوقية التي يعاني منها الأفراد في تونس".

ونبهت، في بيان رسمي، لتراجع الأوضاع الحقوقية بعد قرارات الرئيس سعيد، من خلال تقييد حرية الرأي والتعبير، ومراقبة الصحف والمواقع الإلكترونية إضافة إلى تقييد حق التنقل والسفر بشكل غير قانوني.

وكان نجل الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي قد نشر تدوينة أعلن فيها عن خضوعه للتحقيق الأمني والانتظار ساعات في المطار، بأوامر من قصر الرئاسة، في حادثة وصفها كثيرون بالانتقامية بسبب المواقف السياسية لوالده.

الرئيس يرد

وكان الرئيس سعيد قد رد على جملة الاتهامات التي وجهت له بتقييد حرية الإعلام والصحافة والتنقل، بالقول إنه "لا مساس بالحقوق والحريات" متهما جهات لم يسمها بمحاولة الإساءة له.

وقال سعيد "بحال حصلت بعض التجاوزات كما يشير إلى ذلك البعض أو يدعيه كذبا وبهتانا فالغاية منها هو الإساءة إلى رئيس الجمهورية في هذا الظرف الذي تحمل فيه المسؤولية لإنقاذ الدولة من دوائر الفساد ودعاة العودة إلى الوراء".

وحاولت الجزيرة نت التواصل مع مؤسسة الرئاسة ووزارة الداخلية لأخذ موقفهما من الاتهامات الموجهة لهما بالتضييق على مناخ الحريات في البلاد، لكن لم يتسن لنا ذلك.

المصدر : الجزيرة

إعلان