مراسل الغارديان: القنابل تسقط على كابل.. هل تشعل 11 سبتمبر أخرى؟

مقاتلان من تحالف الشمال يشاهدان الدخان المتصاعد بعد قصف أميركي لمقاتلي طالبان بإحدى القرى شمالي أفغانستان في نوفمبر/تشرين الثاني 2001 (رويترز)

قال صحفي بريطاني إن العبارات التي تفوه بها الرئيس الأميركي جو بايدن أثناء مغادرة قواته أفغانستان تعيد إلى الذاكرة أصداء الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، عقب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 على مدينتي نيويورك وواشنطن.

ويتساءل الصحفي جيسون بيرك في مقاله بصحيفة الغارديان (The Guardian) عما إذا كانت أزمة 11 سبتمبر مقدرا لها أن تعيد نفسها.

فالذين استمعوا لبايدن وهو يتوعد بالثأر لمقتل 13 من جنود المارينز الأميركيين في التفجير الانتحاري الذي شنه تنظيم الدولة الإسلامية الأسبوع الماضي في العاصمة الأفغانية كابل، لا بد أنهم فوجئوا بمدى تشابه كلماته إلى حد كبير مع عبارات بوش التي أطلقها قبل 20 عاما بالضبط، بحسب الصحفي البريطاني.

ففي خطابه الذي ألقاه على الشعب الأميركي، قال بوش "أريد العدالة" في رد فعله على مصرع 3 آلاف شخص في الهجمات على واشنطن ونيويورك.

ويلفت بيرك في مقاله إلى أن بوش لم يعد رئيسا للولايات المتحدة كما قُتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن "العقل المدبر" لتلك الهجمات، في غارة شنتها قوة عسكرية خاصة قبل 10 سنوات، غير أن الخطاب الأميركي ظل كما هو، فها هو بايدن قد صرح الخميس الماضي قائلا "سنطاردكم وسنجعلكم تدفعون الثمن".

إعلان

حروب متشعبة

وبالمقابل، لا يرى الصحفي البريطاني جيسون بيرك عن مثل هذه اللغة مندوحة، "فالخطاب أكد، بوجه خاص، أن حروب 11 سبتمبر وعشرات الصراعات المعقدة والفوضوية والمتشابكة التي اندلعت قبل 20 سنة، لم تنته بعد".

ورغم أن الحملة الأساسية التي تشنها الولايات المتحدة وحلفاؤها تستهدف "التطرف الإسلامي"، فإن هناك العديد من النزاعات الأخرى.

فحروب 11 سبتمبر شأنها شأن أي صراع كبير -كالحروب النابليونية والحرب العالمية الثانية والحرب الباردة على سبيل المثال- تحتوي في ثناياها على عشرات النزاعات الأصغر، وثنائيات الخير والشر، والصواب والخطأ، ونحن وهم. وكلها "تطمس هذا الواقع الفوضوي".

وفي الآونة الأخيرة، بات القتال بين حركة طالبان -حكام أفغانستان الجدد كما يسميهم جيسون بيرك- وفرع تنظيم الدولة الإسلامية في البلاد، محط الأنظار. فهذه الحرب الصغيرة داخل حرب كبيرة -وفق مقال الغارديان- ظلت مستعرة منذ 6 سنوات، لكنها لم تحظ بالاهتمام إلا بعد أن أعلن "تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان" مسؤوليته عن التفجير الانتحاري الذي وقع الخميس الماضي.

وبعد يوم من التفجير، قالت الولايات المتحدة إنها قتلت قياديا في تنظيم الدولة الإسلامية في أفغانستان وهو ما أكدته حركة طالبان.

ويعتقد جيسون بيرك أن هناك سوابق في حروب 11 سبتمبر تدل على صحة مقولة "عدو عدوي صديقي". ففي العراق كانت الحملة العسكرية الأميركية على "المتشددين الإسلاميين والبعثيين اليائسين" واحدة من 6 أو 7 نزاعات احتدمت عقب الغزو في عام 2003.

فقد قاتلت الولايات المتحدة عدوا هناك بعد أن أدارت ظهرها لعدو سابق، في إشارة للعشائر السنية في محافظة الأنبار "الناقمة" من تهميش الحكومة الشيعية في بغداد المدعومة من واشنطن، الأمر الذي ساهم في صعود تنظيم الدولة الإسلامية.

إعلان

جبهات متغيرة

ويقول كاتب المقال إن كثيرا من الأمور قد تغيرت منذ أن كان يعمل مراسلا للصحيفة البريطانية في أفغانستان، حيث شاهد قاذفات القنابل من طراز بي-52 (B-52) وهي تدك جبال تلك الدولة في ديسمبر/كانون الأول من عام 2001.

ويضيف أن غزو العراق حوَّل مركز ثقل حروب 11 سبتمبر إلى دول في قلب منطقة الشرق الأوسط، لكنه ينتقل الآن إلى تخوم العالم الإسلامي، إلى أفريقيا ومنطقة أفباك (AfPak)، وهو تعبير جديد يستخدم داخل دوائر صنع السياسة الخارجية الأميركية ويُقصد به دولتا أفغانستان وباكستان كمسرح واحد لعمليات الولايات المتحدة.

ويقول بيرك إنه كان وقتها يملي تقاريره لصحيفة عبر هاتف متصل بقمر صناعي، لكن اليوم هناك وسائط إعلام تفاعلية فورية تنقل كل حدث بكثافة وتضخم تأثيراته عبر شبكات التواصل الاجتماعي.

وقد نالت جائحة فيروس كورونا وتراخي النمو الاقتصادي من ثقة الحكومات الغربية، مما أدى إلى استنفاد احتياطياتها النقدية. وبدلا من أن تكون الولايات المتحدة "فائقة القوة دون منازع" أصبحت دولة تواجه مصاعب في عالم متعدد الأقطاب جنح إلى التطرف جراء عقود من الصراعات.

لقد حذر جورج بوش الابن الأميركيين قبل 20 عاما من أنهم يواجهون صراعا طويل الأجل ومكلفا وربما لا يسفر عن انتصارات واضحة كما في الحروب التقليدية.

لكن ما لم يقله بوش أن صراعا من ذلك القبيل قد يتمخض عن هزائم "مذلة ومريرة ومؤلمة"، على حد وصف جيسون بيرك الذي يختم مقاله بالإشارة إلى أن ما من أحد خسر أو كسب حتى الآن أيا من حروب 11 سبتمبر التي لا تزال محتدمة دون أن تلوح نهاية لها في الأفق.

المصدر : غارديان

إعلان