تونس.. سعيد ينفي تهمة الانقلاب ويفرض حظرا للتجول والمشيشي يتعهد بتسليم منصبه لمن يختاره الرئيس

قرر الرئيس التونسي فرض حظر للتجوال من السابعة مساء إلى السادسة صباحا حتى الجمعة 27 أغسطس/آب المقبل، باستثناء الحالات الصحية العاجلة وأصحاب العمل الليلي

تعهد رئيس الوزراء التونسي المقال هشام المشيشي بتسليم المسؤولية لأي شخص يختاره الرئيس قيس سعيد، ونفى الأخير أن ما قام به انقلاب، كما أصدر أمرا بمنع التجول، بينما نفت حركة النهضة أنباء عن منع رئيس البرلمان ورئيس الحركة راشد الغنوشي من السفر ووضعه قيد الإقامة الجبرية.

وأكد المشيشي في بيان أنه لن يكون معطلا أو جزءا من إشكال يزيد وضعية البلاد تعقيدا، وأنه يتعهد بتسليم مسؤولياته إلى الشخصية التي سيكلفها الرئيس سعيد.

وأشار إلى أن موقفه مرده الحرص على تجنيب البلاد مزيدا من الاحتقان، في وقت تحتاج فيه تونس إلى التكاتف للخروج من أزماتها.

وعزا رئيس الوزراء المقال الصعوبات التي واجهت الحكومة إلى المنظومة السياسية التي أفرزتها انتخابات عام 2019، ووصفها بالمتشنجة والفاشلة وغير القادرة على إدارة المرحلة الحالية.

وأضاف أن الصعوبة الكبرى تمثلت في التوفيق بين خيار الاستقلالية ومتطلبات العمل الحكومي الموضوعية التي تقتضي المحافظة على أغلبية نيابية.

وفي وقت سابق، أكدت مصادر مطلعة للجزيرة أن رئيس الحكومة في منزله وليس رهن الاعتقال، وأنه يعتزم دعوة مجلس الوزراء للانعقاد.

موقف الرئيس

من جهة أخرى، قال الرئيس سعيد -في اجتماع مع رؤساء عدد من المنظمات المهنية- إن ما قام به ليس انقلابا وإنما إجراءات وفق الدستور بعدما وصلت البلاد إلى حد غير مقبول، على حد تعبيره.

وأضاف أنه طبق الفصل الـ80 من الدستور وفق شروطه، باستثناء شرط المحكمة الدستورية لتعذره، وأنه أعلم كلا من المشيشي والغنوشي بالقرارات الاستثنائية التي اتخذها.

ودعا الرئيس الشعب إلى التزام الهدوء وعدم الرد على الاستفزازات، وعدم الخروج للشوارع، وقال "لا أريد أن تسيل قطرة دم واحدة" وطمأن التونسيين بأن الدولة "قائمة ولا مجال للتعدي عليها".

وقالت الرئاسة -في بيان نشرته على فيسبوك- إن الرئيس سعيد أمر بمنع حركة الأفراد والمركبات من السابعة مساء وحتى السادسة صباحا اعتبارا من الاثنين، وحتى الجمعة 27 أغسطس/آب المقبل، باستثناء الحالات الصحية العاجلة وأصحاب العمل الليلي.

وأضاف البيان أن الأمر يتضمن "منع حركة الأفراد والمركبات بين المدن خارج أوقات الحظر، باستثناء الاحتياجات الأساسية والظروف الصحية العاجلة" بالإضافة إلى "منع تجمع أكثر من 3 أفراد في الطرق أو الميادين العامة".

وكان سعيد قد أصدر في وقت سابق الاثنين أمرا بإعفاء رئيس الحكومة ووزير الدفاع إبراهيم البرتاجي، ووزيرة العدل بالنيابة حسناء بن سليمان، من مهامهم، كما كلف الكتاب العامين أو المكلفين بالشؤون الإدارية والمالية -برئاسة الحكومة ووزارتي الدفاع والعدل- تصريف أمور الحكومة الإدارية والمالية، إلى حين تسمية رئيس جديد لها، وأعضاء جدد فيها.

وفي ليل الأحد، أعلن الرئيس تجميد اختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه وإقالة رئيس الحكومة، كما قرر تولي السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس حكومة يعيّنه بنفسه، وتولي رئاسة النيابة العامة لتحريك المتابعة القضائية ضد من تحوم حولهم شبهات فساد.

وقال سعيّد -عقب اجتماع طارئ عقده بقصر قرطاج مع مسؤولين أمنيين وعسكريين- إنه قرر "عملا بأحكام الدستور، اتخاذ تدابير يقتضيها (…) الوضع، لإنقاذ تونس، ولإنقاذ الدولة التونسية ولإنقاذ المجتمع التونسي".

وصباح الاثنين، نقلت وكالة رويترز عن مصدرين أمنيين قولهما إن الرئيس التونسي كلف المدير العام لوحدة الأمن الرئاسي خالد اليحياوي بالإشراف على وزارة الداخلية.

الجيش أغلق مبنى البرلمان ومنع دخول النواب بينما تجمع العشرات بين مؤيد ورافض لقرارات الرئيس (الأوروبية)

موقف حركة النهضة

وفي سياق متصل، نفت حركة النهضة كل ما يروج عن منع سفر الغنوشي ووضعه قيد الإقامة الجبرية.

وأعلن نور الدين البحيري نائب رئيس حركة النهضة تعليق التحرك الاحتجاجي أمام البرلمان على إجراءات سعيد.

وقال البحيري في كلمة أمام أنصار النهضة المحتجين أمام مقر مجلس نواب الشعب، إن الحراك ضد الانقلاب انطلق ولن يتوقف إلا بإسقاطه، موضحا أن تحركات احتجاجية أخرى ستنظم لاحقا بمشاركة أحزاب ومنظمات وجمعيات تدعم "المعركة من أجل الحرية وإجهاض مشروع الانقلاب".

وكان الغنوشي قد وصف قرارات رئيس الجمهورية بالانقلاب، وبدأ اعتصاما أمام البرلمان، وذلك بعدما منعه الجيش من دخول المبنى برفقة عدد من النواب، حيث أكدت قوات الجيش أنها تغلقه وفق تعليمات رئاسية.

مجلس النواب

بدوره، أعلن مجلس نواب الشعب -في بيان- رفضه وإدانته لقرارات الرئيس سعيد الأخيرة، واعتبرها باطلة وتنطوي على خرق للدستور.

وعقب جلسة عقدها عن بعد، أعلن مكتب مجلس النواب -في بيان- أنه في حالة انعقاد دائم، محملا رئيس الجمهورية جميع التبعات الأخلاقية والقانونية لقراراته الأخيرة، كما دعا الجيش إلى الانحياز لصفوف الشعب، والوفاء للقسم بحماية الدستور وصون هيبة الدولة ومؤسساتها، داعيا النواب للدفاع عن قيم الجمهورية وخيار الشعب وفق انتخابات حرة ونزيهة، ورفض كل نزوع نحو الحكم الفردي الشمولي والمستبد، وفق وصف البيان.

ردود الفعل

من ناحية أخرى، قال اتحاد الشغل -وهو أقوى منظمة نقابية في البلاد- إنه يجب أن ترفق التدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس سعيد بضمانات دستورية، مضيفا -في بيان- أنه "يجب الحرص على التمسك بالشرعية الدستورية وتأمين استمرار المسار الديمقراطي، واحترام الحقوق والحريات والاحتكام إلى الآليات الديمقراطية في أي تغيير".

ومن جانبه، وصف رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات نبيل بفون قرارات الرئيس بأنها غير متطابقة مع أحكام الدستور، وأضاف أن الفصل رقم 80 الذي استند إليه سعيد يفرض حالة الانعقاد الدائم للبرلمان حتى بالحالات الاستثنائية، وأوضح أنه لا يمكن الذهاب لانتخابات مبكرة في ظل فراغ على مستوى السلطة، لأن الدستور حدد ذلك فقط في حال حل البرلمان، وهذا غير متوفر.

وقالت الجامعة الوطنية للبلديات (مستقلة تمثل البلديات) إنها تعارض ما وصفتها بالقرارات غير الدستورية والانقلابية لرئيس الجمهورية، وحملته في بيان "مسؤولية رفضه للحوار مرارا وتكرارا، والتسبب في ما آلت إليه الأمور من تعقيدات".

كما صدر بيان عن الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (أرباب العمل) دعا فيه إلى تكوين حكومة كفاءات وطنية، معربا عن استعداده للمساهمة في تخطي هذه "الفترة العصيبة".

وطالب البيان بأن يتوافق القائمون على مؤسسات الدولة على حوار جدي للبحث عن حلول، مذكرا بأنه "لطالما دعا إلى مراجعة النظام السياسي والقانون الانتخابي وبعض أحكام الدستور تجنبا لحالة الشلل التي عاشتها البلاد".

بدوره، دعا المجلس الأعلى للقضاء في بيان إلى النأي بالسلطة القضائية عن كل التجاذبات السياسية، ووصف القضاة بأنهم مستقلون وبأن النيابة العمومية جزء من القضاء العدلي.

وأكد المجلس في بيانه، عقب لقاء ممثلين عنه بالرئيس سعيد، أن النيابة العمومية جزء من القضاء العدلي، وأنها تمارس مهامها في نطاق ما تقتضيه النصوص القانونية الجاري بها العمل.

وجاء ذلك بعدما أعلن الرئيس قيس سعيد في وقت سابق عن اعتزامه رئاسة النيابة العمومية.

ورفض تكتل "قلب تونس" -وهو ثاني أكبر كتلة بالبرلمان- قرارات سعيد، ووصفها بأنها "خرق جسيم للدستور"، وعبّر عن تمسكه بالشرعية الانتخابية واحترام القانون والمؤسسات، كما دعا التكتّل الحكومة لممارسة مهامها الشرعية، وتفادي إحداث فراغ مؤسساتي، حاثا الجيش والأمن على الالتزام بدورهما التاريخي في حماية الدولة ومؤسساتها وقيم الجمهورية والثورة.

وفي الاتجاه نفسه، أعلن حزب "التيار الديمقراطي" أنه يختلف مع الرئيس سعيد في تأويل الفصل رقم 80 من الدستور، وقال إنه يرفض جميع القرارات والإجراءات التي تتخذ خارج بنود الدستور.

ومن جانبه، ذكر حزب العمال أن ما أقدم عليه الرئيس سعيد خرق واضح للدستور واحتكار لكل السلطات بين يديه.

بالمقابل، أعرب حزب "حركة الشعب" ذو التوجه القومي والمعارض لحكومة المشيشي عن مساندته لقرارات الرئيس، واعتبرها طريقا لتصحيح مسار الثورة الذي انتهكته حركة النهضة والمنظومة الحاكمة، حسب بيان للحزب دعا الرئاسةَ إلى المحافظة على الحريات، كما دعا التونسيين إلى المحافظة على سلمية تحركاتهم.

كما وصفت النائبة البرلمانية عن "حزب التيار الديمقراطي" سامية عبّو، في حديث للجزيرة، قرارات الرئيس التونسي بأنها تتوافق مع دستور البلاد؛ ودافعت عن عدم استشارة رئيسيْ الحكومة والبرلمان، قبل اتخاذ هذه الإجراءات.

أما الأمين العام للتيار الديمقراطي التونسي غازي الشواشي فقال للجزيرة إن قرارات سعيّد ربما تكون خرجت عن روح وإطار الفصل الثمانين من الدستور، مؤكدا أن الرئيس ليس في نيته القيام بانقلاب.

وشدد الشواشي على أن الحلول الوحيدة الممكنة يجب أن تكون تحت مظلة الدستور، وإلا فإن البلاد ستذهب إلى المجهول، على حد وصفه.

المصدر : الجزيرة + وكالات