ليبراسيون: تونس.. تجاوزات في حملة الرئيس على "الفساد"

غالتييه: عدم اليقين يثير أعصاب اللاعبين الدوليين المتحرقين إلى معرفة اسم رئيس الحكومة المؤقتة للحكم على مصداقيته الاقتصادية.

يواصل الرئيس التونسي قيس بن سعيد الذي تولى كامل السلطات تقريبا في تونس منذ نهاية يوليو/تموز ما أطلق عليه الحملة ضد الفساد، لكن قضاة ومحامين ومعارضين يخشون من انجراف البلاد نحو الاستبداد، خاصة أن حل البرلمان يمكن أن يبدأ من اليوم الاثنين، حسب خارطة طريق غير رسمية.

ولخصت صحيفة ليبراسيون (Liberation) الفرنسية مقالا بقلم ماتيو غالتييه، انطلق فيه من القبض على نبيل القروي رئيس حزب قلب تونس، وشقيقه غازي النائب عن الحزب نفسه، ليقول إن مؤيدي قيس سعيد يرون في "فرارهما نحو الجزائر" دليلا على أهمية حالة الطوارئ التي أُنشئت في 25 يوليو/تموز والتي منحت رئيس الدولة سلطات شبه كاملة بعد تعليق مجلس النواب وحل الحكومة.

ويلهج أنصار الرئيس -حسب الكاتب- بأن أقوى الشخصيات الآن في تونس ترتجف، وأن الأخوين القروي ليسا الوحيدين، إذ وضع رئيس محكمة النقض قيد الإقامة الجبرية وقبض على مسؤولين منتخبين، ومنع مديري شركات خاصة وعامة من السفر، والسبب دائما واحد، وهو الاشتباه في فساد دون مزيد من التفاصيل.

ورأى الكاتب أن المواطنين التونسيون عموما سئموا من النظام البرلماني، متهمين النواب بإضاعة الوقت في الإهانات المتبادلة والسباب، بدلا من كبح البطالة البالغة 18%، ووباء كورونا الذي أصبحت تونس جراءه الدولة الـ18 من حيث عدد الوفيات.

تدابير خارج نطاق القضاء

وفي هذا الجو، يضاعف الرئيس وأستاذ القانون الدستوري الصارم أشرطة الفيديو والخطابات ضد من يسميهم "المنتفعين" كالنواب الذين "سرقوا" و"أساؤوا معاملة" التونسيين، معلنا أن "القانون ينطبق على الجميع"، ولكن المنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان بدأت في التساؤل عن القانون المقصود.

وبحسب الصحيفة الفرنسية، تستند الإجراءات غير القضائية المستخدمة، كحظر السفر والإقامة الجبرية، إلى مرسوم عام 1978، الذي تعلن المدونة القضائية الإدارية أنه يتعارض مع دستور 2014، وتدعو منظمة العفو الدولية إلى رفع حظر السفر، وتندد بما تعتبره إجراء تعسفيا وغير قانوني في غياب أي حكم قضائي.

وقالت آمنة القلالي، مديرة مكتب منظمة العفو الدولية في تونس إنه "لا يمكن ولو تحت ستار مكافحة الفساد، خرق قواعد القانون، بالذات الأساسية منها"، كما أحصت المنظمة غير الحكومية "محامون بلا حدود" ما لا يقل عن 50 من السياسيين والقضاة والمحامين ورجال الأعمال الذين تم اعتقالهم أو وضعهم قيد الإقامة الجبرية أو منعهم من السفر منذ 8 سبتمبر/أيلول الحالي.

ونبه الكاتب إلى أن القضاة والمحامين بشكل خاص مستهدفون، ويتم استجوابهم في المطار بشكل منهجي لمعرفة ما إذا كان بإمكانهم الصعود على متن الطائرة أم لا، وبالفعل مُنعت القاضية إيمان العبيدي من الذهاب في إجازة إلى تركيا، على أساس مذكرة إحاطة بسيطة من وزارة الداخلية، رغم أنها -كما يقول محام ساخط يفضل عدم الكشف عن هويته- "تمت ترقيتها قبل ذلك بقليل في محكمة الاستئناف بتونس. نحن لم نعد نفهم المعايير" التي استند إليها.

وتساءل الكاتب عن رئيس الدولة (63 عاما)، هذا المحامي المشهور بنزاهته "هل يريد أن يبدأ حياته المهنية كدكتاتور؟" موضحا أنه يشبه نفسه بالرئيس الفرنسي شارل ديغول في عام 1958، ويرى أنه يعيد النظام إلى دولة في حالة فوضى.

غير أن منذر الشيرني، المحامي وعضو منظمة مناهضة التعذيب في تونس، يرى في "هذا الأمر استمرارا لعقود من السياسات التعسفية"، حيث كان الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي يستخدم المرسوم رقم 78 لمراقبة المعارضين السياسيين، ثم لجأت الشرطة بعد عام 2011 إلى استخدام هذا النص باسم مكافحة الإرهاب، واليوم يستخدمه قيس سعيد كسلاح ضد الفساد، "الشعارات تتغير والممارسات ثابتة".

خريطة طريق

ونبه الكاتب إلى أن ما يقوم به الرئيس بقي ضبابيا حتى الآن بعد 50 يوما، إلا أن قيس سعيد تعهد مساء السبت بتشكيل حكومة "بأسرع ما يمكن"، ولمح إلى مصير الدستور بإشارة إلى تعديلات محتملة، مع تأكيد أن الشعب التونسي "رفض" هذا النص.

وفي اليوم السابق -كما يقول الكاتب- ظهرت مسودة خارطة طريق غير رسمية في وسائل الإعلام، تنص على الإعلان عن حل البرلمان يوم الاثنين وتعيين حكومة مؤقتة في 21 سبتمبر/أيلول، واستفتاء دستوري في يناير/كانون الثاني 2022 وإجراء انتخابات عامة في الربيع.

غير أن عدم اليقين يثير أعصاب اللاعبين الدوليين المتحرقين إلى معرفة اسم رئيس الحكومة المؤقتة للحكم على مصداقيته الاقتصادية، خاصة أن المفاوضات بين تونس وصندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد توقفت منذ 25 يوليو/تموز الماضي.

المصدر : ليبراسيون