أوريان21: يتامى الأب الوصي.. تونس تحتاج زعيما لإرساء النظام في دولة مهددة بالفشل

مؤيدو حزب النهضة يدعون لإنهاء الانقسام (الأناضول)

تسعى تونس جاهدة للوفاء بمقتضيات المواعيد المالية المحددة لها، في خضم ركود اقتصادي هائل وأزمة صحية مدمرة بفعل "كوفيد-19″، ولكن صراع الشرعية بين الرئيس قيس سعيد والبرلمان يشل المؤسسات السياسية، وقد أصبح الجميع يتحدث عن الحاجة إلى ظهور زعيم قوي، سواء أكان مرغوبا أو مرهوبا، لإرساء النظام في دولة غدت مهددة بالفشل.

بهذا الملخص، جمع موقع "أوريان21" (OrientXXI) الفرنسي مكونات الأزمة التي تعصف بتونس، منطلقا من الحالة التي آلت إليها البلاد منذ سقوط الرئيس زين العابدين بن علي الذي يمثل صورة الشخصية المضللة، يوم 14 يناير/كانون الثاني 2011، عندما بقي السياسيون يتامى الأب والرجل القوي والقائد البصير أو الزعيم على طريقة الرئيس الأول الحبيب بورقيبة.

وفصّل الموقع في مقال مطول -بقلم تيري بريزون- ما تعانيه تونس تحت الموجة الرابعة من فيروس كورونا التي بدأت في منتصف مايو/أيار الماضي، معلنة عن صيف قد يكون مميتا بسبب نظام الرعاية الصحية المتردي، وذلك في جو سياسي يطبعه الارتجال وقصر النظر، وفي مجتمع ممزق وخدمات عامة بائسة.

جدار الديون

وتأتي هذه المشكلة الجديدة -كما يقول الكاتب- وتونس تصطدم بجدار الديون بعد عقد من التدهور المالي، أصبح فيه الدَّين العام يمثل حوالي 100% من الناتج المحلي الإجمالي بعد أن كان يمثل 45% عام 2010، ويسعى البلد للتفاوض مع صندوق النقد الدولي على قرضه الرابع مع أن الاقتصاد عالق، والدولة لا تملك الوسائل لشراء السلم الاجتماعي، بعد أن تم تخفيض الترقيم السيادي لتونس 8 نقاط على مدى العقد الماضي مع نظرة مستقبلية سلبية.

ورغم كل ذلك -يقول الكاتب- فإن على تونس في صيف 2021، دفع قسطين كل منهما بقيمة 500 مليون دولار، لسداد قرض ملزم، وإذا استطاعت جمع 3.6 مليارات يورو اللازمة للوفاء بهذه المواعيد ودفع رواتب الأشهر الثلاثة المقبلة، فمن المحتمل أن تفلت من التخلف عن السداد وتذهب إلى نادي باريس لإعادة جدولة الديون، أي الوصاية الدولية، ولكن إلى متى؟

حرب المواقع وأزمة الهيمنة

هذه الصدمة الصحية والمالية المزدوجة أججت الصراع المفتوح بين رئيس الجمهورية قيس سعيد من جهة والأغلبية في البرلمان وحزب النهضة برئاسة راشد الغنوشي ورئيس الوزراء هشام المشيشي، من الجهة الأخرى، فانخرط المعسكران في حرب مواقع، يرفض كل منهما ما يقدمه الآخر، ويسعى لزيادة نفوذه واستقلاليته، وأزمة تعديل الحكومة شاهدة على ذلك.

غير أن هذه الأزمة الحالية -حسب رأي الكاتب- هي نتاج انتخابات 2019 التي أفرزت أغلبية نيابية غائبة ورئيس جمهورية منقطعا عن الأحزاب، وهذه النتائج في حد ذاتها تعبير عن رفض للطبقة السياسية وللطريق المسدود الذي أوصلت له البلاد، وبالتالي فهي لذلك تجمع كل عناصر ما أسماه أنطونيو غرامشي "أزمة الهيمنة" أو "الأزمة العضوية" التي تتمثل في الانهيار الاقتصادي وتفكك المؤسسات وتشرذم النخب الحاكمة وعدم شرعيتها وعجزها عن الحفاظ على الظروف السياسية لإعادة إنتاج النظام.

الجيش في تونس يفضل، في أوقات الأزمات الحادة، تشجيع السياسيين على العمل من أجل استقرار المؤسسات، ولذلك أرسل الجنرالات المتقاعدون رسالة مفتوحة لقيس سعيد تطالبه بتقديم تنازلات

نظام سياسي جديد

يرى قيس سعيد نفسه منذ انتخابه، مكلفا بأن يكون حصنا للدولة والسيادة الشعبية ضد أعداء غير معروفين، ولكنهم فاسدون ويعملون وراء الكواليس ضد مصالح الوطن، وغالبا ما يتم التلميح إلى حزب النهضة من ضمنهم، وقد استغل كل تناقضات الدستور لزيادة صلاحياته.

ويسعى الرئيس سعيد إلى حوار يكون الفصل الأهم فيه هو مسألة نظام سياسي جديد وقانون انتخابي جديد، وهو يعتمد لتحقيق أهدافه -كما يرى الكاتب- على الديناميكيات المزدوجة لشرعيته الشعبية المباشرة وتآكل الشرعية البرلمانية لفرض نفسه، في أكثر اللحظات دراماتيكية باعتباره الملاذ الوحيد الممكن لنظام فاشل.

ولعل وثيقة رئاسية مسربة نشرها موقع "ميدل إيست آي" في منتصف شهر مايو/أيار، كانت أوضح ما بدا أنه نية لقفزة في المجهول، حيث تظهر الوثيقة تفاصيل خطة لا تعد "انقلابا" بالمعنى الدقيق للكلمة لأنه لم يكن من المفترض إزاحة أي سلطة، بل تفعيل المادة 80 من الدستور التي تمنح رئيس الدولة جميع الصلاحيات لمواجهة "خطر وشيك يعيق عمل السلطات العامة".

غير أن محتوى الوثيقة غير الموقعة لا يساعد في معرفة طبيعتها، هل كانت طلب استشارة من الرئاسة وعلى أي مستوى تمت مناقشتها؟ مع أن رئيس الدولة أكد أنه كان على علم بذلك، ومع ذلك لم ينتهز حزب النهضة الفرصة ليعلن عن أعمال عدائية ضد قيس سعيد، ولكنه أبدى مخاوفه أمام المستشاريات الأجنبية.

وقد أكد نشر مشروع هذا الانقلاب الدستوري تلك التناقضات التي سادت الأجواء لعدة أشهر، كما سحب البساط من تحت قدمي قيس سعيد، وأجبره على النأي بنفسه عن هذه الفرضية.

الجيش قيمة جامعة

وتأكيدا لرغبته في تجسيد الدولة ووحدتها، يظهر رئيس الجمهورية بانتظام في حضور الجيش، ساعيا للحصول على دعمه في تشكيل حصن ضد "نظام الحزب"، لكن الجيش ما يزال على تحفظه، كما يقول الكاتب، وبالتالي فإن فرضية التدخل العسكري المباشر في الساحة السياسية غير مرجحة على عكس الجزائر ومصر، لأن الجيش في تونس يفضل، في أوقات الأزمات الحادة، تشجيع السياسيين على العمل من أجل استقرار المؤسسات، ولذلك أرسل الجنرالات المتقاعدون رسالة مفتوحة لقيس سعيد تطالبه بتقديم تنازلات.

ويعد الجيش في تونس أكثر من مجرد رأس مال رمزي وملاذ آمن، يحاول المرشحون الآخرون لدور قيصر استخدامه لصالحهم، كما فعل وزير الدفاع السابق عبد الكريم الزبيدي خلال الحملة الرئاسية لعام 2019، وكما يحاول الآن الأدميرال كامل عكروت، المستشار العسكري السابق الذي يظهر طموحاته السياسية في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وكما لا تتردد رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي في التباهي بملابس مقلدة للزي العسكري أثناء مظاهرات الشوارع.

وخلص الكاتب إلى أن اللحظة في تونس وإن دعت إلى ظهور قيصر، فإنه لا يبدو أن أي مرشح يمكن أن يقوم ذلك المقام لإنهاء الانسداد الحالي، رغم ارتفاع الأصوات من أجل استعادة مركزية النظام، لا على الطريقة الأميركية ولكن بإعادة تشكيل قصر قرطاج كمكان للتوجيه الرسمي للدولة وغير الرسمي للتحكيم السياسي والاقتصادي، خاصة أن الوباء أظهر بوضوح أن النظام الرئاسي يضخم أخطاء القائد أكثر مما يضمن فعالية العمل العام.

المصدر : أوريان 21