ذا هيل: الدول المتصدعة في أفريقيا تعيد رسم الخرائط الاستعمارية

في عام 1871 كان الناس في الولايات المتحدة يستقبلون التقارير التي يرسلها صحفي من أفريقيا بالانبهار نفسه الذي تحظى به الصور المرسلة اليوم من كوكب المريخ.

FILE PHOTO: An Ethiopian woman, who fled the ongoing fighting in Tigray region, is seen at dawn within Hamdayet village on the Sudan-Ethiopia border, in the eastern Kassala state, Sudan December 16, 2020. REUTERS/Mohamed Nureldin Abdallah/File Photo
الكاتب: ما زالت الدول الأفريقية بحاجة إلى معونات تنموية لمساعدتها على التصدي للفقر (رويترز)

قال باحث ودبلوماسي أميركي سابق إن إقليم تيغراي الإثيوبي هو أحدث منطقة تسعى للانفصال عن الحكومة المركزية لإحدى الدول الأفريقية.

وأشار جي برايان آتوود -وهو باحث زائر بجامعة براون- في مقال بصحيفة "ذا هيل" (The Hill) الأميركية إلى أن الحركة الشعبية لتحرير تيغراي استعادت السيطرة الأسبوع الماضي على ميكيلي عاصمة الإقليم، لتنطلق احتفالات المواطنين "الذين عانوا الأمرّين على يد الجيش الإثيوبي".

ولكن آتوود -الذي كان رئيسا للوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) في عهد الرئيس بيل كلينتون ودبلوماسيا سابقا- يرى أن الصراع في إثيوبيا أبعد ما يكون عن الانتهاء.

فقبل عام واحد فقط، حصل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد على جائزة نوبل للسلام لجهوده في تهدئة التوترات العرقية في بلده. فما الذي حدث؟ يتساءل الكاتب ثم يقول إن الجواب قد يكمن في ما يسميها "الحَمِيَّة العرقية الثورية"، أو في التوتر مع حكومة مركزية ربما تجاهلت مطالب أقاليمها، أو في الآثار المنهكة الناجمة عن الفقر، أو تلك العوامل مجتمعة في أغلب الظن.

غير أن هناك سوابق تاريخية أيضا لا يمكن إغفالها، كما يعتقد كاتب المقال. ويستطرد قائلا إن إحدى المهام الرئيسة المنوطة بالاتحاد الأفريقي -الذي يتخذ من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا مقرا له- هي العمل على صون الحدود القائمة لدوله.

إعلان

وعلى الرغم من أن ترسيم تلك الحدود إرث استعماري، فإن هناك مخاوف من أن تهدد الخلافات العرقية القديمة سلامة الدول القومية مثلما عليه الحال في إثيوبيا.

ويقول آرتوود إن المجتمعات الغربية لم تكن تعرف عن أفريقيا الشيء الكثير عندما زارها الصحفي هنري مورتون ستانلي الذي كان يعمل لمصلحة جريدة "نيويورك هيرالد" (The New York Herald) في عام 1871، وكان الناس في الولايات المتحدة يستقبلون التقارير التي يرسلها من هناك بالانبهار نفسه الذي تحظى به الصور المرسلة من كوكب المريخ اليوم.

ولطالما ظلت أقوى دول العالم تتبارى في ما بينها عقودا من الزمن للحصول على موارد أفريقيا الطبيعية، بما فيها شعوبها، ولكن تلك الدول لم تكن على إلمام بتاريخ القارة وتراثها الثقافي.

فالبلجيكيون جعلوا منطقة الكونغو ملكية خاصة لملكهم، وغرس المستكشفون البريطانيون والإيطاليون والبرتغاليون والفرنسيون أعلام دولهم في مناطق مختلفة من القارة.

ولم تكن الولايات المتحدة تشارك حينئذ في الاستيلاء على أراضي الدول الأفريقية لكنها كانت قد أسست قبل ذلك جمعية الاستعمار الأميركية (The American Colonization Society) لإعادة العبيد المحررين إلى أفريقيا. وفي عام 1847 ظهرت دولة ليبيريا إلى حيز الوجود "كمحمية غير رسمية أكثر منها مستعمرة"، بتعبير كاتب المقال.

ولما راودت ألمانيا -التي كانت قوية نسبيا في ذلك الوقت- الرغبة في الدخول في معترك التنافس على موارد القارة، دفعت بواعث الخوف من نشوب صراع بين الدول الأوروبية مستشار ألمانيا، أوتو فون بسمارك، إلى عقد مؤتمر في برلين عام 1884، وفي ذلك المؤتمر وضع المشاركون حدودا لبعض الدول ما زالت قائمة حتى يومنا هذا.

وكان نصيب التقسيمات الإدارية القديمة التجاهل إلى حد كبير، وتسببت الحدود الاستعمارية في تجزئة ممالك الأشانتي ومالي وهيليدي وسواحيلي وبنين، وممالك أفريقية أخرى.

إعلان

وذكر آرتوود في مقاله أنه كان دبلوماسيا صغيرا في سفارة الولايات المتحدة بأبيدجان عاصمة ساحل العاج في عام 1968 إبان عهد الرئيس الأميركي جون كينيدي الذي دعم بشدة حركات الاستقلال الأفريقية.

ولما نالت بعض الدول الأفريقية استقلالها سارع كينيدي بفتح سفارات في كل دولة من تلك الدول المستقلة حديثا، وأنشأ الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ومنظمة فرق السلام (Peace Corps).

وقال آرتوود إنه عندما عاد إلى أبيدجان عام 2015 في مهمة بحثية، كانت قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة منتشرة هناك. وأضاف أن الانتخابات التي أجريت هناك في 2010 أحدثت انقساما في البلاد عندما رفض الرئيس لوران غباغبو آنذاك الاعتراف بهزيمته، وكان الخلاف في صميمه بين المسلمين في شمالي البلاد ومسيحيي الجنوب.

ولكن كاتب المقال يستدرك قائلا إن وصف الخلاف على أنه مجرد صراع ديني لا يعدو أن يكون تفاديا للحديث عن التوترات التي تحدث بين نحو 60 مجموعة عرقية، وتهدد بتقسيم ساحل العاج.

وهناك 46 دولة في أفريقيا جنوب الصحراء، ولكل واحدة منها إطارها السياسي والاقتصادي الخاص بها، والعديد من تلك الدول أصبحت أكثر ديمقراطية وحكوماتها تخضع للمحاسبة.

وقد حدثت تغييرات في قيادة 27 دولة، وعلى الرغم من الخسائر الفادحة التي تسببت فيها جائحة فيروس كورونا فإن معدلات النمو الاقتصادي "مثيرة للإعجاب".

لقد انقضت أكثر من 60 سنة منذ أن حطمت حركة الاستقلال الاستعمار في أفريقيا، و137 سنة منذ أن فرض مؤتمر برلين الحدود على دول القارة. ومع أن كثيرا من الدول الأفريقية تبلي بلاء حسنا، فإنه لا يزال هناك 18 صراعا مسلحا و2.8 مليون لاجئ فرّوا من أعمال العنف والاضطهاد.

وما زالت الدول الأفريقية بحاجة إلى معونات تنموية لمساعدتها على التصدي للفقر، والزيادة في عدد السكان، ومشاكل التحضر والتغير المناخي والأمراض المعدية، والنهوض بالإنتاج الزراعي، وإدارة الغابات والمؤسسات الهشة.

إعلان

على أي حال، كما يؤكد كاتب المقال، فإن الأفارقة اليوم لا يريدون إغاثات بل شراكات تنموية تكون رافدا لجهودهم، وإذا قُدِّمت لهم موارد ومساعدات فنية "بصبغة استعمارية" فستكون لها نتائج عكسية لا محالة.

وما انفك الأفارقة يناضلون اليوم لإيجاد مسوّغ منطقي للحدود الموروثة من الاستعمار، التي غالبا ما تكون سببا في تأجيج الصراعات الإثنية.

ويمضي آرتوود إلى الزعم أن المؤسسات الديمقراطية والاعتزاز المتزايد بالأوطان خفف من حدّة كثير من تلك المشاكل وليس كلها.

ويختم مقاله بصحيفة ذا هيل بالقول إن إقليم تيغراي يمثل مجموعة من العوامل الداخلية المتشابكة في إثيوبيا، ولكنه أحد أعراض الإرث الاستعماري بدرجة كبيرة.

المصدر : الصحافة الأميركية

إعلان